قِصَّة الفداء

155/229

رؤيا بطرس

وبعد هذه المُحادثة مع كرنيليوس ذهب الملاك على الفور إلى بطرس الذي كان جائعًا ومرهَقًا مِن الترحال، وكان يُصلِّي على سطح البيت. وبينما كان يُصلِّي شاهد رؤيا، «فَرَأَى السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِنَاءً نَازِلاً عَلَيْهِ مِثْلَ مُلاَءَةٍ عَظِيمَةٍ مَرْبُوطَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ وَمُدَّلاَةٍ عَلَى الأَرْضِ. وَكَانَ فِيهَا كُلُّ دَوَابِّ الأَرْضِ وَالْوُحُوشِ وَالزَّحَّافَاتِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. SRAr 284.2

وَصَارَ إِلَيْهِ صَوْتٌ: ‹قُمْ يَا بُطْرُسُ، اذْبَحْ وَكُلْ›. فَقَالَ بُطْرُسُ: ‹كَلاَّ يَارَبُّ! لأَنِّي لَمْ آكُلْ قَطُّ شَيْئًا دَنِسًا أَوْ نَجِسًا›. فَصَارَ إِلَيْهِ أَيْضًا صَوْتٌ ثَانِيَةً: ‹مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!› وَكَانَ هذَا عَلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَ الإِنَاءُ أَيْضًا إِلَى السَّمَاءِ» (أعمال الرسل ١٠: ١١-١٦). SRAr 284.3

يمكننا هنا أنْ نستوعب الطريقة التي تعمل بها خطَّة الله لتحريك عجلة الأحداث بحيث تتمُّ مشيئته على الأرض كما في السماء. إلى ذلك الحين لم يكن بطرس قد بدأ بالكرازة بالإنجيل بين الأمم. كان الكثيرون منهم يصغون بكلِّ انتباه إلى الحقائق التي كان يُعلِّمها؛ لكنَّ حائط الجدار المتوسِّط، الذي قد هدمه المسيح بموته، كان ما يزال موجودًا في أذهان الرسل، وحرم الأمم مِن بركات الإنجيل. إنَّ الخدمة التي كان يقوم بها الرسل وصلت إلى اليهود اليونانيِّين، وكثيرون منهم استجابوا لتلك الجهود مِن خلال الإيمان بيسوع؛ لكنَّ اهتداء كرنيليوس كان هو الأوَّل في أهميَّته بين الأمم. SRAr 285.1

وكان المقصود مِن رؤيا الملاءة التي تدلَّت مِن السماء بما كانت تحويه أنْ يتحرَّر بطرس مِن التعصُّب الذي كان مُتأصِّلًا فيه ضدَّ الأمم؛ وأنْ يفهم أنَّه في المسيح صارت الأمم الوثنيَّة مشتركة في بركات اليهود وامتيازاتهم، وهكذا فإنَّ المنفعة ستشمل اليهود كما الأمم على حدٍّ سواء. لقد جادل البعض بأنَّ هذه الرؤيا قُصِد منها أنْ تدلّل على أنَّ الله قد أزال تحريم أكل اللحوم التي حكمت الشريعة بنجاستها في السابق؛ وعلى هذا الأساس فقد صار لحم الخنزير صالحًا للأكل. إنَّ هذا التفسير ضيِّقٌ جدًّا وباطل تمامًا، ويُناقض بكلِّ وضوح نصَّ الإنجيل الذي وردت فيه الرؤيا وما ترتَّب عليها مِن نتائج. SRAr 285.2

إنَّ رؤيا الملاءة التي احتوت على كلِّ دوابِّ الأرض والتي أمِرَ بطرس أنْ يذبح ويأكل منها ــ وهذا كان تأكيدًا له على أنَّ ما طهَّره الله لا ينبغي أنْ يُدعى نجسًا أو دنسًا ــ كانت ببساطة توضيحًا قدَّمه الله لبطرس بخصوص الوضع الحقيقيّ للأمم؛ وهو أنَّ الأمم صاروا بواسطة موت المسيح ورثة مع شعب الله. لقد انطوت هذه الرؤيا على توبيخ وتعليم لبطرس. إلى ذلك الحين كانت جهوده مقتصرة بالكامل على اليهود؛ وكان ينظر إلى الأمم على أنَّهم جنس نجس ومحرومون مِن مواعيد الله. كان الله يرشد ذهن بطرس ليستوعِب مدى اتِّساع خطَّته التي تشمل العالَم بأسره. SRAr 285.3

وحتَّى عندما كان يُفكِّر متأمِّلًا في معنى الرؤيا، تمَّ تفسيرها له. «وَإِذْ كَانَ بُطْرُسُ يَرْتَابُ فِي نَفْسِهِ: مَاذَا عَسَى أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا؟، إِذَا الرِّجَالُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا مِنْ قِبَلِ كَرْنِيلِيُوسَ، وكَانُوا قَدْ سَأَلُوا عَنْ بَيْتِ سِمْعَانَ وَقَدْ وَقَفُوا عَلَى الْبَابِ وَنَادَوْا يَسْتَخْبِرُونَ: ‹هَلْ سِمْعَانُ الْمُلَقَّبُ بُطْرُسَ نَازِلٌ هُنَاكَ؟› وَبَيْنَمَا بُطْرُسُ مُتَفَكِّرٌ فِي الرُّؤْيَا، قَالَ لَهُ الرُّوحُ: ‹هُوَذَا ثَلاَثَةُ رِجَال يَطْلُبُونَكَ. لكِنْ قُمْ وَانْزِلْ وَاذْهَبْ مَعَهُمْ غَيْرَ مُرْتَابٍ فِي شَيْءٍ، لأَنِّي أَنَا قَدْ أَرْسَلْتُهُمْ›” (أعمال الرسل ١٠: ١٧-٢٠). SRAr 286.1

وكان هذا أمرًا صعب التنفيذ في نظر بطرس؛ لكنَّه لم يجرؤ على التصرُّف وفقًا لمشاعره، ولذلك نزل مِن مخدعه واستقبل الرجال الذين أرسلهم إليه كرنيليوس، فأخبروا الرسول بمهمَّتهم الفريدة. وفي الحال وافق بطرس على الذهاب معهم في اليوم التالي، وكان ذلك امتثالًا للتعليمات التي تلقَّاها مِن الله في تلك الساعة. وقد استضافهم في تلك الليلة بلباقة، وفي صبيحة اليوم التالي انطلق معهم إلى قيصريَّة مصطحبًا معه ستَّةً مِن إخوته ليكونوا شهودًا على كلِّ ما سيقوله أو يفعله أثناء زيارته للأمم؛ لأنَّه كان يعلم أنَّه لا بدَّ أنَّه سيُستدعى ليُقدِّم حسابًا عن مثل هذا الانتهاك المُباشر للتعاليم والإيمان اليهوديّ. SRAr 286.2

مضى يومان تقريبًا قبل انتهاء الرحلة، وابتهج كرنيليوس إذ نال شرف أنْ يفتح أبوابه أمام خادم الإنجيل، الذي سيُعلِّمه هو وأهل بيته كيف يخلصون، وذلك ما أكَّده له الله. وعندما انطلق الرجال في مهمَّتهم، دعا قائد المئة أكبرَ عدد ممكن مِن أقربائه لكي يتعلَّموا الحقَّ هم أيضًا. ولمَّا وصل بطرس، وجد كثيرين مُجتمعين وهم ينتظرون الإصغاء إلى أقواله بكلِّ لهفة. SRAr 286.3