قِصَّة الفداء

132/229

عظة بطرس

لقد أظهر لهم بطرس أنَّ ما شاهدوه كان إتمامًا مُباشرًا لنبوءة يوئيل التي تنبَّأ فيها أنَّ مثل هذه القوَّة ستحلُّ على رجال الله لتُعدَّهم للقيام بعملٍ خاصّ. SRAr 244.1

تتبَّع بطرس نسب المسيح في خطٍّ مُباشر مُرجعًا إيَّاه إلى آل داود الكرام. وهو لم يعتمد على تعاليم يسوع ليدلِّل على مكانته الحقيقيَّة، لأنَّه كان يعلم أنَّ تعصُّب سامعيه كان شديدًا بحيث أنَّ كلامه عن هذا الموضوع لن يترك فيهم أيَّ تأثير. لكنَّه حدَّثهم عن داود، الذي اعتبره اليهود مِن الآباء المبجَّلين في أمَّتهم. قال بطرس: «لأَنَّ دَاوُدَ يَقُولُ فِيهِ: ‹كُنْتُ أَرَى الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ، أَنَّهُ عَنْ يَمِينِي، لِكَيْ لاَ أَتَزَعْزَعَ. لِذلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضًا سَيَسْكُنُ عَلَى رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا›” (أعمال الرسل ٢: ٢٥-٢٧). SRAr 244.2

يُظهِر بطرس هنا أنَّ داود لا يمكن أنْ يكون قد تكلَّم عن نفسه، بل قطعًا عن يسوع المسيح. لقد مات داود ميتة طبيعيَّة مثل باقي الناس؛ وقد حُفِظ قبره بعناية شديدة مع التراب المُكرَّم الذي لفَّه حتَّى ذلك الحين. وقد كرَّمَ الله داود إكرامًا خاصًّا باعتباره نبيًّا وملِكًا على شعب إسرائيل. وفي رؤية نبويَّة كشف الله له حياة المسيح وخدمته في المستقبل. لقد رأى رفض اليهود له ومحاكمته وصلبه ودفنه وقيامته وصعوده. SRAr 244.3

شهد داود بأنَّ نفس المسيح لم تكن لتُترَك في الهاوية وأنَّ جسده ما كان ليرى فسادًا. أظهر بطرس أنَّ إتمام هذه النبوءة قد تحقَّق في يسوع الناصريّ. لقد أقامه الله مِن القبر بالفعل قبل أنْ يتحلَّل جسده. وأصبح الآن هو العليّ المُمَجَّد في سماء السَّمَاوَاتِ. SRAr 245.1

والكثيرون مِن الذين سخروا مِن فكرة أنْ يكون شخص مِثل يسوع هو ابن الله قد اقتنعوا بالحقِّ في تلك المُناسبة البارزة عدد كبير، واعترفوا بيسوع مُخلِّصًا لهم. وانضمَّ إلى الكنيسة ثلاثة آلاف شخص. كان الرسل يتكلَّمون بقوَّة الروح القدس؛ ولم يستطع أحد أنْ يجادلهم، لأنَّ كلماتهم قد أكَّدتها معجزات عظيمة قاموا بها مِن خلال انسكاب روح الله. والتلاميذ أنفسهم قد أذهلتهم النتائج التي نجمت عن إظهار قوَّة الله وعن هذا الحصاد السريع والوفير مِن النفوس. لقد امتلأ الجميع بالدهشة. أمَّا الذين لم يتنازلوا عن تعصُّبهم الأعمى فقد تملَّكتهم الرهبة، حتَّى أنَّهم لم يتجرَّأوا على أنْ يحاولوا إعاقة العمل العظيم أو منعه، لا بالصراخ ولا بأعمال العنف، وتوقَّفت معارضتهم بصورة مؤقَّتة للوقت الراهن. SRAr 245.2

إنَّ الحجج التي قدَّمها الرسل، برغم أنَّها كانت واضحة مُقنِعة، لم تكن وحدها كافية لإزالة تعصُّب اليهود الذي تصدَّى للكثير مِن البراهين المُفحِمة. ولكنَّ الروح القدس أدخل هذه الحجج إلى قلوبهم بقوَّة الله. وقد كانت أقوال الرسل كسهام القدير الحادَّة المبريَّة إذ بكَّتت الناس على جريمتهم الهائلة في رفض ربِّ المجد وصلبه. «فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَقَالُوا لِبُطْرُسَ وَلِسَائِرَ الرُّسُلِ: ‹مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟› فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: ‹تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ›” (أعمال الرسل٢: ٣٧-٣٨). SRAr 245.3

وقد أقنع بطرس أولئك الناس المُتبكِّتين بحقيقة أنَّ رفضهم للمسيح كان بسبب الكهنة والرؤساء الذين غرَّروا بهم وخدعوهم؛ وأنَّهم إذا ظلُّوا يتطلَّعون إليهم في طلب المشورة وانتظروا هؤلاء القادة حتَّى يعترفوا بالمسيح قَبْل أنْ يجرؤوا هم على فعل ذلك، فلن يقبلوه أبدًا. إنَّ هؤلاء الرجال ذوي السلطان، مع أنَّهم كانوا يعترفون بالقداسة، فقد كانوا يطمحون ويتحمَّسون إلى الغنى والمجد الأرضيَّين. فلم يريدوا أنْ يأتوا إلى المسيح ليحصلوا على النور. وقد أنبأ يسوع بعقاب رهيب سيقع على أولئك الناس بسبب تعمُّدهم عدم الإيمان، على الرغم مِن أقوى الأدلَّة التي أعطيت لهم على أنَّ يسوع هو ابن الله. SRAr 246.1

ومنذ ذلك الحين صارت لغة التلاميذ نقيَّة وبسيطة ومضبوطة في الكلمة والنبرة سواء تكلّموا بلغتهم الوطنية أو بلغة أجنبيَّة. هؤلاء الرجال المتواضعون، الذين لم يتعلَّموا قطّ في مدارس الأنبياء، قدَّموا حقائق في غاية السموّ والطهارة، بحيث أدهشت الذين استمعوا إليهم. لم يكن في مقدورهم أنْ يذهبوا شخصيًّا إلى كلّ أقاصي الأرض؛ ولكنْ كان قد حضر في الاحتفال أناس مِن جميع أنحاء العالَم، وقد حملوا الحقائق التي تسلَّموها إلى بيوتهم المُختلفة ونشروها بين شعوبهم، وربحوا نفوسًا للمسيح. SRAr 246.2