قِصَّة الفداء

175/229

المساومة مع الوثنيَّة

ولهذا فقد وضع الشيطان خططه ليخوض حربًا أكثر نجاحًا مِن حربه السابقة ضدَّ حكم الله، وذلك مِن خلال أنَّهُ نَصَبَ رايته في وسط الكنيسة المسيحيَّة. فإذا أمكن التغرير بأتباع المسيح وتمّ دفعهم ليعملوا شيئًا ما يغيظ الله أو يحزنه، فحينئذ ستخور قواهم ويخذلهم جَلَدهم وثباتهم وسيسقطون فرائس سهلة المنال. SRAr 322.1

والآن، فها هو الخصم العظيم يُحاول أنْ يكسب بالحيلة ما أخفق في الحصول عليه بالعنف. فزال الاضطهاد وحلَّت محلَّه الإغراءات الخطرة، إغراءات النجاح المادِّيِّ ومجد العالَم الباطل. وبدأ الوثنيُّون يقبلون جانبًا مِن الإيمان المسيحيِّ رافضين في الوقت نفسه الحقائق الجوهريَّة الأخرى. لقد أقرُّوا بأنَّهم يقبلون يسوع كابن الله ويؤمنون بموته وقيامته؛ ولكنْ لم يكن في قلوبهم تبكيت على الْخَطِيَّةِ ولم يشعروا بحاجتهم إلى التوبة أو تغيير في القلب. وإذ قدَّموا بعض التنازلات مِن جانبهم، اقترحوا أنْ يتنازل المسيحيُّون عن بعض مبادئهم، حتَّى يقف الجميع متَّحدين على مستوى واحد، وهو الإيمان بالمسيح. SRAr 322.2

هنا وقعت الكنيسة في خطر مخيف. لقد كان السجن والتعذيب والنار والسيف بَركة عظيمة مقارنةً بهذا كلِّه. حافظَ بعض المسيحيِّين على ثباتهم، وأعلنوا أنَّهم لا يستطيعون تقديم تنازلات للوصول إلى اتِّفاق، بينما انحاز آخرون إلى جانب التسليم وتحوير بعض مبادئ المسيحيَّة، محتجِّين بأنَّ هذا سيكون وسيلة لتجديد الجموع تجديدًا كاملًا. كان ذلك وقت كرب شديد على أتباع المسيح الأمناء. لقد بدأ الشيطان يتسلَّل إلى الكنيسة تحت ستار المسيحيَّة الكاذبة لكي يُفسد إيمان المسيحيِّين ويحوِّل أفكارهم عن كلمة الحقّ. SRAr 322.3

أخيرًا رضي الجزء الأكبر مِن المسيحيِّين بأنْ يخفضوا مبادئهم، فاتَّحدت المسيحيَّة بالوثنيَّة. ومع أنَّ عبدة الأوثان أقرُّوا بأنَّهم اهتدوا وانضمُّوا إلى الكنيسة، فقد ظلُّوا متعلِّقين بوثنيَّتهم ومكتفين بتبديل موضوع عبادتهم بتماثيل المسيح والعذراء مريم والقدِّيسين. وإذ أفسِحَ المجال لتدخل خميرة الوثنيَّة الفاسدة على هذا النحو إلى داخل الكنيسة، فقد استمرَّت تعمل عملها المُهلِك. ولقد تغلغلت في إيمان الكنيسة وعبادتها العقائدُ الفاسدة والشعائر الخرافيَّة والطقوس الوثنيَّة. وإذ اختلط أتباع المسيح بعبدة الأوثان، فسد الدِّين المسيحيُّ وفقدت الكنيسة طهارتها وقوَّتها. ومع ذلك، فقد بقي بعضٌ ممَّن لم ينقادوا وراء تلك الضلالات، وظلُّوا محتفظين بولائهم لمُبدع الحقِّ، فكانوا يعبدون الله وحده. SRAr 323.1

كان يوجد على الدوام فريقان بين مَن أقرُّوا بأنَّهم أتباع المسيح. ففي حين أنَّ فريقًا منهما كان يدرس حياة المخلِّص ويجتهد بإخلاص في إصلاح نقائصه والتشبُّه بمثال يسوع، فإنَّ الفريق الثاني كان ينبذ الحقائق العمليَّة الواضحة التي تفضح ضلالاتهم. إنَّ الكنيسة، حتَّى في أحسن حالاتها، لم يكن كلُّ أعضائها مِن الأمناء والأطهار المُخلِصين. لقد علَّم المُخلِّص أنَّ مَن يتعمَّدون الانغماس في الْخَطِيَّةِ ينبغي ألَّا يُقبَلوا في الكنيسة؛ ومع ذلك فقد ضمَّ إليه رجالًا كانت لديهم عيوب في أخلاقهم، ومنحهم فوائد تعاليمه ومثاله حتَّى تكون لديهم فرصة تمكِّنهم مِن أنْ يكتشفوا أخطاءهم ويُصلحوها. SRAr 323.2

ولكنْ، لا اتِّفاق بين رئيس النور ورئيس الظلام، وكذلك لن يكون هنالك اتِّحاد بين أتباعهما. عندما رضي المسيحيُّون بأنْ يرتبطوا بمَن كانوا نصف مهتدين مِن الوثنيَّة، بدأوا يسيرون في طريق بدأ ينحرف شيئًا فشيئًا عن الحقِّ. وقد ابتهج الشيطان لكونه أفلح في التغرير بعدد كبير مِن تابعي المسيح. واستخدم قوَّته للتأثير على هؤلاء وأوعز إليهم أنْ يضطهدوا أولئك الذين حافظوا على ولائهم لله. ولم يدرك أحدٌ إدراكًا جيِّدًا كيف يُقاوَم الإيمان المسيحيُّ الحقيقيُّ إلَّا الذين كانوا حُماته مِن قَبل؛ وهؤلاء المسيحيُّون المرتدُّون اتَّحدوا مع رفاقهم الذين كانوا نصف وثنيِّين في محاربة تعاليم المسيح الجوهريَّة. SRAr 323.3

كان على مَن بقوا أمناء أنْ يثيروا حربًا يائسة ليحافظوا على ثباتهم ضدَّ المخادعات والرجاسات التي دخلت متخفِّية إلى الكنيسة تحت الثياب الكهنوتيَّة. والكتاب المقدَّس لم يُقبَل على أنَّه مقياس الإيمان، وعقيدة الحرِّيَّة الدينيَّة أطلِق عليها اسم الهرطقة، وكان معتنقو هذه العقيدة مكروهين، فتمَّ نفيهم بعيدًا. SRAr 324.1