قِصَّة الفداء
بدايات الموت
وإذ راح هابيل يُبرِّر تدبير الله للخلاص، ازداد بغض قايين واشتعل غضبه على هابيل، وفي ثورة غضبه قام بذبحه. سأل الله قايين عن أخيه، فنطق قابيل بكذبة آثِمة: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟» (تكوين ٤: ٩). عندئذ أخبر الله قايين بأنَّه عارفٌ بخطيتئه وبأنَّه عالِم بكلِّ عملٍ وحتَّى بأفكار قلبه، وقال له: «صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْض. فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِك. مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهًا وَهَارِبًا تَكُونُ فِي الأَرْضِ» (تكوين ٤: ١٠-١٢). SRAr 54.1
قبل ذلك، كان بالإمكان الشعور باللعنة التي حلَّت بالأرض مِنذ البداية ولكنْ على نحو خفيف؛ أمَّا الآن فاللعنة عليها قد تضاعفت. إنَّ قايين وهابيل يُمثِّلان فريقَين مِن الناس، الأبرار والأشرار، المؤمنين وغير المؤمنين، وهما الفريقان اللذان لا بدَّ أنْ يتواجدا معًا منذ سقوط الإنسان حتَّى المجيء الثاني للمسيح. إنَّ قايين الذي ذبح أخاه هابيل يُمثِّل الأشرار الذين سيحسدون الأبرار ويُبغضونهم لأنَّهم أفضل منهم. إنَّهم سَيغارون مِن الأبرار ويضطهدونهم ويقتلونهم لأنَّ صلاح الأبرار هو إدانة لسلوك الأشرار الخاطئ. SRAr 54.2
لقد كانت حياة آدم حياة حُزن وذلِّ وتوبة لا تنقطع. وإذ علَّم أبناءه وأحفاده مخافة الربِّ، كان غالبًا ما يُوبَّخ بمرارة لأجل خطيئته التي نجم عنها الكثير مِن الشقاء الذي حلَّ بنسله. وعندما غادر جنَّة عدن الجميلة، أرعبته فكرة أنَّه لا بدَّ مِن أنْ يموت، فامتلأ قلبه خوفًا. لقد كان ينظر إلى الموت باعتباره كارثة مُرعِبة. وقد تعرَّف إلى حقيقة الموت لأوَّل مرَّة في العائلة البشريَّة عندما قتل ابنُه قايين أخاه هابيل. وإذ امتلأ قلب آدم ندامة مريرة على تعدِّيه الشخصيّ وحِرمانه مِن ابنه هابيل واعتبار ابنه الآخر قايين مجرمًا قاتلًا ومعرفته باللعنة التي أوقعها الله عليه، انحنى قلبُ آدم حزنًا وأسى. وكانت مرارته الأشدَّ في مُعاتبة نفسه وتوبيخها على تعدِّيه الأوَّل الفادِح. لقد توسَّل في طلب العفو مِن الله بواسطة الذبيحة الموعود بها، وشعرَ بعمق غضب الله على جريمته التي اقترفها في الفردوس. كما شاهد الفساد العامَّ الذي دفع اللهَ فيما بعد لإهلاك سُكَّان الأرض بالطوفان. إنَّ حُكم الموت الذي أصدره الله الخالق عليه، ذلك الحكم الذي بدا له في البداية حكمًا مُرعِبًا للغاية وهو الذي عاش بعد ذلك عدَّة مئات مِن السنين، بدا حكمًا عادِلًا ورحيمًا قد صدر مِن الله لكي توضع نهاية لحياته الحزينة البائسة. SRAr 55.1
وعندما شاهد آدم أولى علامات الانحلال في الطبيعة مِن خلال تساقط أوراق الأشجار وذبول الأزهار، بكى وانتحب بحزن أعمق مِن حزن الناس اليوم على موتاهم. ولم يكن ذبول الأزهار هو سبب ذلك الحزن العميق، لأنَّها أكثر نعومة ورقَّة؛ لكنَّ الأشجار الطويلة والشامخة والقويَّة وهي تُلقي بأوراقها وتتحلَّل مثَّلت بالنسبة له الانحلال الذي شمل الطبيعة الجميلة بأسرها، تلك الطبيعة التي خلقها الله لأجل منفعة الإنسان وصالحه بالذات. SRAr 55.2
لقد رسمَ آدم لأبنائه وأحفاده حتَّى الجيل التاسع صورة دقيقة عن كمال البيت الذي كان له في جنَّة عدن، وأيضًا عن سقوطه وعمَّا نتج عن ذلك مِن نتائج مُرعِبة وعن مقدار الحزن الذي حلَّ به بسبب التمزُّق في عائلته والذي انتهى بموت هابيل. لقد أخبرهم عن الآلام التي علَّمه الله مِن خلالها ضرورة التمسُّك بشريعته والاعتصام بها. كما أوضح لهم أنَّ الْخَطِيَّةَ ستُعاقَب في أيِّ شكل وُجِدت به، وتوسَّل إليهم أنْ يطيعوا الله الذي سيرحمهم إذا هُم أحبُّوه وخافوه. SRAr 55.3
وبعد سقوط آدم تواصل معه الملائكة، وأعلموه بتدبير الخلاص وبأنَّ الجنس البشري ليس أبعد مِن أنْ يبلغه الفداء. ومع أنَّ الانفصال الرهيب قد وقع بين الله والإنسان، إلَّا أنَّه قد تمَّ إعداد تدبير ستتمُّ مِن خلاله نجاة الإنسان بواسطة تقدمة ابنه الحبيب. لكنَّ رجاءهم الوحيد هو في حياة التوبة المتواضعة والإيمان بذلك التدبير. وجميع الذين سيقبلون المسيح باعتباره المُخلِّص الوحيد سينالون رضا الله مِن جديد مِن خلال استحقاقات ابنه. SRAr 56.1