المُعلّم الأعظم
إعداد التربة
في مثل الزارع من أوله إلى آخره يبيّن المسيح نتائج الزارع المختلفة على أنها تتوقف على التربة. ففي كل حالة نجد أن الزارع والزرع هما بذاتهما لم يتغيرا. وهكذا هو يعلمنا أنه إذا أخفقت كلمة الله في إتمام عملها في قلوبنا وحياتنا فالسبب هو فينا. ولكن النتيجة ليست فوق سلطاننا. نعم إننا عاجزون عن تغيير أنفسنا، ولكن لنا قوة الاختيار وعلينا نحن أن نقرر مصيرنا. فالذين يسمعون الكلمة وقلوبهم تشبه الطريق أو الأرض المحجرة أو الأرض التي كثرت فيها الأشواك لا حاجة بهم أن يظلوا هكذا. فروح الله يحاول دائماً أن يكسر سحر الافتتان الذي يبقي الناس منشغلين في الأمور العالمية ويوقظ في النفوس شوقاً إلى الكنز الذي لا يفنى. فالناس إذ يقاومون الروح يصبحون غير منتبهين إلى كلمة الله أو يهملونها. فهم أنفسهم مسؤولون عن قساوة القلب التي تمنع البذار الجيد من أن يمد جذوره في القلب، ومسؤولون أيضا عن تكاثر الأعشاب الضارة التي توقف نموه. COLAr 51.1
فينبغي أن يُحرث بستان القلب وان تُشق التربة بالتوبة العميقة عن الخطية. كما ينبغي اقتلاع النباتات الشيطانية السامة. والتربة التي كانت تملأها الأشواك يمكن إصلاحها فقط بالجد والمثابرة على العمل. وهكذا يمكن الانتصار على الميول الشريرة في القلب الطبيعي ببذل الجهد الجدي باسم يسوع وقوته. إنّ الرب يأمرنا على لسان نبيه قائلا: « احْرُثُوا لأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا وَلاَ تَزْرَعُوا فِي الأَشْوَاكِ » كما يقول أيضا: « اِزْرَعُوا لأَنْفُسِكُمْ بِالْبِرِّ. احْصُدُوا بِحَسَبِ الصَّلاَحِ » (إِرْمِيَا ٤: ٣؛ هوشع ١٠: ١٢). إنّه يريد أن يتمّم هذا العمل لنا، إنّما هو يسألنا أن نتعاون معه. COLAr 51.2
إنّ من يزرعون البذار لديهم عمل يعملونه في إعداد القلوب لقبول الإنجيل. ففي خدمة الكلمة تُقدّم العظات أكثر من اللازم ويقل جدا العمل الحقيقي من القلب إلى القلب. توجد حاجة إلى العمل الفردي لأجل نفوس الهالكين. فعلينا أن نقترب من الناس واحدا واحدا بعطف كعطف المسيح، وأن نحاول إثارة اهتمامهم بأمور الحياة الأبدية العظيمة. قد تكون قلوبهم قاسية كأرض الطريق وقد يبدو أن تقديم المُخَلِّص إليهم أمر لا جدوى منه، ولكن في حين قد يعجز المنطق عن إيقاظ النفس وتعجز الحجّة عن إقناعها فأن محبة المسيح الظاهرة في الخدمة الشخصية قد تذيب القلب الصخري بحيث يمكن لبذار الحق أن يمدّ فيه جذوره. COLAr 52.1
وهكذا يوجد لدى الزارعين عمل يعملونه حتى لا يختنق البذار بالأشواك أو يهلك لأنَّ التربة ليست عميقة. ففي مستهل الحياة المسيحية ينبغي لكل مؤمن أن يتعلم مبادئها الأساسية. فينبغي له أن يتعلم أنه لا يكتفي بأن يخلص بذبيحة المسيح، بل عليه أن يجعل حياة المسيح حياته وصفات المسيح صفاته. وليتعلم الجميع أنّه عليهم أن يحملوا الأثقال وينكروا الميول الطبيعية. وليتعلموا بركة خدمة المسيح متمثلين به في إنكار الذات واحتمال المشقات كجنود صالحين. ليتعلموا أن يثقوا بمحبته ويلقوا عليه كل همومهم. وليذوقوا فرح ربح نفوس له. ففي محبتهم واهتمامهم بالهالكين ستغيب الذات عن أنظارهم. ولن يعود لملذات العالم سلطان يجتذبهم ولن تضعف أثقال قلوبهم. وسيعمل محراث الحق عمله فيشق الأرض المتروكة، ولن يقطع فقط أطراف الأشواك بل سيستأصلها بالتمام. COLAr 52.2