المُعلّم الأعظم
البحث عن الكنز
ينبغي أن تكون كلمة الله موضوع دراستنا. وعلينا أن نعلّم أولادنا الحقائق المدونة فيها. إنّها كنز لا ينفد ولكن الناس يخفقون في العثور على هذا الكنز لأنهم لا يفتشون حتى يصير في حوزتهم. إنّ كثيرين جداً يقنعون بالظنّ والافتراض في أمر الحق. يقنعون بدرسٍ سطحي إذ يحسبونه أمرا مسلّما به أنّهم قد حصلوا على كل ما هو جوهري. فهم يعتبرون أقوال الآخرين أنّها الحق إذ أَنَّهُمْ متكاسلون جدا عن أن يشرعوا بأنفسهم بجدٍ وغيرةٍ في العمل المرموز إليه في الكتاب بالحفر بحثا عن الكنز المخفي. ولكنّ اختراعاتِ الناس فضلا عن أنها لا يُعتمد عليها فهي خطرة لأنها تضع الإنسان حيث يجب أن يكون الله. وهي تضع أقوال الناس حيث يجب أن يكون « هكَذَا قَالَ الرَّبُّ ». COLAr 99.1
إنّ المسيح هو الحق. وأقواله حق ولها معنى أعمق مما يبدو حسب الظاهر. إنّ كل أقوال المسيح لها قيمة أعظم مما تبدو على بساطتها. والعقول التي قد أحياها الرُّوح الْقُدُس تميّز قيمة هذه الأقوال. سيكتشفون جواهر الحق الثمينة مع أنّ هذه قد تكون كنوزاً مخفية. COLAr 100.1
إنّ النظريات والأفكار البشرية لن تقود إنسانا لفهم كلمة الله. وإنّ الذين يظنون أَنَّهُمْ يفهمون الفلسفة يحسبون أنّ شروحهم لازمة للكشف عن كنوز المعرفة ومنع الضلالات داخل الكنيسة. ولكنّ هذه الشروح بعينها هي التي أدخلت النظريات الكاذبة والهرطقات. لقد بذل الناس جهودا يائسة في شرح ما ظنّوه فصولا معقدة من الكتاب. ولكنّ في غالب الأحيان لم تعمل جهودهم هذه إلاّ على زيادة غموض ما قد حاولوا إيضاحه. COLAr 100.2
لقد ظن الكهنة والفريسيون أنّهم كانوا يعملون أعمالا عظيمة كمعلمين بتقديم تفسيرهم لكلمة الله، ولكن المسيح قال عنهم: « لا تعرفون الكتب ولا قوة الله » (مرقس ١٢: ٢٤). وقد اتّهمهم المسيح بذنب كونهم: « يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ » (مرقس ٧: ٧). فمع أنّهم كانوا معلمي أقوال الله، ومع أنه كان مفروضا أَنَّهُمْ يفهمون كلمته فإنّهم لم يكونوا عاملين بالكلمة. لقد أعمى الشيطان عيونهم حتى لا يروا معناها الحقيقي. COLAr 100.3
وهذا ما يعمله كثيرون في يومنا هذا، إذ توجد كنائس كثيرة مذنبة بهذه الخطية. فهناك خطر عظيم من أنّ حكماء العالم المزعومين اليوم يفعلون نفس ما فعله معلّمو اليهود. إنّهم يفسرون أقوال الله كذبا فيحيق الارتباك بالنفوس وتكتنفهم الظلمة بسبب عدم إدراكهم للحق الإلهي. COLAr 100.4
لا حاجة لقراءة الكتب المقدسة على نور التقليد المظلم أو الآراء البشرية. إنّ شرح الكتب المقدسة بالتقاليد أو التصورات البشرية هو كمحاولتنا أن ننير الشمس بمشعل. إنّ كلمة الله المقدسة هي في غير حاجة إلى ضوء المشاعل الأرضية لكي يُرى مجدُ لمعانها واضحا وجليا. إنّها نور في ذاتها — مجد الله المُعلن وبدونها يبدو كل نور ظلاما. COLAr 101.1
إنّما ينبغي أن تكون هنالك دراسةٌ جادّة غيورة وتنقيبٌ دقيق. إنّ الإدراك القاطع الواضح للحق لا يمكن أن يكون جزاء الكسل أو الخمول. لا توجد بركة أرضية ينالها الإنسان دون أن يبذلَ جهدا جادا صبورا مثابرا. فإذا كان الناس يظفرون بالنجاح في عملهم أو تجارتهم فينبغي أن تكون لهم إرادة ليفعلوا وإيمان به ينتظرون النتيجة. ونحن لا يمكننا أن ننتظر الحصول على المعرفة الروحية بدون تعب وحماسة. والذين يرغبون في العثور على كنوز الحق يجب أن ينقبوا عنها كما يحفر المعَّدن بحثاً عن الكنز المخفي في الأرض. إنّ العمل بفتور وفي غير اكتراث لن يجدي نفعاً. ومن اللازم جدا للكبار والصغار لا أن يقرأوا كلمة الله فقط بل أيضا أن يدرسوها بغيرة قلبية صادقة مصلين وباحثين عن الحق كمن يبحث عن كنز مخفي. والذين يفعلون هذا يجازون خيراً لأن المسيح يحيي الفهم وينعشه. COLAr 101.2
إنّ خلاصنا موقوف على معرفة الحق المتضمن في الكتب المقدسة. والله يريدنا أن نمتلك هذا الحق. إذن فتشوا، نعم فتشوا الكتاب المُقَدَّس الثمين بقلوب جائعة. وافحصوا كلمة الله كما يفحص صاحب المنجم الأرض ليجد عروق الذهب. ولا تكفّوا أبداً عن البحث حتى تتأكدوا من صلتكم بالله وإرادته الخاصة بكم. قال المسيح: « وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئًا بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ » (يوحنا ١٤: ١٣، ١٤). COLAr 101.3
إنّ الناس الأتقياء الموهوبين يرون لمحات من الحقائق الأبدية، ولكنهم في غالب الأحيان يقصرون عن الإدراك لأنّ الأشياء المنظورة تحجب مجد غير المنظور. والذي يريد أن يفتّش باجتهاد عن الكنز المخفي عليه أن يرتفع إلى مطالب أسمى من أمور هذا العالم. فينبغي أن تكرس عواطفه وكل إمكانياته لهذا البحث. COLAr 102.1
لقد أوصد العصيان الباب على قدر عظيم من المعرفة التي كان يمكن اجتناؤها من الكتب المقدسة. إنّ الإدراك معناه الطاعة لأوامر الله. وإنّ الكتب المقدسة ينبغي ألاّ تطبق بحيث توافق تعصب الناس وحسدهم. ولكن لا يمكن أن يفهمها إلاّ من يفتشون بتواضع عن معرفة الحق حتى يمكنهم أن يطيعوه. COLAr 102.2
أتتساءل قائلا: « مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟ » ينبغي أن تضع كل الآراء التي سبق لك أن عرفتها وآراءك الموروثة والمكتسبة أمام باب البحث والتنقيب. أمّا إذا كنت تفتش الكتب لكي تبرّر آراءك فلن تصل إلى الحق. فتش لتعرف ماذا يقول الرب. وفيما أنت تفتش إذا كان يأتيك الاقتناع ورأيت أنّ آراءك المحبوبة ليست متوافقة مع الحق، فلا تحرّف الحق ليتفق ومعتقدك بل اقبل النور المعطى لك. إفتح عقلك وقلبك حتى يمكنك أن ترى عجائب من كلمة الله. COLAr 102.3
إنّ الإيمان بالمسيح كفادي العالم يتطلب اعتراف الذهن المستنير الذي يتسلط عليه القلب الذي يميز ويقِّدر الكنز السماوي. هذا الإيمان غير منفصل عن التوبة وتغيير الخلق. فالحصول على الإيمان معناه العثور على كنز الإنجيل وقبوله مع كل الالتزامات التي يفرضها. COLAr 102.4
« إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله » (يوحنا ٣: ٣). قد يخمّن ويتصوّر ولكن ما لم تكن له عين الإيمان فهو لا يستطيع أن يرى الكنز. لقد بذل المسيح نفسه ليضمن حصولنا على هذا الكنز الذي لا يقدر بثمن، ولكن بدون التجديد بالإيمان بدمه لا غفران للخطايا ولا كنز لأية نفس هالكة. COLAr 102.5
إنّنا بحاجة إلى إنارة الرُّوح الْقُدُس حتى نعرف ونكتشف الحقائق التي في كلمة الله. إنّ الأشياء الجميلة التي في العالم الطبيعي لا يمكن رؤيتها إلاّ بعدما تشرق الشمس وتغمر العالم بنورها مبدّدة الظلمة. وهكذا لا يمكن لأحد أن يقدر كنوز كلمة الله حتى تكتشف عنها أشعة نور شمس البر المتألقة. COLAr 103.1
إنّ الرُّوح الْقُدُس المرسل من السماء بأريحية المحبة السرمدية يأخذ ممّا لله ويعلنه لكل نفس عندها إيمان ثابت في المسيح. فبقوة الرُّوح الْقُدُس تنطبع على العقل الحقائق الحيوية التي عليها يتوقف خلاص النفس، ويتضح طريق الحياة حتى لا يضل فيها أي إنسان. ففيما نحن ندرس الكتاب المُقَدَّس ينبغي لنا أن نصلّي حتى يشرق نور الرُّوح الْقُدُس على الكلمة فنرى الكنوز ونقدرها. COLAr 103.2