قِصَّة الفداء

189/229

استنارة إنجلترا وإسكتلندا

بينما كان لوثر يفتح الكتاب المُقدَّس المُغلق على الشعب الألماني، دفع روح الله (تِندِل) ليقوم بذلك العمل نفسه لشعب إنجلترا. كان تندل تلميذًا مُجِدًّا في دراسة الأسفار المُقدَّسة، ومِن دون خوف بشَّرَ الناس بقناعاته عن الحقِّ، وألحَّ على الشعب أنْ يمتحنوا كلَّ التعاليم في نور كلمة الله. وقد أثارت حماسته العداء مِن جانب أنصار البابويَّة. واشتبك معه في جدال عالِمٌ مِن أساتذة الكاثوليك مُصرِّحًا بالقول: «خير لنا أنْ نستغني عن شرائع الله مِن أنْ نستغني عن شرائع البابا». فأجابه تندل بقوله: «إنِّي أتحدَّى البابا وكلَّ شرائعه؛ وإذا أبقى الله على حياتي، فقَبْلَ أنْ تمضي سنوات كثيرة سأجعل الولد الذي يسوق المِحراث يعرف مِن أقوال الله أكثر ممَّا تعرف أنت». SRAr 350.2

إنَّ ذلك الغرض الذي كان يفكِّر فيه ويهتمُّ به، ألا وهو تقديم كتاب العهد الجديد للشعب بلغة الشعب، ثبت في ذهنه وترسَّخ حينئذ، وفي الحال بدأ في ذلك العمل. لقد بدا كأنَّ بلاد إنجلترا كلَّها قد أغلقت أبوابها في وجهه، فقرَّر أنْ يبحث عن ملجأ في ألمانيا. وهناك بدأ بطبع كتاب العهد الجديد باللغة الإنجليزيَّة. لقد تمَّ الانتهاء مِن طِباعة ثلاثة آلاف نسخة مِن العهد الجديد، وتلت الطبعة الأولى طبعة ثانية في السنة ذاتها. SRAr 350.3

وأخيرًا شهد لإيمانه بموته شهيدًا، لكنَّ الأسلحة التي أعدَّها أعانت جنودًا آخرين على مواصلة الحرب على مدى كلِّ العصور إلى يومنا هذا. SRAr 351.1

في إسكتلندا وَجَد الإنجيل بطلًا في شخص جون نوكس. إنَّ هذا المُصلِح المُخْلِص الأمين لم يكن يخاف وجه إنسان. فنيران الاستشهاد المُتَّقدة مِن حوله زادت مِن غيرته قوَّةً فوق قوَّة. وإذ رُفِعَت فأس الطاغية فوق رأسه مُهدِّدة إيَّاه، ظلَّ ثابتًا في الميدان لا يتزعزع، بل كان يضرب ضرباته إلى اليمين وإلى اليسار بكلِّ قوَّة لهدم الوثنيَّة. وهكذا ظلَّ ثابتًا على غرضه، وحافظ على هدفه مُصلِّيًا ومُحاربًا حروب الربِّ إلى أنْ تحرَّرت إسكتلندا. SRAr 351.2

وفي إنجلترا أعلن لاتيمير مِن على المنبر قائلاً أنَّ الكتاب المُقدَّس ينبغي أنْ يُقرأ بلغة الشعب. ثمَّ قال أنَّ مُبدِعَ الكتاب المُقدَّس: «هو الله نفسه»؛ وهذا الكتاب يُشارك مُبدِعَه في قوَّته وخلوده. «لا يوجد مَلِك أو إمبراطور ولا قاضٍ ولا حاكم… غير مُلزَمٌ بأنْ يُطيع… كلمته المُقدَّسة» «فلا نَسِرْ في مسالك جانبية بل لِنَسِر بحسب إرشاد كلمة الله: لا نَسِر في أثر خطوات… أجدادنا، ولا نحاول أنْ نعمل مثل أعمالهم، بل لنعمل ما كان عليهم أنْ يعملوه”. SRAr 351.3

وانبرى بارنز وفريت، اللذان كانا مِن أخلص أصدقاء تندل للدفاع عن الحقّ. وجاء في أثرهما ردليز وكرانمر. فهؤلاء القادة في الإصلاح الإنكليزي كانوا رجال علم وثقافة، وحظِي أغلبهم بمراكز عظيمة ونالوا كرامة لأجل غيرتهم أو تقواهم في خدمة الشرِكة الرومانيَّة الكاثوليكيَّة. ولذلك فإنَّ مقاومتهم للبابويَّة جاءت نتيجة اطلاعهم على ضلالات الكرسيّ الرسوليّ. إنَّ اطِّلاعهم على أسرار بابل أمدَّ شهادتهم ضدَّها بقوَّة أعظم. SRAr 351.4

إنَّ المبدأ الجليل الذي تمسَّك به تندل وَفريت ولاتيمير وردليز كان السلطان الإلهيَّ وكفاية الكتب المُقدَّسة. لقد رفضوا السُّلطة المزعومة للبابوات والمجامع والآباء والملوك في التحكُّم في ضمائر الناس في الشؤون الدينيَّة. كان الكتاب المُقدَّس هو مرجعهم ومستندهم، وبنور تعاليمه امتحنوا كلَّ التعاليم والادِّعاءات. لقد سَنَد الإيمان بالله وبكلمته هؤلاء القِدِّيسين عندما أسلموا حياتهم للموت حرقًا بالنار. SRAr 352.1