قِصَّة الفداء

41/229

درس في رمز

يرمز يعقوب وعيسو إلى فريقين مِن الناس: يعقوب يرمز إلى الأبرار؛ وعيسو إلى الأشرار. إنَّ شعور يعقوب بالكرب والمحنة حين عَلِمَ بأنَّ عيسو كان يتقدَّم نحوه ومعه أربعمئة رجل يرمز إلى ضيقة الأبرار عند صدور الأمر بقتلهم قبل مجيء الربِّ مُباشرة. وإذ يتجمَّع الأشرار ويحيطون بهم، سيملأهم الخوف والجزع لأنَّهم، مِثل يعقوب، لن يقدورا أنْ يروا أيَّ سبيل لنجاتهم. وقف الملاك أمام يعقوب، وتمسَّك يعقوب بالملاك وتعلَّق به وتصارع معه طوال الليل. وهكذا الأبرار أيضًا، في ساعة ضيقهم وجزعهم، يتصارعون في صلاتهم مع الله، كما تصارع يعقوب مع الملاك. قضى يعقوب الليل بطوله يصلِّي طالبًا النجاة مِن يد أخيه عيسو. وهكذا سيصرخ الأبرار إلى الله ليلًا ونهارًا للنجاة مِن أيدي الأعداء المُحيطين بهم. SRAr 97.1

اعترف يعقوب بعدم استحقاقه: «صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ وَجَمِيعِ الأَمَانَةِ الَّتِي صَنَعْتَ إِلَى عَبْدِكَ» (تكوين ٣٢: ١٠). إنَّ الأبرار، إذ يجتازون في الضيق، ستمتلئ نفوسهم بشعور عميق بعدم استحقاقهم. وإذ يذرفون الدموع سيعترفون بأنَّهم بلا قيمة، ومِثل يعقوب، سيتوسَّلون لأجل إتمام مواعيد الله مِن خلال المسيح، تلك المواعيد التي يقدِّمها الله لمثل هؤلاء الخطاة العاجزين التائبين. SRAr 97.2

إنَّ يعقوب في كُربته تعلَّق بالملاك بكلِّ قوَّته ولم يفلته. وإذ قدَّم تضرِّعاته بدموع، ذكَّره الملاك بأخطائه الماضية وحاول الإفلات مِن يعقوب لكي يختبر إيمانه. كذلك الأبرار، في يوم ضيقهم، سيُمتحنون ويُبرهَنون ويُجرَّبون لكي تظهر قوَّة إيمانهم وصبرهم ومثابرتهم وثقتهم غير المُتزعزعة في قدرة الله على تخليصهم. SRAr 97.3

لقد رفض يعقوبُ أنْ يعود خائبًا خاوي الوفاض. كان عالِمًا برحمة الله، فتوسَّل منه في طلب الرحمة. أشارَ يعقوب إلى حزنه وتوبته عن أخطاء الماضي، وألحَّ في توسُّله في طَلَب النجاة مِن يد عيسو، وهكذا ظلَّ يتوسَّل بإلحاح طوال الليل. وإذ قام باستعراض أخطائه، اقترب مِن الوقوع في اليأس، لكنَّه كان يعلم أنَّه يجب أنْ يستعين بالله وإلَّا سيهلك. تعلَّق بالملاك بقوَّة وتوسَّل إليه بصرخاتٍ مُخلِصة ومُتألِّمة إلى أن انتصر. SRAr 98.1

وهكذا سيكون حال الأبرار. فإذ يراجعون أحداث حياتهم الماضية، ستتلاشى آمالهم وستغرق تقريبًا. ولكنْ، إذ يُدركون أنَّ الأمر هو مسألة حياة أو موت، سيصرخون إلى الله بإخلاص، ويتوسَّلون إليه في توبة متواضعة بخصوص تاريخهم المُحزن وخطاياهم الكثيرة، وسيُشيرون إلى وعده: «يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحًا مَعِي. صُلْحًا يَصْنَعُ مَعِي” (إشعياء ٢٧: ٥). وهكذا سيُقدِّمون إلى الله تضرُّعات مُخلِصة ليلًا ونهارًا. لو لم يكن يعقوب قد تاب توبة حقيقيَّة عن خطاياه السابقة عندما حصل على البكوريَّة بالخداع، لَما سمع الله صلاته ولَما حفظ برحمته حياته. SRAr 98.2

إنَّ الأبرار، مِثل يعقوب، سيُظهِرون إيمانًا ثابتًا لا يتزعزع وعزمًا مُخلِصًا لا يعرف الشكَّ. وسيشعرون بعدم استحقاقهم، لكنْ لن يكون لديهم خطايا مخفيَّة لم يُكْشَف عنها. إنَّهم سيُقهَرون في حال كانت لديهم خطايا لم يعترفوا بها ولم يتوبوا عنها إذ ستظهر أمامهم بينما يكتنفهم الخوف والعذاب ويغمرهم إحساس عميق بكلِّ تقصيراتهم. فاليأس سيقطع إيمانهم المُخْلِص، ولن تكون لديهم ثقة للتوسُّل بإخلاص إلى الله في طلب النجاة، وسيقضون وقتهم الثمين في الاعتراف بالخطايا المُستترة وفي النوح على حالتهم التي لا رجاء منها. SRAr 98.3

إنَّ زمن الشفاعة هو الوقت الذي يُمنح للجميع لكي يستعدُّوا ليوم الله. وإذا أهمل الإنسان الاستعداد ولم يتنبَّه للتحذيرات الصادقة المُقدَّمة، فإنَّه سيكون بلا عُذر. إنَّ إخلاص يعقوب ومثابرته في صراعه مع الملاك ينبغي أنْ يكون مثالًا للمؤمنين: لقد انتصر يعقوب بفضل مثابرته وعزمه. SRAr 99.1

إنَّ جميع الذين يرغبون الحصول على البركة الإلهيَّة كما فعل يعقوب، ويتمسَّكون بالمواعيد مِثله، ويكونون حارِّين وجادِّين ومداومين على الصلاة مثله، سينجحون كما قد نجح هو. إنَّ الكثيرين مِمَّن يدَّعون الإيمان لا يمارسون الإيمان الحقيقيّ إلَّا ممارسة ضئيلة للغاية ولا يثبت فيهم إلَّا الشيء القليل مِن ثِقل الحقَّ، والسبب هو أنَّهم مُتراخون ومُتبلِّدون في الروحيَّات. إنَّهم لا يرغبون في بذل الجهد ولا في إنكار الذات ولا في المكافحة أو المجاهدة أمام الله والصلاة وقتًا طويلًا وبكلِّ غيرة وحرارة في طلب البركة، ولذلك لا يحصلون عليها. إنَّ الإيمان الذي سيصمد خلال وقت الضيق ينبغي أنْ يوضع موضع الممارسة اليوميَّة في الوقت الحاضر. وأولئك الذين لا يبذلون مجهودًا كبيرًا الآن في ممارسة الإيمان المُثابر سيكونون غير مُستعدِّين على الإطلاق لممارسة ذلك الإيمان الذي سيمكِّنهم مِن الصمود في يوم الضيق. SRAr 99.2