قِصَّة الفداء

177/229

٤٥ - سِرُّ الإثم

أنبأ الرسول بولس في الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي بالارتداد العظيم الذي سيأتي نتيجة تأسيس السُّلطة البابويَّة. لقد أعلن أنَّ يوم المسيح لن يأتي، «...إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ» (٢تسالونيكي ٢: ٣-٤). وفضلًا عن ذلك، فالرسول يُحذِّر إخوته قائلًا: «لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ» (٢تسالونيكي ٢: ٧). حتَّى في ذلك التاريخ القديم رأى الرسول بولس الضلالات التي ستُعِدّ الطريق لنشر البابويَّة وتطوُّرها وهي تزحف إلى داخل الكنيسة. SRAr 326.1

وشيئًا فشيئًا نرى «سِرَّ الإثم» يتسلَّل في البداية بصمت وسكون، وبعد ذلك نراه يتقدَّم علنًا عندما ازداد سلطانه وقوَّته وتسلَّط على عقول الناس وهو يقوم بعمله التجديفيّ الخادع. وبطريقة لم يكد يحسُّ بها أحد شقَّت العادات الوثنيَّة لنفسها طريقًا إلى داخل الكنيسة المسيحيَّة. وقد كُبِحت روح المُساومة والخنوع لبعض الوقت بواسطة الاضطهادات العنيفة التي شنَّتها الوثنيَّة على الكنيسة. ولكنْ، بعد زوال الاضطهاد حين دخلت المسيحيَّة بلاط الملوك وقصورهم، ألقت عنها رداء البساطة التي للمسيح ورسله واستعاضت عنه بفخامة الكهنة والحُكَّام الوثنيِّين وكبريائهم؛ كما استعاضت عن مطالب الله بمبادئ الناس وتقاليدهم. إنَّ اهتداء قسطنطين الإسميّ الظاهريّ في أوائل القرن الرابع سبَّب فرحًا عظيمًا؛ فدخل العالَم إلى الكنيسة مرتديًا صورة البِرّ. وفي ذلك الوقت تقدَّم عمل الفساد بسرعة. والوثنيَّة التي بدا كأنَّها هُزِمَت صارت هي المُنتصرة. فلقد سيطرت روحها على الكنيسة، واندمجت تعاليمها وطقوسها وخرافاتها بأتباع المسيح المزعومين في الإيمان والعبادة. SRAr 326.2

وقد نتج عن هذا التواطؤ ما بين الوثنيَّة والمسيحيَّة نضوج «إنسان الْخَطِيَّةِ» الذي سبقت النبوءة وأنبأت بأنَّه سيقاوم الله ويسعى ليرتفع عليه. فذلك النظام الجبَّار الهائل، نظام الديانة الكاذبة، هو ذروة قوَّة الشيطان وقمَّة محاولاته إجلاس نفسه على العرش ليحكم على الأرض كما يشاء. SRAr 327.1

وبهدف الظفر بأرباح العالَم وكراماته انساقت الكنيسة لأنْ تطلب رضى عظماء الأرض ومساندتهم، وإذ رفضت المسيح على هذا النحو، فقد خُدِعَت لكي تقدِّم ولاءها لنائب الشيطان، الذي هو أسقف روما. SRAr 327.2

مِن بين العقائد الكاثوليكيَّة الرئيسة أنَّ البابا هو الرأس المنظور لكنيسة المسيح الجامعة، وهو مزوَّد بسلطان فائق على الأساقفة والقساوسة في كلِّ أنحاء العالَم. وأكثر مِن هذا، فقد انتحل البابا ألقاب الله نفسه. SRAr 327.3

عرف الشيطان جيِّدًا أنَّ الكتب المقدَّسة ستُساعد الناس على تمييز مخاتلاته والصمود أمام قوَّته. فحتَّى مُخلِّص العالَم نفسه صدَّ هجماته بالمكتوب. وفي كلِّ هجوم حَمَل المسيح ترس الحقِّ الأبديِّ قائلًا: «مَكْتُوب» (لوقا ٤: ٤، ٨، ١٠). وقد قاوم بحكمة الكلمة وبسلطانها كلَّ اقتراح مِن اقتراحات الخصم. ولكي يظلَّ الشيطان محتفظًا بسيادته على الناس ويُثبِّت سلطان البابا الغاصب، كان لا بدَّ له أنْ يُبقيهم في حالة جهل بالكتب المقدَّسة. إنَّ الكتاب المقدَّس يُعظِّم الله ويُمجِّده، ويضع الناس المحدودين في وضعهم الصحيح؛ لذلك ينبغي إخفاء حقائقه المقدَّسة وكبتها. هذا هو المنطق الذي اعتمدته الكنيسة الكاثوليكيَّة. لقد مُنع الناس مِن نشر الكتاب المقدَّس لِمئات السنين، كما حُرِّم عليهم قراءته أو حيازته في بيوتهم، وقد فسَّر الأساقفة والكهنة المجرَّدون مِن المبادئ الأخلاقيَّة تعاليمه بما يدعم ادِّعاءاتهم وحججهم. وهكذا اعترفت الغالبيَّة العظمى في العالَم بأنَّ البابا هو نائب الله على الأرض وله السُّلطة العليا على الكنيسة والحكومة. SRAr 327.4