المُعلّم الأعظم
إرجاع الوزنات
وبعد زمان طويل أتى سيد أولئك العبيد وحاسبهم (متى ٢٥: ١٩). عندما يحاسب الرب عبيده فلا بد من فحص مقدار ما ربحته كل وزنة. فالعمل الذي عمل يكشف عن صفات العامل. COLAr 330.4
فالذين أخذوا الخمس وزنات والوزنتين يرجعون إلى السيد الهبات المودعة عندهم مضافا إليها الربح فإذ عملوا هذا لا يدّعون أي استحقاق في ذواتهم. فوزناتهم هي التي سُلّمت لهم، وقد ربحوا وزنات أخري، ولكن لولا الوديعة التي أعطيت لهم لما كان هنالك ربح. فهم يرون أنّهم لم يعملوا أكثر من واجبهم. فرأس المال هو للسيد والربح له كذلك. فلو لم يمنحهم المُخَلِّص محبته ونعمته لكانوا يصيرون مفلسين مدى الأبدية. COLAr 330.5
ولكن عندما يأخذ السيد الوزنات يمتدح الخدام ويكافئهم كما لو كان الفضل كلّه لهم. إنّ وجهه ممتلئ بالفرح والرضى. إنّه ممتلئ القلب بالبهجة لأنَّه يمكنه أن يمنحهم هباتـِه. وهو يكافئهم على كل خدمة وكل تضحية لا كأنّه دين هو مدين لهم به بل لأنّ قلبه فائض بالحب والحنان. COLAr 331.1
وها هو يقول: « نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ » (متى ٢٥: ٢١، ٢٣). COLAr 331.2
فالأمانة والولاء لله وخدمة المحبة هي التي تظفر برضى الله واستحسانه. فكل وازع يقود به الرُّوح الْقُدُس الإنسان إلى الصلاح وإلى الله يُسجّل في أسفار السماء، وفي يوم الله سيمتدَح الخدام الذين عمل بواسطتهم. COLAr 331.3
وسيدخلون إلى فرح سيدهم إذ يرون في ملكوته من قد افتدوا بواسطتهم. وسيُعطى لهم امتيازُ مشاركته في عمله هناك حيث قد ظفروا بالأهلية لذلك بمشاركتهم في عمله هنا. ما سنكون في السماء هو انعكاس لما نحن عليه الآن في الحق والخدمة المقدسة. لقد قال المسيح عن نفسه: « ابْن الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ » (متى ٢٠: ٢٨). فعمله هذا على الأرض هو عمله في السماء. ومكافأتنا على خدمتنا للمسيح في هذا العالم هي قوة أعظم وامتياز أكبر للخدمة معه في العالم الآتي. COLAr 331.4
« ثم جاء أيضا الذي أخذ الوزنة الواحدة وقال « يَا سَيِّدُ، عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ. فَخِفْتُ وَمَضَيْتُ وَأَخْفَيْتُ وَزْنَتَكَ فِي الأَرْضِ. هُوَذَا الَّذِي لَكَ » (متى ٢٥: ٢٤، ٢٥). COLAr 332.1
وهكذا يعتذر الناس عن إهمالهم لهبات الله. فهم ينظرون إلى الله على أنّه سيد قاسٍ وطاغيةٌ متجبر، وكأنه يتجسس على أخطائهم ويفتقدهم بأحكامه ويتهمونه بأنّه يفرض عليهم ما لم يعطِه لهم إذ يحصدّ ما لم يزرع. COLAr 332.2
يوجد كثيرون يتّهمون الله في قلوبهم بأنّه سيدٌ قاسٍ لكونه يطالبهم بأموالهم وخدمتهم، ولكننا لا نستطيع أن نقدّم لله شيئاً لم يكن في الأصل ملكه. فلقد قال الملك داود: لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك (١اخبار ٢٩: ١٤). فكل شيء هو ملك الله ليس فقط بحق الخلق بل أيضا بحق الفداء. فكل بركات هذه الحياة والحياة العتيدة تسلّم لنا مختومة بصليب جلجثة. إذاً فالتهمة الموجهة إلى الله بأنّه سيدُُ قاسٍ يحصد حيث لم يزرع هي تهمة مكذوبة. COLAr 332.3
والسيد لا ينكر تهمة ذلك العبد الشرير مع أنّها تهمة ظالمة، ولكن إذ يواجهه على مستواه يريه أن لا عذر له في تصرفه. لقد أعدت له السبل والوسائل التي كان يمكن بواسطتها أن تُستَثمَر الوزنة فيربح صاحبها. فقال له: « فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ الَّذِي لِي مَعَ رِبًا » (متى ٢٥: ٢٧). COLAr 332.4
إنّ أبانا السماوي لا يطلب منا أكثر أو أقل مما قد أعطانا القدرة على عمله. وهو لا يحمّل عبيده أحمالا أثقل من أن يقووا على حملها: « لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ » (مزمور ١٠٣: ١٤). فبواسطة النعمة الإلهية يمكننا أن نقدم له كل ما يطلبه منا. COLAr 332.5
« أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ » (لوقا ١٢: ٤٨). فكل فرد منا سيكون مسؤولا عن التقصير في عمل أقل القليل ولو كان حرفاً واحداً أقل مما نستطيع أن نعمله. إنّ الرب يقيس بكل ضبط وتدقيق كل إمكانيات الخدمة والإمكانيات التي لم تُستخدم سيحاسب الناس عليها كالتي استثمرت. والله سيعتبرنا مسؤولين عن كل ما كان يمكننا أن نصل إليه عن طريق الاستخدام الصائب لوزناتنا. وسندان بحسب ما كان ينبغي لنا أن نفعله ولم نعمله لأننا لم نستخدم قوانا لتمجيد الله. وحتى إذا لم نخسر نفوسنا فسنتحقق في الأبدية نتيجة عدم استثمار وزناتنا. وستكون هنالك خسارة أبدية لكل المعرفة والمقدرة التي كان يمكننا أن نكتسبها ولكننا لم نفعل. COLAr 332.6
ولكن عندما نسلم ذواتنا بالتمام لله وفي عملنا نتبع تعليماته فهل سيعتبر نفسه مسؤولا عن إتمامه. وهو لا يريدنا أن نخمن عن نجاح مساعينا الأمينة. وينبغي لنا ألاّ نفكر في الفشل مرة واحدة. فعلينا أن نتعاون مع ذاك الذي لا يعرف الفشل. COLAr 333.1
وينبغي لنا ألاّ نتحدث عن ضعفنا وعجزنا. فهذا شكّ واضح في الله وإنكار لكلمته. فعندما نتذمّر بسبب أعبائنا أو نرفض الاضطلاع بالمسؤوليات التي يدعونا لحملها فنحن في الواقع نقول عنه انّه سيد صارم وأنه يطلب منا عمل ما لم يعطنا قوة لنعمله. COLAr 333.2
إننا في غالب الأحيان ميّالون لأن ندعو روح العبد الكسلان وداعة. ولكن الوداعة الحقيقية تختلف عن ذلك اختلافا كبيراً. إنّ كوننا نتسربل بالوداعة لا يعني أننا نكون أقزاما في أذهاننا أو ناقصين في أشواقنا أو جبناء في حياتنا، فنهرب من الأحمال لئلا نفشل في حملها بنجاح. أمّا الوداعة الحقة فتتمّم أغراض الله بالاعتماد على قوته. COLAr 333.3
إنّ الله يعمل بواسطة من يريده. وهو أحيانا يختار أحقر أداة للقيام بأعظم عمل لأن قدرته تستعلن وتظهر بواسطة ضعف الناس. إنّ لنا مقياسنا وبموجبه نحكم على شيء أنّه عظيم وعلى شيءٍ آخر أنّه صغير، ولكن تقدير الله ليس بموجب قوانيننا. وينبغي ألاّ نظنّ أن ما هو عظيم في نظرنا ينبغي أن يكون عظيما في نظر الله، أو أنّ ما هو عظيم في نظرنا ينبغي أن يكون كذلك في نظره. وليس لنا نحن أن نحكم على وزناتنا أو نختار عملنا. بل علينا أن نحمل الأحمال التي يعّينها الله، فنحملها لأجله ونذهب إليه دائما في طلب الراحة. ومهما يكن نوع عملنا فالله يتمجّد بالخدمة المُخلِصة الفرحة. وهو يسرّ عندما نقوم بواجباتنا بشكر فرحين لكوننا قد حُسِبنا مستأهلين لأن نكون شركاءه في العمل. COLAr 333.4