قِصَّة الفداء

178/229

تغيير الأوقات والسُّنَّة

فإذ استُبْعِدَ كاشف الضلالات، أمكن للشيطان أنْ يعمل ما يشاء. كانت النبوءة قد أعلنت عن البابويَّة قولها: «يَظُنُّ أَنَّهُ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ والسُّنَّة” (دانيال ٧: ٢٥). ولم تتباطأ البابويَّة في محاولة القيام بذلك. وهكذا أدخِلت إلى المسيحيَّة عبادة التماثيل وذخائر القدِّيسين بشكل تدريجيّ ليكون لدى المهتدين مِن الوثنيَّة إلى المسيحيَّة شيءٌ ما كبديل عن عبادة الأوثان، وبالتالي يُدعم قبولهم الإسميّ للمسيحيَّة. وقد أقرَّ أخيرًا أحد المجامع الكنسيَّة هذا النظام الوثنيَّ. وحتَّى يكتمل عمل ذلك الرجس، تجرَّأت روما على حذف الوصيَّة الثانية مِن شريعة الله التي تُحرِّم عبادة الصور، وقامت بتقسيم الوصيَّة العاشرة إلى اثنتين ليظلَّ عدد الوصايا كما كان. SRAr 328.1

هذه الروح المذعنة للوثنيَّة أفسحت المجال للمزيد مِن الاستخفاف بسُلطة السماء. لقد تلاعب الشيطان بالوصيَّة الرابعة أيضًا، وعَمَد إلى إغفال يوم السبت القديم الذي باركه الله وقدَّسه، ومجَّد وعظَّم بدلًا منه عيد «يوم الشمس الموقَّر” الذي كان يحتفل به الوثنيُّون. في بادئ الأمر لم يحاولوا إجراء هذا التغيير في العلن. ففي القرون الأولى كان كلُّ المسيحيِّين يحفظون يوم السبت الحقيقيّ، وكانوا يغارون على كرامة الله. وإذ كانوا يؤمنون أنَّ شريعته ثابتة لا تتغيَّر، فقد صانوا قدسيَّة وصاياه بكلِّ غيرة. لكنَّ الشيطان استخدم أعوانه بكلِّ دهاء ليتمِّموا غرضه. ولكي يتَّجه انتباه الناس إلى يوم الأحد جعلوه عيدًا لإكرام قيامة المسيح. وكانت تُقام الخدمات الدينيَّة في ذلك اليوم؛ إلَّا أنَّه كان يُعتبر يوم اللهو والتسليات، إذ كان يوم السبت ما يزال يُحفَظ على أنَّه يوم مقدَّس. SRAr 328.2

أصدر قسطنطين، الذي كان ما يزال وثنيًّا، منشورًا يأمر فيه بحفظ يوم الأحد باعتباره عيدًا عامًّا في كلِّ أنحاء الإمبراطوريَّة الرومانيَّة. وبعد اهتدائه ظلَّ يدافع بصلابة عن يوم الأحد، وقام بفرض مرسومه الوثنيِّ لخدمة مصالح إيمانه الجديد. لكنَّ الكرامة التي حظي بها هذا اليوم كانت ما تزال غير كافية لتمنع المسيحيِّين مِن اعتبار السبت الحقيقيِّ يوم الربِّ المقدَّس. كان ينبغي اتِّخاذ خطوة أخرى؛ كان يجب تمجيد السبت الزائف بحيث يكون هو والسبت الحقيقيّ على قدم المساواة. وهكذا، فبعد بضع سنوات مِن إصدار مرسوم قسطنطين منح أسقف روما يوم الأحد لقب يوم الربِّ. ونتيجة ذلك، انساق الناس تدريجيًّا ليعتبروا أنَّ يوم الأحد يتمتَّع ببعض القدسيَّة. ومع ذلك، فقد استمرَّ الناس بحفظ يوم السبت الحقيقيّ. SRAr 329.1

لم يكن المُضِلُّ الأكبر قد أكمل عمله، فهو كان عازمًا على أنْ يحشد كلَّ العالَم المسيحيِّ تحت لوائه ويستخدم سلطانه مِن خلال نائبه البابا المتكبِّر الذي ادَّعى أنَّه نائب المسيح. وقد أتمَّ غرضه مِن خلال الوثنيِّين الذين كانوا نصف مهتدين ومِن خلال الأساقفة الطامعين والمسيحيِّين الذين أحبُّوا العالَم. ومِن وقت لآخر كانت تنعقد مجامع مسكونيَّة واسعة النطاق يلتقي فيها أحبار الكنيسة القادمين مِن كلِّ ربوع العالَم. وفي كلِّ مجمع تقريبًا كان يوم السبت الذي شرَّعه الله تُحَطُّ كرامته وتنخفض شيئًا فشيئًا، في حين أنَّ يوم الأحد كان ــ على العكس مِن ذلك ــ يسمو ويتمجَّد. وهكذا آلت الأمور في النهاية إلى اعتبار يوم العيد الوثنيِّ مكرَّمًا كتشريع إلهيّ، بينما اعتُبِرَ سبت الكتاب المُقدّس تشريعًا يهوديًّا بائدًا وأعْلِنَ بأنَّ حافظيه ملعونون ومكروهون. SRAr 329.2

لقد نجح المرتدُّ العظيم في أنْ يرتفع «عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا» (٢تسالونيكي ٢: ٤). كما تجرَّأ على تغيير الوصيَّة الوحيدة مِن وصايا الشريعة الإلهيَّة والتي توجِّه الجنس البشريّ كلَّه إلى الإله الحيِّ الحقيقيّ. فالوصيَّة الرابعة تعلن أنَّ الله هو خالق السماوات والأرض، وبذلك فهو يمتاز عن كلِّ الآلهة الكاذبة. ولكي تذكِّرنا هذه الوصيّة بعمل الخلق فقد علّمتنا أنَّ اليوم السابع قد أفرِزَ ليكون يوم راحة للإنسان. وكان القصد منه هو إبقاء الإله الحيِّ نُصب عيون الناس وعقولهم على الدوام باعتباره أصل الوجود وموضوع العبادة والسجود. إِنَّ الشيطان يحاول جاهدًا أنْ يُحوِّل الناس عن ولائهم لله وتقديم الطاعة لشريعته؛ ولذلك فهو يوجِّه كلُّ جهوده لمحاربة تلك الوصيَّة التي تُشير إلى الله كالخالق. SRAr 330.1

يُصِرُّ البروتستانت الآن على القول أنَّ قيامة المسيح يوم الأحد جعلته يوم الراحة المقدَّس للمسيحيِّين، ولكنَّ حجَّتهم تفتقر إلى الدليل الكتابيّ. فلا المسيح ولا رسله أعطوا هذا اليوم مِثل هذه الكرامة. إنَّ حفظ يوم الأحد كتشريع مسيحيّ يجد أصله في «سِرّ الإثم»، الذي بدأ عمله منذ أيَّام بولس. فأين ومتى اعترف الربُّ بابن البابوية هذا؟ وأيُّ سبب شرعيّ يمكن إعطاؤه لذلك التغيير الذي لم يُقِرَّه الكتاب المُقدَّس؟ SRAr 330.2

في القرن السادس صارت البابويَّة ثابتة الأركان. وقد ثبت كرسيُّ سلطانها في عاصمة الإمبراطوريَّة، وأعلِنَ أنَّ أسقف روما هو رأس الكنيسة كلِّها. وأفسحت الوثنيَّة المجال أمام البابويَّة. لقد أعطى التنّينُ الوحشَ: «قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَانًا عَظِيْمًا» (رؤيا ١٣: ٢). أمَّا الآن فقد بدأت الـ ١٢٦٠ (الألف والمئتان والستُّون) سنة مِن الظلم والاضطهاد البابويّ التي أنبأت بها نبوءات دانيال ويوحنَّا (دانيال ٧: ٢٥؛ رؤيا يوحنَّا ١٣: ٥-٧). وقد أرغِمَ المسيحيُّون على أنْ يختاروا أحد الشرَّين: إمَّا أنْ يتخلَّوا عن نزاهتهم واستقامتهم ويقبلوا الطقوس والعبادة البابويَّة، أو أنْ تذوي حياتهم في ظلمات السجون أو يُقاسوا آلام الموت على آلات التعذيب أو حرقًا بالنار أو قتلًا بالسيف. حينئذ تحقَّق كلام يسوع حين قال: «وَسَوْفَ تُسَلَّمُونَ مِنَ الْوَالِدِينَ وَالإِخْوَةِ وَالأَقْرِبَاءِ وَالأَصْدِقَاءِ، وَيَقْتُلُونَ مِنْكُمْ. وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي” (لوقا ٢١: ١٦، ١٧). واشتدَّ الاضطهاد على الأمناء على نحو لم يسبق له مثيل، فصار العالَم ساحة قتال عظيمة. وعلى مدى مئات السنين وجدت كنيسة المسيح ملاذًا لها في العزلة والاختفاء. وفي هذا يقول النبيُّ: «وَالْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا» (رؤيا ١٢: ٦). SRAr 331.1