قِصَّة الفداء

224/229

بانوراما الصراع العظيم

وفوق العرش يُرى الصليب واضحًا؛ وتظهر مشاهد تجربة آدم وسقوطه كما على شاشة بيضاء فسيحة في مشهد بانوراميّ شامل، وتظهر أيضًا الخطوات المتتابعة في تدبير الفداء العظيم. فميلاد المُخلِّص الوضيع، وحياة الصبا التي قضاها في بساطة وطاعة، ومعموديَّته في نهر الأردنّ، والصوم والتجربة في البرِّيَّة، وخدمته العلنيَّة التي كشف فيها للناس عن أثمن بركات السماء، وأيَّامه التي ازدحمت بأعمال المحبَّة والرحمة، والليالي التي كان يقضيها ساهرًا ومصلِّيًا ومعتزلًا في الجبال، والجزاء الذي ناله مِن مؤامرات الحسد والكراهية والخُبث في مقابل الخير العظيم الذي نالوه على يديه، والعذاب الأليم المخيف الغامض في جثسيماني تحت وطأة ثقل خطايا العالَم أجمع، وتسليمه لأيدي الرعاع المجرمين القتلة؛ والأحداث المُخيفة التي حدثت في ليلة الرعب تلك، والأسير المستسلِم الذي تركه تلاميذه الأحبَّاء وهو يُساق بكلِّ قسوة وعنف في شوارع أورشليم؛ ابن الله يوقف بكلِّ فرح وانتصار أمام حنَّان ويُحاكَم في قصر رئيس الكهنة، وفي دار ولاية بيلاطس وأمام هيرودس الجبان القاسي، وقد سخروا منه وأهانوه وعذِّبوه وحُكمَ عليه بالموت، كلُّ ذلك يُصوَّر بكلِّ وضوح. SRAr 423.1

والآن تنكشف المشاهد الختاميَّة أمام ذلك الجمع الحاشد: فالمُتألِّم الصبور يسير في الطريق إلى الجلجثة، ملك السماء يُعلَّق على الصليب، الكهنة المتغطرسون والرُّعاع المتهكِّمون يهزأون بآلام احتضاره، الظلمة غير الطبيعيَّة تغشى الأرض التي تزلزلت، والصخور التي تشقّقت، والقبور التي تفتَّحت مُحدِّدة اللحظة التي فيها أسلَم فادي العالم روحَه. SRAr 423.2

يبدو المنظر المخيف كما كان تمامًا، فالشيطان وملائكته ورعاياه لا يستطيعون الابتعاد عن الصورة التي تصوِّر ما اقترفوه. وكلُّ ممثِّل يتذكَّر الدور الذي قام به: هيرودس الذي قتل أطفال بيت لحم الأبرياء لكي يُهلك ملك إسرائيل، وهيروديَّا الخسيسة التي يستقرُّ على نفسِها الآثمة دم يوحنَّا المعمدان، وبيلاطس الضعيف خادم الزمان، والجنود الساخرون، والكهنة والرؤساء والجمع الهائج الذي صرخ قائلًا: «دمه علينا وعلى أولادنا» —الجميع يرون هول جريمتهم. وعبثًا يُحاولون الاختباء مِن جلال وعظمة طلعته الإلهيَّة التي تكسف بهاء الشمس، بينما يطرح المفديُّون أكاليلهم عند رِجلَي المُخلِّص صارخين وقائلين: «لقد مات عنِّي!». SRAr 424.1

وبين جموع المفتدين يوجد رُسُل المسيح، بولس الشجاع وبطرس الغيور ويوحنَّا المحبوب والمُحِبّ وإخوتهم المُخلِصون، ومعهم الجمهور الغفير مِن الشهداء، بينما يوجد في خارج الأسوار مع كلِّ ما هو دنس ورجس أولئك الذين اضطهدوهم وسجنوهم وقتلوهم. فهناك يوجد نيرون، ذلك الوحش الذي اشتهر بالقسوة والرذيلة وهو يرى فرح الذين قد عذَّبهم وأمجادهم فيما كان يجد سروره الشيطانيّ في رؤيتهم وهم يُقاسون أرهب العذابات. وأمُّه موجودة هناك لتشهد نتيجة عملها ولترى كيف أنَّ طابع خلقها الشرِّير قد انتقل إلى ابنها، والأهواء والشهوات التي تجرَّأ على السير فيها وتنميتها بقوَّة تأثيرها ومثالها قد أتت بثمارها في الجرائم التي جعلت العالَم يرتعد مِن هولها. SRAr 424.2

وهناك يوجد كهنة وأساقفة بابويُّون ممَّن ادَّعوا أنَّهم سفراء المسيح ومع ذلك فقد لجأوا إلى آلات التعذيب والسجون والحرق بالنار ليتحكَّموا في ضمائر شعب الله. وهُناك الباباوات المتكبِّرون الذين رفعوا أنفسهم فوق الله وتجرَّأوا على تغيير شرائع العليّ. فآباء الكنيسة المُدَّعون عليهم حساب عسير يُقدِّمونه إلى الله، وهم يشتاقون لأنْ يُعفوا منه، ويرون في وقت متأخِّر جدًّا أنَّ الله العليم بكلِّ شيء يغار على شريعته وأنَّه لا يُبرِّر المُذنِب. وهم يعلمون الآن أنَّ المسيح يُقرِن مصلحته بمصالح شعبه المُتألِّم؛ وهم يشعرون بقوَّة كلامه القائل: «بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ» (متَّى ٢٥: ٤٠). SRAr 425.1