أعما لالرُّسل

8/59

الفصل السابع

تحذير ضد الرياء

(يعتمد هذا الفصل على ماجاء في أعمال 4 : 32 _ 5 : 11).

إن التلاميذ إذ أذاعو حق الإنجيل في أورشليم شهد الله لكلامهموآمن جمع من الناس . وكثيرون من هؤلاء المؤمنين الأولين قطعت الصلة بينهم وبين عائلاتهم وأصدقائهم في الحالبسبب تعصب اليهود الأعمى فصار من اللازم إمدادهم بالمأكل والمسكن . AR 57.1

والكتاب يعلن قائلا : «لم يكن فيهم أحد محتاجا» (أعمال4 : 34) ، كما يخبرنا كيف سدت الحاجة . فالمؤمنون الذين كانوا يملكون أموالا أو مقتنيات ضحوا بها بكل سرور لمواجهة الطوارئ . فإذا كانو يبيعونبيوتهم أو أراضيهم كانوا يجيئون بأثمناويضعونها عند أرجل الرسل : «فكان يزودعلى كل أحد كما يكون له احتياج» (أعمال 4 : 35) . AR 57.2

هذا السخاء الذي أظهره المؤمنونكان نتيجة انسكاب الروح القدس. فالمهتدون إلى الإنجيل كان لهم : «قلب واحد ونفس واحدة» (اعمال4 : 32) . إن اهتماما واحدا مشتركاسيطر عليهم ألا وهو نجاح الرسالة المسلمة لهم ، فلم يكن للطمع في حياتهم . إن محبتهم لأخوتهم وللملكوت الذي قبلوه وأيدوه كان أعظيم من محتبهم للمال والأملاك . وقد شهدت أعمالهم على أنهم كانوا يعتبرون نفوس الناس أغلى قيمةمن ثروات الأرض. AR 57.3

وهذا مايحدث دائما عندما يتسلط روح الله على الحياة . فأولئك الذين قد امتلأت قلوبهم بمحبة المسيح سيتبعون مثال ذلكالذي من أجلنا افتقر لكي نستغنى نحن بفقره . فالمال والوقت والنفوذ-كل العطايا التي نالوها من يد الله سيقدرونها فقط على ماتكون وسيلة لتقدم عمل الإنجيل . هكذا كانت الحال في أيام الكنيسة الأولى ، وعندما يرى في الكنيسة اليوم أنه بقوة الروح قد حول الأعضاء عواطفهم عن أمور العالم وأنهميرغبون في التضحية كي يسمع بنو جنسهم الإنجيل ، فالحقائق المعلنة سيكون لها تأثير قوي على السامعين . AR 58.1

ولكن تصرف حنايا وسفيرة ، الذي سجله قلم الوحي ، أوجد فرقا شاسعا وتباينا حدايخالفمثال كرم المؤمنين وحبهم للخيرالأمر ، الذي وصم تاريخ الكنيسة الأولىبلطخةسوداء . فهذا الشخصان المعترفان بأنهما من التلاميذكاناقد اشتركا في امتياز سماع الإنجيل الذي كرز به الرسل . وكانا حاضرين مع بعض المؤمنين الآخرين عندما : «تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه ، وامتلا الجميع من روح القدس» على أثر الصلاة التي قدمها الرسل (أعمال 4: 31) . وقد استولى على جميع الحاضرين تبكيتعميق ، وتحت قوة تأثير روح الله المباشر تعهد حنانيا وسفيرا ان يقدما ثمن ملك لهمابعد بيعه . AR 58.2

ولكن حنايا وسفيرة أحزنا روح الله فيما بعد إذ خضعا لمشاعر الطمع . فبدءا يأسفان على وعدهما الذي قدماه ، وسرعان خسرا التأثير الحلو للبركة التي كانت قد أضرمتفي قلبيهما الرغبة لعمل أشياء عظيمة لأجل ملكوت المسيح . وقد ظنا أنهما تسرعا وأنه ينبغي لهنا أن يفكرا في المسألةمن جديد . وقد تحدثا معا في هذا الشأن وقررا عدم الوفاء بعهدهما . ومع ذلك رأيا أن الذين باعوا أملاكهم لسد أعاوز اخوتهم الفقراء ظفروا باحترام المؤمنين وتقديرهم ، وإذ كانا يخجلان من أن يعرف إخوتهما أن أنانيتهما جعلتمها يطمعان فيماقد تعهدا بكل وقار بتقديمه لله وتكريسه لعمله ، أصرا على بيع ملكهما والتظاهر بتقديم كل الثمن للخزانة العامة ، ولكن في واقع الأمر يبقيان جانبا كبيرا من الثمن لنفسيهما . وهكذا يضمنان معيشتهما من الخزانة العامة (المخصصة لمساعدة المحتاجين) وفي نفس الوقت ينالان تقدير إخوتهما . AR 58.3

ولكن الله يمقت الرياءوالكذب . لقد لجأ حنانياوسفيرة إلى الغش في معاملتهما مع الله وكذا على الروح القدس فافتقدت خطيتهما بدينونة سريعة ورهيبة . فعندما جاء حنانيا بعطيته قال له بطرس: «ياحنانيا ، لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل .؟ أليس وهو باق كان يبقى لك ؟ ولما بيع ، ألم يكن في سلطانك ؟ فما بالك وضعت في قلبك هاذا الامر ؟ أنت لم تكذب على الناس بل على الله . AR 59.1

«فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات . وصار خوف عظيم على الجميع الذين سمعوا بذلك» (أعمال5:3-5) AR 59.2

لقد سأله بطرس قائلا : «أليس وهوباق كان يبقىلك ؟» إن حناينا لم يقع تحت أي ضغط غير لائق لإرغامه على التضحية باملاكه للخير العام . فلقد اتخذ قراره بمحض اختياره . ولكنه إذ حاول أن يخدع التلاميذ كذب على الله القدير . AR 59.3

«ثم حدث بعد مدة نحو ثلاث ساعات ، أن امرأته دخلت ، وليس لها خبر ماجرى . فأجابها بطرس قولي لي أبهذا المقدار بعتما الحقل ؟ فقالت نعم ، بهذا المقدار . فقال لها بطرس مابالكما اتفقتما على تجربة روحالرب ؟ هوذا أرجل الذين دفنوا رجلك على البا ، وسيحملونك خارجا . فوقعت في الحال عند رجليه وماتت . فدخل الشباب ووجدوها ميتة ، فحمولها خارجا ودفنوها بجانب رجلها . فصار خوف عظيم على جميع الكنسيةوعلى جميع الذين سمعوا بذلك» (أعمال5 :7 -11). AR 60.1

لقد رأت حكمة الله غير المحدودة أن هذا الإعلان المميز لغضب الله كان لازما لحفظ الكنيسة الفتية وصيانتها من الفساد . كان عددهم يتكاثر بسرعة وكان يمكن أن تتعرض الكنيسة للخطر لو أنها في حالة الازدياد السريع لعدد المهتدين ، ينضم إليها بعض الرجال والنساء الذين يتظاهرون بأنهم يخدمون الله وهم في الحقيقةيخدمون المال. فهذا القصاص شهد بأن الناس لايمكنهم أنيخدعوا الله ، وأنه يكتشف الخطية المستترة في القلب ولايمكن أن يشمخعليه . وقد قصد به أن يكون إنذارا للكنيسة ليجعلهم يتجنبون التصنع والتظاهر والرياء ، ويتحرسونمن سلب الله . AR 60.2

إن هذا المثال على بغض الله للطمع والغش والنفاق قدم كإشارة خطر ليس للكنيسة الأولى فحسب بل أيضا لكل الأجيال المستقبلة . إن الطمع هو الذي احتضنه حناينا وسفيرة من البدء . فرغبتهما في إبقاء جزء من المالالذي كانا قد تعهدا بتقديمه للرب ساقتهما إلى الغش والرياء. AR 60.3

لقد جعل الله إذاعة الإنجيل تعتمد على جهود شعبه وعطاياهم . فالتقدمات التطوعية والعشور يتكون منها إيراد عمل الرب. ومن الإمكانات والأموال المودعة أمنة عند الإنسان يطلب الله جزءا معينا — العشر . وهو يترك للجميع كامل الحرية لأن يقولوا ما إذا كانوا يريدون تقديم جزء أكثر من هذا أو لا . ولكن عندما يتحرك قلب الإنسان بفاعلية الروح القدس وينذر أن يقدم قدر معينا لله فلا يحق له أن يستردشيئا لنفسه مما كرسه الله إذ لم يعد ملكا له . إن الوعود التي نقدمها للناس من هذا النوع توقعنا تحت التزام ، أفلام توقعنا عهودنا التي قدمانها لله تحت التزام أعظيم؟ وهل الوعود التي ينظر فيها أمام محكمة الضمير أقل التزاما من مستندات الناس المكتوبة ؟ . AR 60.4

عندما يشرق النور الإلهي في القلب بوضوحوقوة عاديين فإن الأنانية التي تعود الإنسان عليها ترخي من قوة قبضتها ويتولد في النفس ميل لتقديم العطايا لله . ولكن لايظنن أحد أنه سيسمح له بالوفاء بعهوده لله دون أن يحتج الشيطان على ذلك . إنه لايسر عندما يرى ملكوت الفادي يؤسس على الأرض. فهو يقترحقائلا إن التعهد الذي قدم هو أكثر من اللازم وأنه كفيل بأن يعجزهم عن إحراز الأملاك أو إشباع رغبات عائلاتهم . AR 61.1

إن الله هو الذي يبارك الناس بالنجاح . وهو يفعل هذا حتى يستطيعوا أن يقدموا عطاياهم لنجاح عملهوتقدمه . إنه يرسل نور الشمس والأمطار . ويجعل النباتات والمزروعات تنمو وتزدهر . إنه يمنح الإنسان صحة وقدرة على اصطناع الثروة . فكل البركات التي نتمتع بها تأتينا من يده الكريمة السخية. وفي مقابل ذلك يريد من الرجال والنساء أن يظهروا شكرهم وعرفانهم للجميل بتقديم جزاء من أموالهم له في الشعور والتقدمات- وعطايا الشكر والتقدمات التطوعية وقربان الإثم. فلو تدفقت العطايا السخية في خزانة الرب وفقا لتلك الخطة الإلهية —وهو العشر من كل مدخولنا بالإضافة إلى التقدمات السخية- فسيكون هنالك فيض من البركات لتقدم عمل الرب. AR 61.2

إلا أن قلوب الناس تتقسى بالأنانية ، وكما فعل حنانيا وسفيرة ، يحاولون هم أيضا ان يستبقوا جزاء من الثمن في حين يتظاهرون بأنهم قد تمموا مطاليب الله . إن كثيرين من الناس ينفقون ببذخ ليتمعوا أنفسهم . فالرجال والنساء يراعون ملذاتهم ويشبعون شهواتهم، في حين أنهم يقدمون لله عطاياهم الشحيحة وهم يكادون يكونون كارهين . إنهم ينسون أن الله سيحاسبهميوما ما حسابا دقيقاعن كيفية تصرفهم في عطاياه وأنه لن يقبل بعد ، العطايا الزهيدة التي يقدمونها إلى خزانته بأكثر مما قبل عطية حنانيا وسفيرة . AR 62.1

والله يريدنا أن نتعلم أيضا من القصاص الشديد الذي وقع على ذينك الكاذبين مقدار كرهه الشديد لكل رياء وخداع , إن حنانيا وسفيرة إذ تظاهرابأنهما قد قدما كل الثمن ، كذبا علىالروح القدسوكان من نتائج ذلك أنها خسرا هذهالحياة والحياة العتيدة أيضا . ونفس الإله الذي أوقع عليهما هذا القصاص يدين اليوم كل كذب . إن شفاه الكذب مكروهة لديه . وهو يعلن أن المدينة المقدسة «لن يدخلها شيئ دنس ولامايصنع رجسا وكذبا» (رؤيا21: 27). فلانتمسك بقول الصدق بيد مرتخية أو بقبضة ضعيفة مترددة ، بل ليكن جزءا لايتجزأ من الحياة . إن التلاعب بالحق والتظاهر بأنه يطابق خطط الإنسان الأنانية معناه ارتطام سفينة الإيمان وتحطمها : «فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق» ( أفسس6 : 14) . إن من ينطق بأكاذيب يبيع نفسه بثمن بخس . قد يبدوا أن أكاذيبه تخدمه في الأزمات ، وقد يبدوا أنه بذلك ينجح في تجارته ، الأمر الذي لم يستطع تحقيقه بالعدل والإنصاف والصدق في معاملاته ، ولكنه أخيرا يصل إلى الحد الذي لايمكنه مع أن يثق في إنسان . فلأنه هو نفسه كذاب ومزور فهو لايثق فيما يقوله الآخرون . AR 62.2

في قضية حنانيا وسفيرة عوقبت خطية الغش ضدالله بقصاص سريع . وقد ارتكبت كثيرا هذه الخطية نفسها في تاريخ الكنيسة بعد ذلك ، ولايزال كثيرون يرتكبونها في أيامنا هذه . ولكن مع أنه قد لاتصحبها أية ظاهرة على غضب الله ، فإنها ليست أقل فظاعة في نظره الآن مما كانت في عصر الرسل . لقد قدم الإنذار ، وقد أظهر الله بكل جلاء كراهيته لهذهالخطيئة ـ، فكل من يعمدون إلى الرياء والطمع يمكنهم أن يتأكدوا من أنهم إنمايهلكون أرواحهم . AR 63.1