الرَجَاء العَظيم

4/11

٤ - حياة أبدية

إن الشيطان الذي حرض ساكني السماء على الثورة أراد أن يجعل ساكني الأرض يشتركون معه في حرب ضد الله. لقد آدم وحواء في منتهى السعادة وهما يطيعان شريعة الله، وكانت هذه الحقيقة شهادة دائمة ضد الادعاء الذي اشاعه الشيطان في السماء والقائل بأن شريعة الله ظالمة وصارمة. فعقد الشيطان العزم على إسقاطهما حتى إذا فصل بينهما وبين الله أخضعهما لسلطانه يمكنه أن يمتلك الأرض وفيها يوطد مملكته ومنها يقاوم حكم الله العلي. GrH 34.1

إن آدم وحواء كانا قد أنذرا بالحذر من هذا العدو الحظر، لكنّه كانا يحيك مؤامرته في الظلام مخفيا نواياه. وإذ اتخذ الحية وسيلة ومطية له تقدم من حواء فقال :“أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟”. لقد خاطرت حواء بنفسها بمناقشة الشيطان فسقطت فريسة مكايده “فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فيِ وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لئِلاَّ تَمُوتَا. فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلمَرْأَةِ: , لَنْ تَمُوتَا! بَللِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ ،” (تكوين 1:3- 5). GrH 34.2

وقد خضعت حواء للتجربة وبواسطة تأثيرها سقط آدم في الخطيئة. قبلا أقوال الحية ان الله لم يكن يعني ما قال. شكَّا في خالقهما وتصورا أنه يحد من حريتهما. GrH 34.3

ولكن ما المعني الذي اكتشفه آدم بعد سقوطه للقول: “يوم تأكل منه موتاً تموت؟” هل وجده يعني أنه سيدخل حالة وجود أسمى؟ لم يجد آدم أن هذا هو معني قول الله. وقد اعلن الرب لآدم انه لا بد ان يعود الي الارض التي منها أخذ قصاصا له على خطيئته ” لأنك تراب وإلى تراب تعود” (تكوين 19:3). وقد تبرهن صدق قول الشيطان : فبعدما عصى آدم وحواء الله انفتحت اعينهما ليريا جهالتهما ويفطنا الى غبائهما. لقد عرفا الشر وذاقا مرارة ثمار العصيان. GrH 35.1

كانت توجد شجرة الحياة التي في ثمارها قوة على اطالة العمر. فلو ظل آدم مطيعا لله لكان قد بقي ينعم بالوصول بكل حرية الي هذه الشجرة ولكان يحيا الي الابد. ولكن عندما أخطأ حُرِّم عليه الاكل من شجرة الحياة فصار عرضة للموت. ان الخلود الذي كان الانسان قد وُعد به لقاء الطاعة اضاعه بعصيانه ولم يكن هنالك رجاء لجنسنا الساقط اولا أن الله جعل الخلود في متناول أيدينا إذ بذل ابنه لأجلنا ففي حين “اجتاز الموت إلى جميع الناس إذا أخطأ الجميع” فإن المسيح “أنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل” ( رومية 12:5؛2 تيموثاوس 10:1). ولا يمكن الحصول على الخلود إلا بواسطة المسيح وحده. وقد قال يسوع: “الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة” (يوحنا 36:3). GrH 35.2

الكذبة الأولى — والشخص الوحيد الذي وعد آدم بالحياة مع العصيان هو المخادع العظيم. إن اعلان الحية في جنة عدن- “لن تموتا”- كان أول عظة القيت عن خلود النفس. لكنّ هذا الاعلان الذي يستند الي سلطان الشيطان لا سواه تردد صداه المنابر وغالبية بني الانسان يقبلونه بالسرعة نفسها التي قبله بها ابوانا الاولان. وان حكم الله القائل:” النفس التي تخطئ هي تموت”(حزقيال 20:18) سار يعني أن النفس التي تخطئ لن تموت بل تحيا إلي الأبد. ولو سُمح للإنسان بعد سقوطه بالتناول من ثمر شجرة الحياة لكان يحيا إلي الأبد، وهكذا كانت الخطية تبقى خالدة إلي الأبد. ولم يسمح لأي واحد من بني آدم بتجاوز ذلك السياج ليتناول من الثمرة الواهبة للحياة. ولذلك فلا خاطئ خالداً. GrH 35.3

لكن الشيطان أمر ملائكته بعد السقوط ان يبذلوا جهدا خاصا في تلقين الناس عقيدة خلود النفس. واذ أُغري الناس بقبول هذه الضلالة كان عليهم ان يجعلوهم يستنتجون ان الخاطئ سيحيا في شقاء ابدي. والآن فها سلطان الظلمة وهو يعمل عبر اعوانه يصور الله طاغية محبا للانتقام، ويعلن انه تعالى يطرح في اعماق الجحيم جميع الذين لا يرضونه ويجعلهم يحسون بشدة وطأة غضبه مدى اجيال الابد. وفي هم يقاسون اهوال العذاب الذي لا يوصف ويتلوون في النار الابدية فان خالقهم يشرف عليهم من عليائه بلذة ورضا وسرور. وهكذا يخلع العدو الاعظم ( رئيس الشياطين) صفاته على خالق البشر والمحسن اليهم. ان القسوة هي من صفات الشيطان. لكنّ الله محبة. والشيطان نفسه هو العدو الذي يجرب الانسان ليرتكب الخطيئة، وحين إذ يهلكه لو استطاع ذلك. وكم هو ممقوت لكل من يحس بالمحبة والرحمة، وحتى لشعورنا بالعدالة، اعتقادنا ان الاموات الاشرار سيعذبون بالنار والكبريت في لهيب الجحيم الي الابد، وانهم لأجل الخطايا التي ارتكبوها مدى حياتهم القصيرة على الارض سيقاسون اهوال العذاب مدى اجيال أبدية الله. وقد قال أحد دكاترة اللاهوت العلماء: “إن منظر عذابات الجحيم سيزيد من غبطة القديسين إلى الأبد. فعندما يرون غيرهم ممن لهم طبيعتهم نفسها وولدوا في ظروف شبيهة بظروفهم وقد غمرهم ذلك البؤس، أما هم فقد امتازوا عن أولئك التعساء، فهذا سيجعلهم يحسون بعظمة سعادتهم”. GrH 36.1

أين يوجد هذا التعليم على صفحات كلمة الله؟ وهل هذه ستُستبدل بعدم اكتراث الرواقيين أو قسوة المتوحشين؟ كلا، أبدا، فهذا ليس ما يعلم به كتاب الله. “حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. اِرْجِعُوا، ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ! فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ؟” (حزقيال 11:33). GrH 37.1

هل يسر الله بمشاهدة خلائقه يعذبون عذابا ابديا؟ وهل هو ينتعش وهو يسمع آهات خلائقه وصرخاتهم ولعناتهم وهم يتعذبون محبوسين في نار الجحيم؟ وهل يمكن أن تكون هذه الصرخات المفزعة نغمات موسيقية في أذني المحبة السرمدية ؟ يا لهذا من تجديف مخيف! إن مجد الله لا يتحقق بالاستمرار في تكويم الخطايا مدى أجيال الأبد. GrH 37.2

بدعة العذاب الأبدي- شر ينجم عن الهرطقة المتعلقة بالعذاب الأبدي. ان دين الكتاب المقدس المفعم بالحب والصلاح والفائض بالرحمة، يكتنفه ظلام الخرافات ويحاط بالرعب. إن الشيطان قد صور صفات الله بألوان خادعة. فإن الناس يخشون من الخالق الرحيم ويرهبون جانبه ويرتعبون منه بل ويبغضونه. إن الآراء المرعبة عن الله، التي تُفهم من التعاليم التي تلقى من على المنابر في كل انحاء العالم، قد خلقت آلافا بل ملايين من المتشككين والملحدين. GrH 37.3

إن نظرية العذاب الأبدي هي إحدى العقائد الكاذبة التي منها تتكون خمر رجس بابل التي تجعل كل الأمم تشرب منها (رؤيا 8:14؛ 2:17). إن خدام المسيح قد قبلوا هذه الضلالة عن روما كما قد أخذوا السبت الزائف.* فإذا ارتددنا عن شهادة كلمة الله وقبلنا التعاليم الكاذبة لأن آباءنا علَّموا بها فإننا نقع تحت الدينونة التي نطق بها الرب ضد بابل اذ نحن نشرب من خمر رجاستها. GrH 38.1

ينساق فريق كبير ممن تثيرهم وتنفرهم عقيدة العذاب الابدي الي الضلالة المضادة لها. فهم يرون ان الكتاب المقدس يصور الله ككائن محب رحيم، ولذلك فلا يمكنهم ان يعتقدوا ان الله سيحبس خلائقهم في نيران الجحيم المتقدة الي الابد. ولكن لكونهم يعتقدون ان النفس خالدة بالطبع، فهم لا يرون بديلا سوى ان يستنجوا ان كل بني الانسان سيخلصون اخيرا. وهكذا يمكن للخاطئ ان يعيش في المسرات النفسانية مزدريا بمطالب الله ومع ذلك ينتظر ان يتلقّاه الله في النهاية بالرضا والقبول.مثل هذا التعليم الذي يجترئ على رحمة الله ويتجاهل عدالته في الوقت نفسه يسر القلب البشري. GrH 38.2

هل سَيخْلَص كل شخص؟ - يحرف المعتنقون عقيدة الخلاص العام كلمة الله. ونسمع احد المدعوين خدام المسيح يردد الاكذوبة نفسها والتي نطقت بها الحية في عدن: “لن تموتا”. “يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله”. وهو يعلن ان انجس الخطاة، سواء كان قاتلا أو لصا أو زانياً، سيكون بعد الموت مستعدا للدخول الي السعادة الأبدية. وهذه خرافة لذيذة حقاً كفيلة بأن تشبع القلب البشري! GrH 38.3

فلو كان حقا ان ارواح كثيرين من الناس تنتقل الي السماء مباشرة في ساعة الموت لكان لنا ان نشتهي الموت ونفضله على الحياة . لقد ساق هذا الاعتقاد كثيرين من الناس الي القضاء على حياتهم بالانتحار . فعندما تغمرهم الضيقات والمتاعب والارتباك والخيبة فانه يبدو امرا سهلا ان يفصموا ربط الحياة الواهنة ويصعدوا الي السعادة في الدنيا الابد. GrH 38.4

لقد قدم الله في كتابه البرهان الناصع الحاسم على أنه لا بد أن يعاقب كل من يتعدون شريعته. فهل الله أرحم من أن ينفذ عدالته في الخاطئ؟ انظروا إلى صليب جلجثة. إن موت ابن الله هو شهادة صريحة على أن “أجرة الخطية هي الموت” (رومية 23:6) وأن كل انتهاك لشريعة الله لا بد أن يوقع بالخاطئ الجزاء العادل. إن المسيح الذي بلا خطيئة صار خطيئة لأجل الإنسان. لقد حمل جرم الخطيئة واحتجاب وجه الآب عنه حتى لقد انسحق قلبه وأزهقت روحه لكي يُفتدى الخطاة. فكل نفس ترفض الاستفادة من الكفارة التي أعدت بهذه الكلفة العظيمة لا بد من أن يتحمل صاحبها نفسه جريمة التعدي وقصاصه. GrH 39.1

الشروط محددة — “أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً” (رؤيا 6:21). هذا الوعد مقدم الي العطاش وحدهم. “من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلها وهو يكون لي ابناً” (رؤيا 7:21). هنا أيضاً يحدد الرب الشروط. فلكي نرث كل شيء علينا أولاً أن نقاوم الخطيئة وننتصر عليها. GrH 39.2

“ولا يكون خير للشرير” (جامعة 13:8). إن الخاطئ يذخر لنفسه “غضباً فييوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي يجازي كل واحد حسب أعماله”، “شدة وضيق على كل نفس انسان يفعل الشر” (رومية 5:2 و6و9). GrH 39.3

“كل زانٍ أو نجس أو طماع، الذي هو عابد للأوثان، ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله.” “طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِككَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا.” (أفسس 5:5؛ رؤيا 14:22 و 15). GrH 39.4

لقد أعطى الله إعلاناً عن صفاته وطريقته في معاملة الخطيئة: ” يهلك جميع الأشرار”، “أما الأشرار فيبادون جميعاً. عقب الأشرار ينقطع” (مزمور 20:145؛ 38:37). ان قوة حكم الله وسلطانه سيستخدمان في قمع كل عصيان، ومع ذلك فكل مظاهر عدالة الله في توقيع الجزاء متوافقة تماما مع صفات الله كالإله الرحيم والمحسن والطويل الاناة. GrH 40.1

لا يرغم الله ارادة اي انسان او اختياره ولا يُسر بطاعة العبيد . فهو يرغب في أن الذين هم صنعه يديه يحبونه لأنه يستحق ان يُحب. وهم يريدهم أن يطيعوه لأن عندهم تقديرا ذكيا واعيا لحكمته وعدله واحسانه وحبه. GrH 40.2

إن مبادئ حكم الله متوافقة تمام مع وصية المسيح القائلة: “أحبوا أعداءكم” (متى 44:5). والله يوقع أحكام عدله على الأشرار لأجل خير المسكونة بل حتى لأجل خير الذين يوقع عليهم أحكامه. فهو يريد أن يسعدهم اذا كان ذلك لا يتعارض مع شرائع حكمه وعدالة صفاته . وهو يحيطهم بدلائل محبته ويمنحهم معرفة شريعته ويسير وراءهم ليقدم اليهم هبات رحمته، ولكنهم يزدرون بمحبته ويستخفون بشريعته ويحتقرون رحمته. ومع أنهم دائماً يتقبلون هباته فإنهم يهينون الواهب. والرب يحتمل فسادهم ويصبر على ذلك طويلا . لكنّ الساعة الحاسمة ستجيء اخيرا عندما يتقرر مصيرهم . فهل سيقبل اولئك العصاة ويبقيهم الي جانبه؟ وهل يرغمهم على عمل ارادته ؟ GrH 40.3

غير مستعدين لدخول السماء - ان الذين اختاروا الشيطان قائدا لهم هم غير مستعدين للمثول في حضرة الله . فالكبرياء والمخاتلة والفجور والخلاعة والقسوة قد ثبتت في اخلاقهم . فهل يستطيعون دخول السماء ليعيشوا الي الابد مع الذين قد ازدروا بهم وابغضوهم وهم على الارض؟ ان الكذاب لا يمكنه ان يستسيغ الصدق او يرضي به، والوداعة لن تشبع نفس من يعظم نفسه او يسلك بالكبرياء، والطهارة غير مقبولة لدى الانسان الفاسد، والمحبة النزيهة لا تبدوا جذابة للرجل الأناني. أي نبع للتمتع يمكن أن تقدمه السماء الي اولئك الناس المشغولين في مصالحهم الارضية الانانية؟ GrH 40.4

فهل يمكن للذين قلوبهم مفعمة بالكراهية لله وللحق والقداسة ان يندمجوا بين جموع السماويين ويشاركوهم في ترديد اناشيد الحمد؟ فلقد قدمت اليهم سنو الاختبار لعلهم يشكلون اخلاقهم لتكون كأخلاق السماويين. ولكنهم لم يتعلموا لغة السماء . والآن قد مضى الوقت . GrH 41.1

ان حياة العصيان لله التي عاشوها لن تؤهلهم للسماء. ان طهارتها وقداستها وسلامها تعذبهم، ومجد الله هو نار آكلة لهم. انهم يتوقون للهروب من ذلك المكان المقدس.يرحبون بالهلاك ليستطيعوا الاختباء من وجه ذاك الذي قد مات لكي يفتديهم. فمصير الاشرار يقرره اختيارهم نفسه. انهم يطردون انفسهم من السماء بمحض اختيارهم وهذا عدل من الله ورحمة. على غرار مياه الطوفان ستعلن نيران ذلك اليوم العظيم حكم الله بأن الأشرار لا يمكنهم إصلاحهم. لقد تدربت إرادتهم على التمرد والثورة. وعندما تنقضي الحياة سيكون قد مضى الوقت لتحويل مجرى تفكيرهم من العصيان إلى الطاعة ومن الكراهية إلى المحبة. GrH 41.2

مصيران — “أجرة الخطية هي موت وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا”. ففي حين أن الحياة هي ميراث الأبرار فالموت هو مصير الأشرار. “الموت الثاني” قد وضع على نقيد الحياة الأبدية. (رومية 23:6؛ انظر رؤيا 14:20). GrH 41.3

وقد كان من نتائج خطيئة آدم ان الموت اجتاز الجنس البشري كله. فالجميع ينحدرون الى الهاوية على السواء. وعبر تدبير الخلاص سيخرج الجميع من قبورهم. “سوف تكون قيامة للأموات الأبرار والآثمة” “لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع”. لكن سيكون هنالك فرق بين الذين سيخرجون من قبورهم من الفريقين. “يسمع جميع الذين في القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة” (أعمال 15:24؛ 1 كورنثوس 22:15؛ يوحنا 28:5 و 29). GrH 42.1

نهاية المعاناة والألم — فالذين “حسبوا أهلاً” لقيامة الحياة هم “مباركون ومقدسون”، “هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم” (لوقا 35:20؛ رؤيا 6:20). أما الذين لم يحصلوا على الغفران بواسطة التوبة والإيمان فلابد أن ينالوا قصاص تعدياتهم:” أجرة الخطيئة”. وهم يقاسون قصاصاً “حسب أعمالهم”، وسينتهي أمرهم “بالموت الثاني”. GrH 42.2

وحيث أنه سيستحيل على الله أن يخلص الشرير من خطاياه فسيحرمه من الوجود الذي قد خسره بسبب عصيانه والذي قد برهن هو على عدم استحقاقه إياه. “بعد قليل لا يكون الشرير. تطلع في مكانه فلا يكون”. “ويكونون كأنهم لم يكونوا” (مزمور 10:37؛ عوبديا 16). يهبطون يائسين إلى أعماق النسيان الأبدي. GrH 42.3

وهكذا تنتهي الخطية. “أهلكت الشرير. محوت اسمهم إلى الدهر والأبد. العدو تم خرابه إلى الأبد” (مزمور 5:9 و 6). ويوحنا في رؤياه سمع تسبيحة شكر لا يعكرها أو يفسدها أي تنافر في الأصوات.لن تكون هناك نفوس هالكة لتجدف على الله وهي تتلوى من هول العذاب الذي لا ينتهي، ولن تكون في الجحيم ارواح شقية تختلط صرخاتها بأغاني المخلصين. GrH 42.4

وعلى أساس ضلالة خلود النفس الطبيعي ترتكز عقيدة الوعي عند الموت، وهي عقيدة متناقضة لتعليم الكتاب وما يمليه العقل ومشاعرنا البشرية. وطبقا للاعتقاد الشائع يكون المفتدون في السماء على علم بكل ما يحدث على الارض. ولكن كيف يمكن ان يكون نبع سعادة وفرح للأموات كونهم يعلمون بضيقات الاحياء ومتاعبهم، وكونهم يشاهدون الخطايا التي يرتكبها احباؤهم ويرونهم يقاسون الآلام والاحزان والخيبة والعذاب في حياتهم؟ كم هو اعتقاد ممقوت ان يظن الانسان انه حالما تنطلق النسمة من الجسد تُحبس نَفْسُ الخاطئ في نيران الجحيم! GrH 43.1

ما الذي يقوله الكتاب عن هذه الأمور؟ إن الإنسان يكزن عديم الشعور عند موته: “تخرج روحه فيعود إلى ترابه في ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره” (مزمور 4:146)، “لأن الأحياء يعلمون أنهم سيموتون أما الموتى فلا يعلمون شيئاً... ومحبتهم وبغضهم وحسدهم هلكت منذ زمان ولا نصيب لهم بعد إلى الأبد في كل ما عمل تحت الشمس لأَنَّ الْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. الْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو الْهَابِطُونَ إِلَى الْجُبِّ أَمَانَتَكَ. الْحَيُّ الْحَيُّ هُوَ يَحْمَدُكَ كَمَا أَنَا الْيَوْمَ. الأَبُ يُعَرِّفُ الْبَنِينَ حَقَّكَ،لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي الْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟” (مزمور 4:146؛ جامعة 5:9 و6؛ إشعياء 18:38و 19؛ مزمور 5:6). GrH 43.2

وفي يوم الخمسين أعلن بطرس عن داود “أنه مات ودفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم”، “لأن داود لم يصعد إلى السموات” (أعمال 29:2و 34). ان حقيقة كون داود باقِ في القبر الي يوم القيامة هي برهان على كون الابرار لا يذهبون الي السماء عند الموت. GrH 43.3

القيامة إلى حياة أبدية - لكنّ يسوع اذ كان موشكا ان يترك تلاميذه لم يقل لهم انهم سيأتون إليه سريعاً. فقد قال لهم: “أنا أمضي لأعد لكم مكاناً. وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إلي” (يوحنا 2:14و 3). ثم إن بولس يخبرنا فوق ذلك أن “الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب”. ثم يضيف قائلاً: “لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام” (1 تسالونيكي 16:4-18). فعند مجيء الرب تتحطم قيود القبر ويقوم “الأموات في المسيح” للحياة الأبدية. GrH 44.1

وسيدان الجميع كما هو مكتوب في الأسفار وسيجازى كل واحد بحسب أعماله. هذه الدينونة لا تتم عند الموت. “لأنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل”، “هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ، لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ” (أعمال 31:17؛ يهوذا 14و15). GrH 44.2

ولكن اذا كان الاموات قد قاموا وهم يتمتعون بسعادة السماء او يتلوون من أهوال نيران الجحيم فما الداعي لإقامة الدينونة في المستقبل، ان تعاليم كلمة الله عن هذه الامور المهمة يمكن للاذهان العادية ان تفهمها. GrH 44.3

ولكن أي عقل مخلص يمكنه ان يرى حكمة او عدلا في النظرية المألوفة؟ فهل الأبرار بعد فحص قضاياهم في الدينونة سيحصلون على هذا الثناء القائل: “نعماً أيها العبد الصالح والأمين... ادخل إلى فرح سيدك” في الوقت الذي يكونون فيه ساكنين في محضرهم ربما منذ أجيال طويلة؟ وهل الأشرار يستدعون من موضوع العذاب لبسمعوا الحكم عليهم من ديان كل الأرض إذ يقول لهم: “اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية؟ (متى 21:25و 41). GrH 44.4

ان نظريه خلود النفس كانت احدى تلك العقائد المغلوطة التي اذ اخذتها روما عن الوثنية. لقد اعتبرها مارتن لوثر ضمن ” الخرافات الفظيعة التي تكون جزءاً من كومة أحكام روما البابوية” والكتاب يعلمنا بكل وضوح أن الأموات راقدون إلى يوم القيامة. GrH 45.1

الخلود عند مجيء المسيح — ما أعظمها من راحة مباركة للأبرار المتعبين! فالزمن طال أو قصر يشبه في تقديرهم لحظة عابرة، أنهم ينامون ثم يستيقظون على صوت بوق الله إلى خلود مجيد: ” فإنه يسبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير... ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحين إذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت إلى غلبة” (1كورنثوس 52:15- 54). GrH 45.2

قإذ يُدعون ليستيقظوا من نومهم العميق يبدأون يفكرون من حيث كفوا عن التفكير .لقد كانت آخر الاحاسيس هي شوكة الموت، وآخر فكر كان هو انهم قد سقطوا تحت سلطان الهاوية. فعندما يخرجون من القبر فأول فكر مبهج لهم سيرن صداه في صيحة الانتصار القائلة: “أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية”؟ (1كورنثوس 55:15). GrH 45.3