قِصَّة الفداء

200/229

المَقدِس الأرضيّ والمَقدِس السماويّ

لقد عرفوا مِن خلال بحثهم أنَّ المَقدِس الأرضيّ الذي أقامه موسى بأمرٍ مِن الله وحسب المثال الذي أظهِرَ له على الجبل، إنَّما هو »رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ، الَّذِي فِيهِ تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ»؛ وأنَّ حجرتَيه المقدَّستين كانتا »أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ»؛ وأنَّ المسيح هو رئيس كهنتنا »خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ»؛ »لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا» (عبرانيّين ٩: ٩، ٢٣؛ عبرانيين ٨: ٢؛ عبرانيين ٩: ٢٤). SRAr 376.2

إنَّ المَقدِس الذي في السماء حيث يخدم يسوع لأجلنا هو الأصل العظيم الذي على مثاله بنى موسى المقدس الأرضيّ. وبما أنَّ المقدس الأرضيَّ كان يحتوي على حجرتين، وهما القدس وقدس الأقداس، وهذا يعني أنَّ في المقدس الذي في السماء يوجد أيضًا موضعان مقدَّسان. والتابوت الذي يحتوي على شريعة الله، ومذبح البخور، والآنية الأخرى المستخدمة في الخدمة والموجودة في المقدس الأرضيّ، كلُّها لها ما يقابلها مِن نظائر في القدس الأعلى. لقد سُمِح للرسول يوحنَّا أنْ يدخل السماء في رؤيا مقدَّسة، وهُناك رأى الشمعدان ومذبح البخور، وإذ «انْفَتَحَ هَيْكَلُ اللهِ فِي السَّماءِ» رأى أيضًا «تَابُوْتَ عَهْدِهِ» (رؤيا يوحنَّا ٤: ٥؛ رؤيا يوحنَّا ٨: ٣؛ رؤيا يوحنَّا ١١: ١٩). SRAr 377.1

إنَّ مَن كانوا يبحثون عن الحقِّ وجدوا برهانًا لا يقبل الجدل يؤكّد وجود مَقدِس في السماء. لقد بنى موسى المسكن الأرضيّ بحسب المِثال الذي أظهِر له. وأعلن بولس أنَّ ذلك المثال كان هو المسكن الحقيقيّ الذي هو في السماء (عبرانيّين ٨: ٢، ٥). وشهد يوحنَّا أنَّه رآه في السماء. SRAr 377.2

في ختام الـ ٢٣٠٠ يوم في عام ١٨٤٤ لم يكن هناك مقدِسٌ على الأرض على مدى قرون كثيرة؛ لذلك لا بدَّ أنْ يكون المقدس الذي في السماء هو نفسه الذي أظهِرَ للعيان في الإعلان القائل: «إِلَى أَلْفَيْنِ وَثَلاَثِ مِئَةِ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ، فَيَتَبَرَّأُ الْقُدْسُ» (دانيال ٨: ١٤). ولكنْ، كيف يمكن أنْ يحتاج المسكن السماويّ إلى تبرئة؟ وإذ اتَّجه دارسو النبوءة إلى الأسفار المقدَّسة مرَّة أخرى، عرفوا أنَّ التبرئة لم تكن عبارة عن إزالة النجاسات بالمفهوم المادِّيِّ للكلمة، لأنَّ هذا ما كان يحدث عبر غسلها بالدم، ولذلك لا بدَّ أنْ يكون المقصود هو التبرئة مِن الْخَطِيَّةِ. لهذا يقول الرسول: «فَكَانَ يَلْزَمُ أَنَّ أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تُطَهَّرُ بِهذِهِ [دم الحيوانات]، وَأَمَّا السَّمَاوِيَّاتُ عَيْنُهَا، فَبِذَبَائِحَ أَفْضَلَ مِنْ هذِهِ [دم المسيح الغالي والثمين]» (عبرانيّين ٩: ٢٣). SRAr 377.3

كان لا بدَّ مِن فهم خدمات المقدس السماويّ للحصول على معرفة أكثر بالتبرئة التي أشارت إليها النبوءة. ولم يكن بالإمكان تعلُّم هذا الأمر إلَّا مِن خلال خدمات المقدِس الأرضيّ؛ لأنَّ بولس يعلن بأنَّ الكهنة الذين خدموا هناك إنِّما كانوا: «يَخْدِمُونَ شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا» (عبرانيّين ٨: ٥). SRAr 378.1