قِصَّة الفداء

36/229

١٢ - يعقوب وعيسو

يعتمد هذا الفصل على ما جاء في تكوين ٢٥: ١٩-٣٤؛ وتكوين ٢٧: ١-٣٢.

إنَّ الله يعلم النهاية مِنذ البداية. وكان يعَلمُ، قَبْل ولادة يعقوب وعيسو، نوع الأخلاق التي سيكتسبها كلٌّ منهما. لقد عَلِمَ بأنَّ قَلْبَ عيسو لن يكون قلبًا راغبًا في طاعته. استجاب الله للصلاة المضطربة التي رفعتها رفقة، وأبلغها أنَّه سيكون لها ابنان وأنَّ الابن الأكبر سيكون خادمًا للأصغر. وكشف أمامها التاريخ المُستقبليّ لابنيها وأنَّهما سيكونان أمَّتين، واحدة أعظم مِن الأخرى، وأنَّ الأكبر لا بُدَّ أنْ يخدم الأصغر. كان مِن حقِّ الابن البِكر أنْ يتمتَّع بمزايا وامتيازات خاصَّة لا تحقُّ لأيِّ فردٍ آخر في العائلة. SRAr 87.1

كان إسحق يُحِبُّ عيسو أكثر مِن يعقوب، لأنَّ عيسو كان يوفِّر له اللحم مِن طرائد الصيد. كان يُسَرُّ بجسارة ابنه وشجاعته التي ظهرت في صيد الحيوانات المُفترسة. أمَّا يعقوب فقد كان هو الابن المُفضَّل عند والدته، وذلك للطف طباعه وتصرُّفاته التي أسرَّتها. عَلِمَ يعقوب مِن والدته أنَّ الله قد أخبرها بأنَّ ابنها الأكبر سيخدم الأصغر، وقاده تفكيره الشبابيّ إلى أنْ يستنتج أنَّ ذلك الوعد لم يكن ليتحقَّق إذا بقي عيسو مُحتفظًا بالامتيازات التي تُمنح للابن البِكر. وذات مرَّة، عاد عيسو مِن صيده وهو يشعر بتعبٍ وجوعٍ شديدين، فاغتنم يعقوب الفُرصة ليُحوِّل احتياج عيسو لصالحه وعَرَض عليه أنْ يُقدِّم له طبيخًا مُقابل أنْ يتنازل له عن بكوريَّته، فباع عيسو بكوريَّته ليعقوب. SRAr 87.2

اتَّخذ عيسو لنفسه زوجتين عابدتين للأوثان، وكان ذلك سبب حُزن شديد لإسحق ورفقة. ومع ذلك أحبَّ إسحق عيسو أكثر مِن يعقوب. وعندما ظنَّ أنَّه على وشك الموت، طلب مِن عيسو أن يُعِدَّ له طعامًا مِن اللحم كي يُباركه قبل أنْ يموت. لم يُخبر عيسو أباه أنَّه قد باع بكوريَّته ليعقوب وأنَّه ثبَّت ذلك بقسم. سَمَعَت رفقة كلمات إسحق، وتذكَّرت كلمات الربِّ لها: «وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِير» (تكوين ٢٥: ٢٣)، وعَلِمَت أنَّ عيسو استهان ببكوريَّته وباعها ليعقوب. أقنعت يعقوب بأنْ يخدع أباه وأنْ يأخذ بركات والده بالاحتيال، إذ ظنَّت بأنَّه لا يمكن الحصول عليها بطريقة أخرى. في بداية الأمر، لم يكن يعقوب مُستعِدًّا لأن يُمارس تلك الخديعة، لكنَّه وافق أخيرًا على خطَّة والدته. SRAr 88.1

كانت رفقة على علم بانحياز إسحق لعيسو، وكانت مُقتنعة بأنَّ المنطِق لن يُغيِّر هدفه. وبدلًا مِن أنْ تثق بالله الذي يُرتِّب الأحداث، أظهرت قلَّة إيمانها مِن خلال إقناعها يعقوب بأنْ يخدع أباه. إنَّ منهج يعقوب في هذا لم ينل موافقة الله. كان على رفقة ويعقوب أنْ ينتظرا الله حتَّى يُتمِّم مقاصِدَه هو بطريقته الخاصَّة، وفي توقيته الخاصّ، بدلًا مِن أنْ يحاولا عن طريق اللجوء إلى الخداع تحقيق الأحداث التي سبق وأخبر بها. SRAr 88.2

لو كان عيسو قد أخذ مِن والده البركة التي كانت تُمنَح للابن البكر، لكان نجاحه سيأتي مِن الله وحده؛ ولكان الله سيباركه بالازدهار، أو سيجلب عليه المِحَن، بحسب ما تكون أعماله. فإنْ هو أحبَّ الله وأكرمه، كما فعل هابيل البارّ، كان الله سيقبله ويُباركه. أمَّا في حال كان مِثل قايين الشرّير ولم يحترم الله ولا وصاياه، بل اتَّبع سلوكه الفاسد، فإنَّه لن ينال بَركة بل سيُرفَض مِن الله كما رُفِض قايين. ولو كان سلوك يعقوب سلوكًا بارًّا وأحبَّ الله وخشيه، لكان الله سيباركه وستكون يده مع يعقوب لتنجحه، حتَّى وإنْ لم يحصل على البركات والامتيازات التي تُمنح عمومًا للابن البكر. SRAr 88.3