قِصَّة الفداء

34/229

١١ - زواج إسحق

يعتمد هذا الفصل على ما جاء في سِفر التكوين ٢٤.

كان الكنعانيُّون عبدة أصنام، وكان الله قد أمَرَ شعبه ألَّا يتزوَّجوا منهم، لئلَّا يقودُهم ذلك إلى عبادة الأوثان. كان إبراهيم شيخًا مُتقدِّمًا في السنّ، وكان ينتظر أنْ يموت قريبًا. لم يكن إسحق قد تزوَّج بعد، فخشي إبراهيم على إسحق مِن المؤثِّرات المُفسدة المُحيطة به، وكان يتوق إلى تزويجه مِن فتاة لا تُبعده عن الله. كلَّف إبراهيم عبده الأمين المُحنَّك، الذي كان المسؤول عن كلِّ ما كان له، القيام بهذه المهمَّة والمأمورية الهامَّة. SRAr 84.1

أمرَ إبراهيم خادمه ذاك أنْ يحلف أمام الله ألَّا يأخذ لابنه إسحق زوجة مِن بنات الكنعانيِّين، بل أنْ يذهب إلى عشيرة إبراهيم التي كان أبناؤها يؤمنون بالإله الحقيقيّ ويختار مِن هناك زوجة لإسحق. أوصاه أنْ يحترز وألَّا يأخذ إسحق إلى الأرض التي جاء منها، لأنَّهم كانوا في غالبيَّتهم العُظمى مُتأثِّرين بعبادة الأوثان. وفي حال لم يتمكَّن من إيجاد زوجة لإسحق تقبل أنْ تترك عشيرتها وتأتي إلى حيث كان هو، عندئذ يكون بريئًا مِن حلف القسم الذي قطعه. SRAr 84.2

لم تُتْرَك هذه المأمورية الهامَّة لإسحق ليختار هو لنفسه بشكل مُستقلٍّ عن أبيه. أخبر إبراهيم خادمه أنَّ الله سيُرسِل ملاكه أمامه ليُرشده في اختياره. بدأ العبد الذي كُلِّف بهذه المأمورية رحلته الطويلة. وإذ دخل المدينة حيث تسكن عشيرة إبراهيم، رفع صلاة حارَّة إلى الله ليُرشده في اختياره زوجةً لإسحق. طلب مِن الله أنْ يُمنح إرشادات تكون لها دلالة خاصَّة لكي لا يُخطئ الاختيار. استراح بالقُرب مِن بئر، حيث كان يتجمَّع الكثيرون. هنا اجتذب نظرَه بشكل خاصّ أسلوب رفقة الجذَّاب وسلوكها اللطيف المُهذَّب، وقد تلقَّى مِن الله كلَّ الدلائل التي طلبها، والتي تشير إلى أنَّ رفقة هي التي سُرَّ بها الله لتكون زوجة لإسحق. دَعَت رفقة العبد إلى بيت أبيها. بعد ذلك، أخبر العبد والد رفقة وأخاها بالعلامة التي تلقَّاها مِن الربِّ على أنَّ رفقة هي التي ستكون زوجة لإسحق، ابن سيِّده. SRAr 84.3

ثمَّ قال لهم عبد إبراهيم: «وَالآنَ إِنْ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعْرُوفًا وَأَمَانَةً إِلَى سَيِّدِي فَأَخْبِرُونِي، وَإِلاَّ فَأَخْبِرُونِي لأَنْصَرِفَ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا» (تكوين ٢٤: ٤٩). فأجاب الأب والأخ وقالا: «‹مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ خَرَجَ الأَمْرُ. لاَ نَقْدِرُ أَنْ نُكَلِّمَكَ بِشَرّ أَوْ خَيْرٍ. هُوَذَا رِفْقَةُ قُدَّامَكَ. خُذْهَا وَاذْهَبْ. فَلْتَكُنْ زَوْجَةً لابْنِ سَيِّدِكَ، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ›. وَكَانَ عِنْدَمَا سَمِعَ عَبْدُ إِبْرَاهِيمَ كَلاَمَهُمْ أَنَّهُ سَجَدَ لِلرَّبِّ إِلَى الأَرْضِ» (تكوين ٢٤: ٥٠-٥٢). SRAr 85.1

بعد أنْ تمَّ إعداد كلَّ شيء وتمَّ الحصول على موافقة الأب والأخ، سُئِلت رفقة فيما إذا كانت راضية بأنْ تذهب مع عبد إبراهيم وتقوم بتلك الرحلة الطويلة بعيدًا عن بيت أبيها لتصير زوجة لإسحق. آمَنَت رِفقة وفقًا للأحداث والمواقِف التي تمَّت بأنَّ يد الله قد اختارتها لتصير زوجة لإسحق، «فَقَالَتْ: ‹أَذْهَبُ›” (تكوين ٢٤: ٥٨). SRAr 85.2

كانت عقود الزواج في تلك الأيَّام تُعقَد بواسطة الآباء عمومًا؛ ومع ذلك لم يكن الأبناء يُجبَرون على الزواج بمن لم يكونوا يُحبُّون. لكنْ، كان للأبناء ثقة في حِكمة آبائهم، وكانوا يتبعون نصائحهم ومشورتهم، ويفيضون عواطفهم على أولئك الذين اختارهم لهم آباءهم الخائفين الله والذين قد اختبروا الحياة. إنَّ مُخالفة ذلك النظام كان يُعتبر جريمة في حقِّ الأبوين. SRAr 85.3