قِصَّة الفداء

209/229

٥٧ - مُناجاة الأرواح

إنَّ عقيدة الخلود الطبيعيِّ مهَّدت الطريق أمام عقيدة مناجاة الأرواح العصريَّة. فإذا كان يُسمح للموتى بأنْ يَمْثلوا في محضر الله والملائكة القدِّيسين ويمتازوا بمعرفة تفوق كثيرًا ما كان لهم مِن قبل، فلماذا إذًا لا يعودون إلى الأرض لإنارة الأحياء وإرشادهم؟ وكيف يستطيع الذين يعتقدون بوعي الإنسان عند الموت أنْ يرفضوا ما يأتيهم على أنَّه نورٌ إلهيٌّ يصل إليهم بواسطة الأرواح المُمجَّدة؟ هنا قناة تُعْتَبَرُ مُقدَّسة، لكنَّ الشيطان يعمل مِن خلالها لإتمام أغراضه. فالملائكة الساقطون الذين ينفِّذون أمره يبدو كأنَّهم رُسُل قادمون مِن عالَم الأرواح. ففي حين أنَّهم يدَّعون القدرة على إجراء اتِّصال بين الأحياء والموتى، فإنَّ الشيطان يُمارس تأثيره الساحر على عقولهم. SRAr 393.1

إنَّ للشيطان سلطانًا أنْ يُري الناس أشباه أصدقائهم الراحلين. إنَّ التزييف كامل الإتقان؛ فالنظرة المألوفة والكلام والنغمة التي يُنطق بها تُنسخ وتُمثَّل بدقَّة عجيبة. وكثيرون يتعزّون بيقين كون أحبَّائهم يتمتَّعون بسعادة السماء، ومِن دون أنْ يشكُّوا في وجود خطر يُصغون إلى أرواح مُضِلَّة وتعاليم شياطين. SRAr 393.2

ومتى وصلوا إلى الاعتقاد بأنَّ الموتى يعودون بالفعل للاتِّصال بهم، عندئذ يستخدم الشيطان أولئك الذين نزلوا إلى قبورهم وهُم غير مُستعدِّين، حيث يجعلهم يظهرون ويدَّعون بأنَّهم سعداء في السماء وأنَّ لهم مراكز سامية هناك؛ وهكذا ينتشر التعليم المُضِلُّ الذي مفاده أنْ لا فرق بين الأبرار والأشرار. إنَّ أولئك الزوَّار المزعومين القادمين مِن عالَم الأرواح ينطقون أحيانًا بإنذارات وتحذيرات يتبرهن أنَّها صحيحة. فمتى وثق بهم مشاهدوهم، حينئذ يقدِّمون تعاليم تُقوِّض بصورة مُباشرة الإيمان بالأسفار المُقدَّسة. فإذ يتظاهرون بأنَّهم يهتمُّون اهتمامًا عميقًا بخير أصدقائهم الذين على الأرض، يدسُّون في أذهانِهم أخطر الضلالات. إنَّ حقيقة كونهم يُقرِّون بعض الحقائق ويستطيعون أحيانًا إنباء الناس بحوادث مُستقبليَّة تضفي على تصريحاتهم طابع اليقين والموثوقيَّة؛ وكثيرون مِن الناس يقبلون تعاليمهم الكاذبة بسرعة ويصدِّقونها بشكل مُطلق كما لو كانت أقدس حقائق الكتاب المُقدَّس. وهكذا يُلقي الناس بشريعة الله جانبًا ويزدرون بروح النعمة ويحسبون دم العهد دَنِسًا. إنَّ الأرواح تُنكر ألوهيَّة المسيح، بل تجعل الخالق نفسه في مستواها. وهكذا ما يزال العاصي الأكبر يُشهر تحت قناع جديد حربه ضدَّ الله، وهي حرب بدأت في السماء وظلَّت دائرة على الأرض ما يُقارب ستَّة آلاف سنة. SRAr 393.3

يحاول الكثيرون أنْ يُفسِّروا ظهور الأرواح، فينسبونه كُلِّيًّا إلى الخِداع والحيلة وخِفَّة اليد مِن جانب الوسيط. ولكنْ، بالرغم مِن أنَّ نتائج الخداع غالبًا ما صُوِّرَت على أنَّها ظهورات حقيقيَّة، فقد لوحِظت أيضًا بعض مظاهر القوَّة الفائقة للطبيعة. إنَّ أصوات النقر الغامضة التي ابتدأت بها الأرواحيَّة الحديثة (مُناجاة الأرواح) لم تكن نتيجة حِيَل البشر أو براعتهم، بل كانت عملًا مباشرًا مِن أعمال الملائكة الأشرار الذين أدخلوا ضلالة مِن أنجح الضلالات لإهلاك النَّفوس. إنَّ كثيرين سيقعون في الفخ بسبب اعتقادهم بأنَّ مُناجاة الأرواح هي مُجرَّد خدعة بشريَّة؛ وعندما سيقفون وجهًا لوجه أمام ظهورات لم يسعهم إلَّا أنْ يعتبروها مظاهر خارقة للطبيعة، سينخدعون وسينتهي بهم الحال إلى الاعتقاد بأنَّها قوَّة الله العظمى. SRAr 394.1

إنَّ هؤلاء الناس يغفلون عن شهادة الأسفار المقدَّسة حول العجائب التي صنعها الشيطان وأعوانه. فبمساعدة الشيطان استطاع سحرة فرعون أنْ يُزيّفوا عمل الله. والرسول يوحنَّا، وهو يصف القوَّة التي ستصنع المعجزات في الأيَّام الأخيرة، يُعلن قائلًا: «وَيَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ قُدَّامَ النَّاسِ، وَيُضِلُّ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ بِالآيَاتِ الَّتِي أُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَهَا» (رؤيا يوحنَّا ١٣: ١٣، ١٤). فالذي أنبِئَ به هُنا ليس مُجرَّد احتيال وخداع. والناس ينخدعون بالمُعجزات التي يستطيع أعوان الشيطان أنْ يعملوها بقوَّتهم، لا بما يتظاهرون بعمله. SRAr 395.1