قِصَّة الفداء

170/229

خادم يتكيُّف مع الظروف

انظروا إليه في غياهب السجن في فيلبِّي، فبالرغم مِن جسده المعذَّب مِن أثر الآلام، فإنَّ تسبيحة الحمد التي نطق بها قطعت حبل الصمت في منتصف الليل. وبعدما فتحت الزلزلة أبواب السجن سُمِعَ صوته وهو ينطق بكلام الفرح الذي وجّهه إلى السجَّان الوثنيِّ قائلًا: «لَا تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئًا رَديًّا! لِأنَّ جَمِيْعَنَا ههُنَا!” (أعمال الرسل ١٦: ٢٨)، فلقد بقي كلُّ رجلٍ في مكانه، إذ ردعه وجود سجين آخر. اقتنع السجَّان بحقيقة ذلك الإيمان الذي ساند بولس، ولهذا راح يسأل عن طريق الخلاص، وانضمَّ هو وأهل بيته إلى تلك الجماعة المُضطَهدة، أي تلاميذ المسيح. SRAr 312.1

ثمَّ انظروا إلى بولس في أثينا أمام المجمع في أريوس باغوس وهو يواجه العِلم بالعِلم والمنطق بالمنطق والفلسفة بالفلسفة. لاحِظوا كيف أنَّه بتلك اللباقة التي هي وليدة المحبَّة الإلهيَّة يشير إلى الله على أنَّه «الإله المجهول» الذي كان سامعوه يعبدونه بينما كانوا يجهلونه؛ وبكلمات اقتبسها مِن كلام أحد شعرائهم يصوِّره لهم على أنَّه الآب وهم أولاده. اسمعوه في ذلك العصر، عصر التفاوت بين الطبقات، عندما كانت حقوق الإنسان باعتباره إنسانًا غير مُعترف بها، وهو يعرض أمامهم الحقيقة العظيمة التي مفادها أنَّ البشر أخوة، حيث أعلن أنَّ الله: «وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ» (أعمال الرسل ١٧: ٢٦). ثمَّ أظهر كيف أنَّه في كلِّ معاملات الله مع الإنسان يتغلغل قصد نعمته ورحمته كخيط مِن ذهب، وأنَّه (أي الله) «حَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا» (أعمال الرسل ١٧: ٢٦-٢٧). SRAr 312.2

ثمَّ اسمعوه في بلاط فستوس، عندما صاح الملك أغريباس وقد اقتنع بحقِّ الإنجيل قائلًا: «بِقَلِيل تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا» (أعمال الرسل ٢٦: ٢٨). وبكلِّ لطف ورقَّة يجيب بولس مشيرًا إلى السلاسل التي كبَّلته قائلًا: «كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى اللهِ أَنَّهُ بِقَلِيل وَبِكَثِيرٍ، لَيْسَ أَنْتَ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا جَمِيعُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَنِي الْيَوْمَ، يَصِيرُونَ هكَذَا كَمَا أَنَا، مَا خَلاَ هذِهِ الْقُيُودَ» (أعمال الرسل ٢٦: ٢٩). SRAr 313.1

وهكذا انقضت حياته كما وصفها هو نفسه بكلماته إذ قال: «بِأَسْفَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ» (٢كورنثوس ١١: ٢٦، ٢٧). SRAr 313.2

«نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ»؛ «كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ، كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ» (١كورنثوس ٤: ١٢، ١٣؛ ٢كورنثوس ٦: ١٠). SRAr 313.3