قِصَّة الفداء

16/229

إطلالة على المستقبل

كشف الله لآدم أحداثًا مُستقبليَّة هامَّة، ابتداءً بطرده مِن جنَّة عدن إلى الطوفان، وصولاً إلى المجيء الأول للمسيح؛ إنَّ محبَّة ابن الله لآدم ونسله جعلته يتنازل ويأخذ الطبيعة البشريَّة، وباتِّضاعه سوف يرفع كلَّ مَن يؤمن به. مثل هذه التضحية كانت ذات قيمة عظيمة وكافية لخلاص العالَم أجمع؛ ولكنْ لن يقبل الخلاص المُقدَّم بواسطة هذه التضحية العجيبة سوى قلَّة قليلة. وأغلب الناس لن يُتمِّموا الشروط المطلوبة منهم ليُصيروا شُركاء في خلاصه العظيم، وسيُفضِّلون حياة الْخَطِيَّةِ والتعدِّي على شريعة الله بدلًا مِن أنْ يتوبوا ويقدِّموا الطاعة مُعتمدين بالإيمان على استحقاقات تلك الذبيحة. إنَّها ذبيحة ذات قيمة غير محدودة، بحيث أنَّها تجعل كلَّ مَن يقبلها أغلى مِن الذهب الخالص والإنسانَ أعَزَّ مِن ذهب أوفير. SRAr 48.2

لقد رافق آدم أجيالًا مُتعاقبة مِن نسله ورأى تفاقم الجريمة والذنوب والفساد بسبب خضوع الإنسان لميوله الطبيعيَّة القويَّة التي تدفعه للتعدِّي على شريعة الله المقدَّسة. وقد كُشِفَ له عن لعنة الله التي ستقع بشدَّة متزايدة على الجنس البشريّ والبهائم والأرض بسبب تعدِّي الإنسان المستمر. وكُشِفَ له أنَّ الإثم والعنف سيزدادان ويتعاظمان؛ ومع ذلك ففي وسط كلِّ تيَّار البؤس البشري، سيبقى هناك قليلون يحفظون معرفة الله وسيظلُّون أنقياء وسط الانحدار الأخلاقيّ السائد. لقد أتيحَت لآدم فرصة أنْ يُدرِك ما هي الْخَطِيَّةُ - إنَّها التعدِّي على الشريعة. لقد كُشِفَ له بأنَّ الانحطاط الأخلاقيّ والفكريّ والجسديّ هو نتيجة تعدِّي الجنس البشري، وهو الأمر الذي سيستمرّ إلى أنْ يمتلئ العالَم بمختلف أشكال الشقاء. SRAr 49.1

إنَّ حياة الإنسان قصرت بسبب المسار الذي اتَّخذه في التعدِّي على شريعة الله البارَّة. لقد وصل الجنس البشريُّ في النهاية إلى حالة هائلة مِن الانحلال الذي أظهر كيف انحدر البشر إلى مستوى متدنٍّ وكيف صاروا تقريباً بلا قيمة. إنَّهم، على العموم، لم يستطيعوا أنْ يقدِّروا القيمة الكامنة في سرِّ الجلجثة وحقائق الكفَّارة العظمى السامية وتدبير الفداء، والسبب في ذلك هو الانغماس في الفكر الجسدانيّ الشهوانيّ. وبالرغم مِن عجز البشر وضعف قواهم الفكريَّة والأخلاقيَّة والجسديَّة، فالمسيح باعتبار أنَّه أمين وصادق في إتمام القصد الذي مِن أجله ترك السماء، ما يزال يُظهِر اهتمامه بالضعفاء وقليلي الشأن والمنحطِّين مِن البشر، ويواصل توجيه دعوته إليهم لكي يُخفوا ضعفاتهم ونقائصهم المفرطة فيه. فإذا أتوا إليه، فهو سيلبِّي كلَّ احتياجاتهم. SRAr 49.2