قِصَّة الفداء

195/229

٥١ - رسالة الملاك الثّاني

إنَّ الكنائس التي رفضت قبول رسالة الملاك الأوَّل رفضت نورًا أشرق مِن السماء. لقد أرسِلَت تلك الرسالة بكلِّ رحمة لكي يستيقظوا ويُدرِكوا حالتهم الحقيقيَّة، حالة الارتداد ومحبَّة العالَم، ويسعوا في سبيل الاستعداد لملاقاة سيِّدهم. SRAr 364.1

كان القصد مِن إعطاء رسالة الملاك الأول هو فصل كنيسة المسيح عن التأثير المُفسِد للعالَم. ولكنْ بالنسبة للجموع، بل حتَّى للمُعترفين بالمسيحيَّة، كانت الربط التي ربطتهم بالأرض أقوى مِن مفاتِن السماء. لقد اختاروا الإصغاء إلى صوت الحكمة الأرضيَّة، وتحوَّلوا بعيدًا عن رسالة الحقِّ التي تفحص القلب. SRAr 364.2

إنَّ الله يُعطي النور للإنسان لكي يطيعه ويحتضنه في قلبه، لا لكي يرفضه ويحتقره. والنور الذي يُرسِله الله يُصير ظُلمةً للذين يهملونه ويستخفِّون به. عندما يكِفُّ روح الله عن طبع الحقِّ في قلوب الناس، يصير الاستماع باطلًا، وكذلك الكرازة كُلّها. SRAr 364.3

لقد نبذَ الربُّ الكنائس عندما صدَّت مشورته مِن خلال رفضها رسالة المجيء. أتى بعد الملاك الأوَّل مَلاكٌ ثانٍ وهو يُعلن قائلًا: «سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، لأَنَّهَا سَقَتْ جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا!” (رؤيا يوحنَّا ١٤: ٨). لقد فَهِم المجيئيُّون هذه الرسالة على أنَّها إعلان عن السقوط الأدبيِّ للكنائس نتيجة رفضها رسالة الملاك الأوَّل. لقد تمَّ تقديم الإعلان «سَقَطَت بابل» في صيف عام ١٨٤٤، وكنتيجة لذلك، انسحب مِن تلك الكنائس نحو خمسين ألف شخص. SRAr 364.4

إنَّ الذين كرزوا برسالة الملاك الأوَّل لم يقصدوا أو يتوقَّعوا أنْ يتسبَّبوا بانقسامات في الكنائس أو بتشكيل هيئات منفصلة. فقد قال وليم ميلر: «في كلِّ خدماتي لم أكن أرغب أو أفكِّر أبدًا في تأسيس أيَّة مصلحة مُنفصلة عن الطوائف القائمة، أو أنْ أنفع طائفة على حساب طائفة أخرى، ولكنِّي فكَّرتُ في نفع الجميع، حيث كنت أفترض أنَّ جميع المسيحيِّين سيفرحون برجاء مجيء المسيح، وأنَّ الذين لم يقدروا أنْ يروا ما أراه أنا لن تقلَّ محبَّتهم للذين سيعتنقون هذه العقيدة، ولم أكن أرى ضرورة لعقد اجتماعات منفصلة. وكان مطلبي الوحيد هو تجديد النفوس وإنذار العالَم بالدينونة المُقبلة وإقناع الناس بإعداد قلوبهم حتَّى يتمكَّنوا مِن لقاء إلههم بسلام. إنَّ الغالبيَّة العُظمى مِن الذين تجدَّدوا بتأثير خدماتي وكرازتي انضمُّوا إلى مُختلف الكنائس المتواجدة. وعندما كان يقصدني الأفراد متسائلين بخصوص واجبهم، كنتُ دائمًا أقول لهم أنْ يذهبوا إلى حيث يشعرون كأنَّهم في بيوتهم ومع أهلهم؛ وفي نصيحتي لمثل هؤلاء لم أفضِّل أبدًا أيَّة طائفة مُعيَّنة». SRAr 365.1

ولفترة مِن الوقت ظلَّت الكنائس تُرحِّب بمجهوداته وخدماته، ولكنْ عندما قاوموا عقيدة المجيء، رغبوا في كبت كلِّ اهتياج يمكن أنْ يُحدثه هذا الموضوع. وهكذا، فالذين قَبِلوا مبدأ المجيء وجدوا أنفسهم في موضع ارتباك وتجربة عظيمة. لقد كانوا يُحِبُّون كنائسهم وكرهوا الانفصال عنها؛ ولكنْ إذ صاروا موضع سخرية واضطهاد، وحُرِموا مِن التحدُّث عن رجائهم أو حضور الاجتماعات التي تتحدَّث عن مجيء الربِّ، نهض الكثيرون منهم وألقوا عنهم النير الموضوع على أعناقهم. SRAr 365.2

وإذ رأى المجيئيُّون أنَّ الكنائس قد رفضت شهادة كلمة الله، لم يعد بالإمكان اعتبار أنَّها تشكِّل كنيسة المسيح، «عمود الحقِّ وقاعدته»؛ وعندما بدأت رسالة «سقطت بابل» بالانتشار، أحسُّوا أنَّه لا لوم عليهم في الانفصال عن الروابط القديمة. SRAr 366.1

منذ أنْ رفضت الكنائس رسالة الملاك الأوَّل، حدث فيها تغيير مُحزِن. إذ احتقر الناس الحقَّ قَبِلوا الضلال واحتضنوه، وفترت محبَّتهم لله وإيمانهم بكلمته، وأحزنت الكنائس روح الربَّ، وانسحب منها إلى حدٍّ بعيد. SRAr 366.2