قِصَّة الفداء
٦ - قايين وهابيل وتقدماتهما
يعتمد هذا الفصل على ما جاء في سِفر التكوين ٤: ١-١٥.
كان قايين وهابيل، ابنا آدم، مُختلفين تمامًا في صفاتهما. فقد كان هابيل يخاف الله، أمَّا قايين فقد كان يُراعي في نفسه أحاسيس التمرُّد والتذمُّر على الله بسبب اللعنة التي أعلِنَت على آدم وبسبب الأرض التي لُعِنَت جرَّاء خطيئته. وقد حصل هذان الأخوان على إرشاد بخصوص ما كان قد أعدَّه الله لِخلاص الجنس البشريّ. وكان عليهما اتِّباع نظام يقوم على الطاعة المتواضعة، حيث كان عليهما إظهار خضوعهما لله وإيمانهما واعتمادهما على الفادي الموعود به مِن خلال أنْ يقوما بذبح أبكار القطيع وتقديمها مع الدم بكلِّ إجلال مُحرقةً لله. كان القصد مِن هذه الذبيحة أنْ تُبقِي في ذهنيهما ذكرى دائمة بخطيتهما وبالفادي الذي سيأتي والذي سيكون هو الذبيحة العُظمى المقدَّمة بالنيابة عن الإنسان. SRAr 52.1
لقد قدَّم قايين تقدمته للربِّ بروح التذمُّر والإلحاد في قلبه بخصوص الذبيحة الموعود بها. لم يكن راغِبًا في أنْ يتبع بالتمام خطَّة الطاعة ويأتي بِحَمَلٍ ويُقدِّمه مع ثمار الأرض. لقد اكتفى بمجرَّد ثمار أخذها مِن الأرض مُهملاً مطاليب الله. كان الله قد بيَّن لآدم أنَّه بدون سفك دم لا يمكِن أنْ تحصل مغفرة. إنَّ قايين لم يكن حتَّى مُهتمًّا بأنْ يأتي بتقدمة مِن أفضل الثمار. نَصَحَ هابيل أخاه بأنْ لا يأتي أمام الربِّ بدون دم الذبيحة. ولكنْ باعتبار أنَّ قايين هو الأخ الأكبر، فهو لم يستمع لأخيه. لقد احتقر مشورته، وقدَّم تقدمته بتذمُّر وشَكٍّ في أهمِّيَّة التقدمات الطقسيَّة، لكنَّ الله لم يقبلها. SRAr 52.2
لقد قدَّم هابيل تقدمته مِن باكورات قطيعه ومِن أحسنها امتثالًا لأمر الربِّ؛ وقد قدَّم تقدمته بإيمان كامل بالمسيَّا الآتي وبخشوع مُتَّضع. ونَظَرَ الله إلى تقدمته وقُربانه، حيث نزلت نار مِن السماء وأكلت ذبيحة هابيل. لم يرَ قايين أيَّة علامة على أنَّ قربانه قد تمَّ قُبوله، فغضِبَ مِن الله ومِن أخيه. تكرَّمَ اللهُ وأرسلَ ملاكًا إلى قايين ليكلِّمه. SRAr 53.1
سأل الملاكُ قايين عن سبب غضبه، وأعلمَه بأنَّه إنْ عَمِلَ حسنًا واتَّبع الإرشادات التي أعطاها الله له، فإنَّ الله سيقبله وينظر إلى قربانه. ولكنْ، إذا لم يخضع بتواضع لتدابير الله ويؤمن به ويُطيعه، فلن يقبل الله تقدمته. قال الملاك لقايين بأنَّ ما حدث لم يكن ظُلمًا مِن جانب الله أو مُحاباة أظهرها نحو هابيل، بل أنَّ الله لم ينظر لتقدمة هابيل بسبب خطيئته وعدم طاعته لوصيَّة الله الصريحة، ولو كان قد فَعَل حسنًا لقَبِلَهُ الله ولكان على أخيه أنْ يستمع إليه لأنَّه هو الأكبر وهو الذي سيقوم بدور القائد. SRAr 53.2
ولكنَّ قايين لم يتُب حتَّى بعد أنْ وصله هذا الإرشاد بكلِّ أمانة. وبدلًا مِن أنْ يلوم نفسه على عدم إيمانه، فقد استمرَّ بالاشتكاء مِن ظلم الله ومُحاباته. وبسبب حسده وكراهيته فقد تجادل مع أخيه هابيل ووبَّخه. أشار هابيل بكلِّ وداعة إلى ذنب أخيه مُظهرًا له بأنَّ العيب فيه هو. لكنَّ قايين أبغض أخاه منذ تلك اللحظة حين ظهرت علامة القبول الإلهيّ على قربانه. حاول هابيل أنْ يُهدِّئ مِن غضب أخيه مِن خلال توجيه نظره إلى إشفاق الله في إبقائه على حياة والدَيهما مع أنَّه كان يستطيع أنْ يجلب عليهما الموت المُباغِت. وقال لقايين بأنَّ الله يحبُّهم، وإلَّا لما كان بذل ابنه البارَّ والقدُّوس ليتألَّم ويحتمل العقاب الذي يستحقُّه الإنسان بسبب عدم طاعته. SRAr 53.3