قِصَّة الفداء

181/229

٤٦ - المُصلِحون الأولون

في وسط الظلام الدامس الذي استقرَّ على الأرض خلال الفترة الطويلة التي كانت السيادة فيها للبابوات، لم يكن ممكنًا أنْ ينطفئ نور الحقِّ تمامًا. فلقد كان لله شهود في كلِّ عصر ــ رجالٌ اعتنقوا الإيمان بالمسيح كالوسيط الوحيد بين الله والناس، وتمسَّكوا بالكتاب المقدّس باعتباره قانون الحياة الوحيد، وكانوا يُقدِّسون السبت الحقيقيَّ. ولن تعرف شعوب الأجيال القادمة عِظَمَ الدَّين الكبير الذي في أعناقهم تجاه هؤلاء الأسلاف. لقد وُصِموا بالهرطقة وكُذِّبت نواياهم وبواعثهم وصُودِرت كتاباتهم أو شُوِّهت أو أُحْرِقَت وعاب الأعداء أخلاقهم. ومع ذلك، فقد ظلُّوا راسخين، ومِن جيل إلى جيل حافظوا على إيمانهم في نقاوته كميراث مقدَّس للأجيال اللاحقة. SRAr 335.1

كانت الحرب التي شُنَّت على الكتاب المُقدَّس مريرة جدًّا حتَّى أنَّه في بعض الأحيان لم يبقَ منه سوى نسخ قليلة؛ لكنَّ الله لم يسمح لكلمته أنْ تتلاشى نهائيًّا مِن الوجود. ولم يكن لحقائق الكتاب أنْ تظلَّ محجوبة إلى الأبد. لقد كان يمكنه أنْ يُطلق كلمات الحياة مِن قيودها بالسهولة نفسها التي يستطيع بها أنْ يفتح أبواب السجون ويفكَّ البوَّابات الحديديَّة ليُطلق عبيده إلى رحب الحرِّيَّة. في دول أوروبا المختلفة كان روح الله يُحرِّك الناس ليبحثوا عن الحقِّ كأنَّه كنز مخفيّ. وإذ قادتهم العناية الإلهيَّة إلى الكتب المقدَّسة، راحوا يدرسون فصولها المقدَّسة باهتمام وشغف عظيمَين. لقد كانوا على استعداد لقبول النور مهما تكن التكلفة بالنسبة لهم. ومع أنَّهم لم يروا كلَّ شيء بوضوح، إلَّا أنَّهم تمكَّنوا مِن إدراك حقائق كثيرة كانت قد أخفيَت عنهم طويلًا. ولقد خرجوا كرسل موفدين مِن السماء يُحطِّمون أغلال الضلال والخرافات، ويَدعون أولئك الذين ظلُّوا مُستعبدين طويلًا لينهضوا للمطالبة بحرِّيَّتهم. SRAr 335.2

كان الوقت قد حان لترجمة الأسفار المقدَّسة وتوزيعها على شعوب البلاد المختلفة في لغاتهم الأصليَّة. كان العالَم قد جاز في ظلمة منتصف الليل، وكانت ساعات الظلمة على وشك أنْ تنتهي، وفي بلدان كثيرة ظهرت بوادر أنوار الفجر الآتي. SRAr 336.1