قِصَّة الفداء

43/229

يوسف في مصر

قصد إخوة يوسف أنْ يُميتوه، ولكنَّهم اكتفوا أخيرًا ببيعه كعبد ليمنعوه مِن أنْ يصير أعظم منهم. لقد ظنُّوا أنَّهم وضعوه حيث لن يتمكَّن مِن إزعاجهم بأحلامه فيما بعد، وحيث لن يكون هناك احتمال لتحقيق تلك الأحلام. لكنَّ هذا المسار عينه الذي سلكوه قضى الله أنْ ينتج عنه ذاك الذي تعمَّدوا ألَّا يحدث أبدًا، وهو أنْ يكون ليوسف سلطان عليهم. SRAr 101.2

إنَّ الله لم يترك يوسف ليذهب إلى مصر وحيدًا، فالملائكة مهَّدت الطريق لاستقباله. فقد اشتراه مِن الإسماعيليِّين فوطيفار، رئيس الشرط وخصيُّ فرعون. وكان الربُّ مع يوسف، وكان يُنجحه وأعطاه نعمة في عيني سيِّده، حتَّى أنَّه وكَّله على بيته ودفع إلى يده كلَّ ما كان له. «فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئًا إِلاَّ الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُ» (تكوين ٣٩: ٦). كان يُعتَبر رجسًا وعملًا بغيضًا أنْ يقوم عبرانيّ بإعداد الطعام لمصريّ. SRAr 101.3

عندما وقع يوسف تحت إغراء الانحراف عن الطريق الصحيح والتعدِّي على شريعة الله، الأمر الذي يُثبت عدم أمانته لسيِّده، قاوم بحزم وقدَّم في ردِّه على زوجة سيِّده برهانًا على أنَّه يخاف الله. وبعد حديثه عن الثقة العظيمة التي وضعها سيِّده فيه مِن خلال ائتمانه على كلِّ ما كان له، صرخ قائلًا: «َكَيْفَ أصْنَعُ هذَا الشَّرَّ العَظِيْمَ وَأخْطِئُ إِلَى اللهِ؟” (تكوين ٣٩: ٩). لم يكن بالإمكان إقناعه تحت أيِّ إغواء أو تهديد بالانحراف عن طريق البِرِّ والدوس على شريعة الله. SRAr 101.4

وهو لم يغرق في اليأس عندما وُجِّهت إليه الاتِّهامات ولُفِّقت في حقِّه جريمة دنسة شنعاء. لقد حافظ على ثقته بالله إذ كان على يقين ببراءته وصلاحه. والله الذي كان معه حتَّى ذلك الحين لم يتخلَّ عنه. لقد قُيِّد بالأغلال وأدخِل إلى ظلمات السجن، لكنَّ الله حوَّل محنته هذه إلى بَركة. لقد أعطاه نعمة في عيني حارس السجن، فوكَّل إلى يوسف أمر جميع السجناء. SRAr 102.1

وهنا مثال لجميع الأجيال التي ستعيش على الأرض. فعلى الرغم مِن أنَّ الناس قد يتعرَّضون إلى التجارب، إلَّا أنَّه ينبغي عليهم أنْ يُدرِكوا على الدوام بأنَّ في مُتناول اليد سلاحًا يمكنهم استعماله للدفاع عن أنفسهم، وسيكون الخطأ خطأهم هم إذا لم يحفظوا أنفسهم مِن تلك التجارب. سيكون الله عونًا في الضيقات، وروحه سيكون درعًا لهم. ومع أنَّ أقسى التجارب قد تحيط بهم، فهناك مصدر للقوَّة يمكنهم طلبها لمقاومة التجارب. SRAr 102.2

ما أقسى الهجوم الذي تعرَّضَت له أخلاق يوسف! لقد أتى مِن شخص ذي نفوذ، وكان الهجوم الأكثر احتمالًا لأنْ يقوده إلى الضلال. ومع ذلك، فقد قاوم يوسف تلك التجربة بِحِدَّة وحزم. لقد قاسى يوسف بسبب استقامته ونزاهته لأنَّ تلك التي أرادت أنْ تقوده للانحراف والضلال انتقمت لنفسها مِن الفضيلة التي لم تستطع أنْ تُدمِّرها، وبتأثير نفوذها تسبَّبت في أنْ يُطرح يوسف في السجن وفي أنْ يُتَّهم باطلًا. هنا قاسى يوسف لأنَّه لم يتخلَّ عن نزاهته. لقد وضع سمعته ومصالحه بين يديّ الله. وبالرغم مِن مُعاناته وابتلائه لفترة مِن الوقت، وهو ما حدث لأجل إعداده ليشغل منصبًا أعظم، إلَّا أنَّ الله رعاه وحمى تلك السمعة التي كان قد غشَّاها السواد بواسطة تلك المُتَّهِمة الشرِّيرة، وبعد ذلك، فالله جعل تلك السمعة تتألَّق وتُشِعُّ بحسب توقيته المُناسب. وحتَّى السجن جعله الله طريقًا لِرِفْعَة يوسف. إنَّ الفضيلة ستأتي بمجازاتها في وقتها. إنَّ الدرع الذي صان قلب يوسف كان هو خوف الله، وهو ما جعله صادقًا وعادلًا تجاه سيِّده وأمينًا لله. SRAr 102.3

ومع أنَّ يوسف ترفَّع حتَّى صار رئيسًا على كلِّ أرض مصر، إلَّا أنَّه لم ينسَ الله. لقد عَلِمَ بأنَّه كان غريبًا في أرضٍ غريبة، وقد أبْعِدَ عن والدِه وإخوته الذين غالبًا ما تسبَّبوا في حُزنه، لكنَّه آمَن إيمانًا راسخًا بأنَّ يد الله قد تحكَّمت بمسار حياته وسدَّدت خطواته لتضعه في مركز مُهمّ. ومِن خلال اعتماده المستمرّ على الله، قام بإنجاز جميع واجبات وظيفته بوصفه رئيسًا على أرض مصر بكلِّ أمانة. SRAr 103.1

لقد سار يوسف مع الله، ولم يمكن لأيّ إغواء أو تهديد أنْ يُقنعه بأنْ يحيد عن طريق البرِّ ويتعدَّى على شريعة الله. إنَّ ما تحلّى به مِن استقامة وضبط للنفس وصبر في الضيقات وأمانة لا تهتزُّ، قد كُتِبَ لأجل نفع جميع الذين سيعيشون لاحقًا على الأرض. وعندما اعترف إخوة يوسف بخطيّتهم أمامه، غفر لهم بكلِّ سماحة وأظهر لهم عن طريق أعمال الخير والحبِّ أنَّه لا يُضمر لهم أيَّ شعور بالبغض بسبب قسوتهم عليه في الماضي. SRAr 103.2