أعما لالرُّسل
الفصل السادس
عند باب الهيكل
(يعتمد هذا الفصل على ماورد في أعمال 3 و 4 : 1-31).
كان تلاميذ المسيح يحسون إحساسا عميقا بعدم كفايتهم ، فباتضاع وتذللوصلاة قرنوا ضعفهم بقوته وربطوا جهلهم بحكمته وعدم استحقاقهم ببره وفقرهم بغناه الذي لاينفذ. فإذ تقووا وثم إعدادهم على هذه الصورة لم يترددوا عن التقدم إلى الأمام في خدمة السيد . AR 45.1
بعد حلول الروح القدس بوقت قصير ، وتوا بعد فرصة قضيت في الصلاة الحارة ، كان بطرس ويوحناصاعدين إلى الهيكل للعبادة فشاهدا عند باب الهيكل الذي يقال له الجميل رجلا أعرج يبلغ الأربعين من العمر ،كانت حياته منذ ولادته حياة الألم والعجز والضعف. وقد اشتاق هذا الرجل السيئ الحظ طويلا لأن يرى يسوع ليشفيه ، ولكنه كان عاجزا عجزا يكاد يكون كاملا ، وقد أقصى بعيدا عن مشهد خدمات الطبيب العظيم. وأخيرا أفلحت توسلاته في إقناع بعض الأصدقاء لحمله إلى باب الهيكل ، ولكن لدى وصوله إلى هناك اكتشف أن ذلك الذي تركزت فيه آماله كان قد مات ميتة قاسية .. AR 45.2
وقد أـثارت خيبته عطف الذين عرفوا كم من الوقت ظل ذلك المسكين ينتظر بشوق ولهفة لكي يشفيه يسوع ، فكانو كل يوم يحملونه إلى الهيكل أملا أن ينال بعض العطف من العابرين فيجودون عليه بالقليل مما عندهم ليسد به أعاوزه فإذ مر به بطرسويوحنا سألهما صدقة . فتطلعإليه ذانك التلميذان بحنان وإشفاق . وقال له بطرس : «انظر الينا ، فلاحظهما منتظرا أن يأخذمنهما شيئافقال بطرس ليس لي فضة ولا ذهب» (اعمال 3: 4 6) . فعندما أعلن بطرس أنهفقير سقط وجه الرجل الاعرج ، ولكنه أشرقبعد ذلك وتألق بنور الرجاء عندما تابع الرسول كلامه قائلا : «ولكن الذي لي فإياه أعطيك : باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش». AR 45.3
وأمسكه بيده اليمنى وأقامه ، ففي الحال تشددت رجلاه وكعباه . فوثب ووقف وصار يمشي ،، ودخل معهما إلى الهيكلوهو يمشي ويطفر ويسبح الله . وأبصره جميع الشعب وهو يمشي ويسبح الله . وعرفوه أنه هو الذي كان يجلس لأجل الصدقة على باب الهيكل الجميل، فامتلأوا دهشة وحيرة مما حدث له . AR 46.1
«وبينما كان الرجل الأعرج الذي شفي متمسكا ببطرس ويوحنا ، تراكض اليهم جميع الشعب الى الرواقالذي يقال له «رواق سليمان» وهم مندهشون» (اعمال 3: 6 -11) . لقد اندهشوا لأن التلاميذ استطاعو أن يحرك يصنعو معجزات شبيهة بما كان يصنعه يسوع . ومع ذلك فها هو الرجل الذي كان أرج وعاجزا أربعين سنة ، يفرح متهللا لأنه استطاع أن يحرك أعضاء جسمه التي لم يعد فيها أي ألم ، وهو الآن سعيد بإيمانه بيسوع. AR 46.2
وعندما رأى التلميذان دهشة الشعب قال لهم بطرس : «مابالكم تتعبجون من هذا ؟ ولماذا تشخضون إلينا ، كأننا بقوتنا قد جعلناهذا يمشي ؟«(اعمال 3 : 12) . وقد أكد لهم أن الشفاء قد تم باسم واستحقاق يسوع الناصري الذي أقامه الله من الأموات. ثم أعلن الرسول قائلا: «وبالإيمان باسمه شدد اسمه هذا الذي تنظرونه وتعرفونه ، والايمان الذي بواسطته أعطاه هذه الصحة أمام جميعكم» (أعمال 3 : 16) AR 46.3
وقد تكلم الرسولان بكل صراحة عن خطية اليهود العظيمة في رفضهم لرئيس الحياة وقتلهم إياه، ولكنهما كانا حريصين ألا يسوقا سامعيهما إلى اليأس . فقال لهم بطرس : «،أنتم انكرتم القدوس البار ، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قال. ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات ، ونحن شهود لذلك ...والآن أيها الاخوة ، أنا أعلم انكم بجهالة عملتم كما رؤسائكمأيضا . وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفوا جميع أنبيائه ، أن يتألم المسيح ، ق تممه هكذا».(أعمال3:14،15،16،17). وقد أعلن أن الروح القدس يدعوهم الى التوبة والرجوعوأكد لهم أنه لارجاء في الخاص إلا بواسطة رحمةذلك الذي قد صلبوه. فبالإيمان به وحده يمكن أن تغفر خطاياهم . AR 47.1
ثم صاح يقول لهم «فتوبو وارجعوا لتمحى خطاياكم ، لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب» (اعمال 3: 19) AR 47.2
«انتم أنباء الأنبياء ، والعهد الذي عاهد به الله آبائنا قائلا لإبراهيم : وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض . إليكم أولا، إذ أقام الله فتاه يسوع ، أرسله يبارككم برد كل واحد من كم عن شروره» (أعمال 3 : 25 ،26 ) AR 47.3
هكذا كرز التلميذان بقيامة المسيح . وكثيرون من السامعين كانو ينتظرون هذه الشهادة فلما سمعوها آمنوا لأنها ذكرتهم بأقوال المسيح التي نطقبها فانضموا إلى صفوف أولئك الذين قبلوا الإنجيل . إن البذرة التي كان المخلص قدزرعها نبتت ونمت وأتت بثمر كبير. وإذ كان التلميذان يخاطبان الشعب : «اقبل عليهما الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون . متضجرين من تعليمهما الشعب وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات» (أعمال4 : 1،2) AR 47.4
بعد قيامة المسيح نشر الكهنة في مكان ذلك الخبر الكاذب الذي يقول إن التلاميذ قد سرقوا جسده فيما كان الحراس الرومان نياما . فلا غرابة إذا استاؤاعندما سمعوا بطرس ويوحنا يكرزان بقيامة ذلك قد قتلوه. وقد ثار الصودقيون بوجه خاصة واهتاجوا جدا . فلقد أحسوا بأن عقيدتهم المأثورة لديهم مهددة بالخطر وبأن سمعتهم بات يخشى عليها . AR 48.1
ازداد عدد المنضمين إلى الإيمان الجديد بسرعة ، فأجمع رأي الفريسيين والصدوقيين على أنه إذا ترك هؤلاء المعلمون الجدد يواصلون عملهم دون رادع ، فإن نفوذهم هم سيمسي مهددا بخطر أعظم مما لو كان يسوع على الأرض . ولذلك قبض رئيس جند الهيكل بمعونة بعض الصدوقيين على بطرس ويوحنا ووضعوهما في حبس إلى الغد لأن الوقت كان مسا ولم يكن ممكنا التحقيق معهما في ذلك اليوم . AR 48.2
إن أعداء التلاميذ لم يسعهم إلا أنيقتنعوا بأن المسيح قام من بين الأموات . كان البرهان واضحا جاد بحيث لم يحتمل الشك . ومع ذلك فقد قسوا قلوبهم إذ رفضو التوبة عن خطيئتهم الهائلة التي ارتكبوها بقتلهم ليسوع . وماأكثر البراهين التي قدمت لرؤساء اليهود للدلالة على أن الرسل كانوا يتكلمون ويعملون بإرشاد إلهي ، ولكنهم قاوموا رسالة الحق بكل إصرار . إن المسيح لم يأتي بالطريقة التي كانو ينتظرونها ، ومع أنهم اقتنعوا في بعض الأحيان بأنه ابن الله ، فقد خنقوا اقتناعم هذا وصلبوه . وقد قدم الله هم في رحمته براهين أخرى ، والآن هاهي فرصة آخى تقدم لهم للرجوع إليه . فأرسل إليهم التلاميذ ليخبروهم بأنهم قد قتلوا رئيس الحياة ، وفي هذه التهمة الهائلة قدم لهم دعوة أخرى ليتوبوا . ولكن إذ أحسوا — بالطمأنينة في اعتصامهم ببرهم الذاتي ، رفض معلموا اليهود الاعترااف بأن أولئك الرجال الذين يتهمونهم بصلب المسيح يتكلمون بتوجيه الروح القدس . AR 48.3
فإذ اسلم الكهنة أنفسهم لمسلك ناصبوا فيه المسيح المقاومة والعداء . صار مسلكهم هذا بالنسبة إليهم حافزا إضافيا ليسيروا في نفس الاتجاه . وقد زاد إصرارهم على العناد ، ليس لأنهم لم يستطيعوا التسليم والعدول عن رأيهم، فقد كانو يستطيعون ذلك ولكنهم لم يريدوا . إنهم لم يقطعوا بعيدا عن الخلاص لأنهم كانوا مذنبين ويستحقون الموت فحسب ، وليس فقط لكونهم قتلوا ابن الله ، بل لأنهم أيضا تسلحوا بالمقاومة ضد الله . فبكل اصرار قاوموا النور ورفضوه وأخمدوا تبكيت الروح . إن القوة التي تسيطر على أنباء المعصية كانت تعمل فيهمفجعلتهم يهينون الرجال الذين كان الله يعمل بواسطتهم. إن خبث عصيانهم زاد وتفاقم بواسطة كل عمل من أعمال المقاومة المتتابعة صد الله والرسالة التي أعطاهالخدامه ليعلونها . في كل يوم كان يمر ويرفض فيه رؤساء اليهود التوبة ، إنما كانو بذلك يبدأون بالعصيانمجددا استعدادا لأن يحصدوا ما قد زرعوه . AR 49.1
إن غضب الله لا يعلن على الخطاء غير التائبين لأجل الخطايا التي قد ارتكبوها فقط ،بل لأنهم بعدما دعوا للتوبة اختاروا الامعان في المقاومةوهم يرتكبون من جديد نفس الخطايا التي سبق أن ارتكبوهامتحدين النور المعطى لهم . فلو خضع رؤساء اليهود لقوة الروح القدس المبكتة لكانت خطاياهم قد غفرت . ولكنهم أصروا على عدم الإذعان. وبنفس هذه الطريقة نجد أن الخاطئ بمقاومته المستمرة يضع نفسه في وضع لا يمكن للروح القدس أن يؤثر فيه . AR 49.2
وفي اليوم التالي بعد شفاء الرجل الأعرج اجتمع حنان وقيافا مع باقي أحبار هيكل للمحاكمة ، فجيء بالسجينين ليمثلاأمامهم . في نفس تلك الدار وأمام بعض الرجال ذاتهم كان بطرس قد أنكر سيده ذلك الإنكار المشين، وقد مثل هذا الأمر بكل وضوح أمام ذهنه عندما وقف ليحاكم. كانت لديه الآن فرصة فيها يفتدي جبنه ذلك . إن أولئك الذين كانوا حاضرين والذين تذكروا الدور الذي مثله لطرس عند محاكمة سيدهكانوا يخدعون أنفسهم بالفكر أنه يمكنهم الآن أن يخيفوه بتهديده بالسجن والموت . ولكن بطرس السريع الاندفاع والواثق من ذاته والذي أنكر المسيح في أحرج ساعاته كان يختلف اختلافا عظيما عن بطرس الذي جيء به الآنأمام السنهدريم للتحقيق معه. فمنذ سقطته تجدد ولم يعد متكبرا او فخورا بل صار متضعا وغير واضع ثقتهفي نفسه . وإذ امتلأ بالروح القدس وبمساعدة هذه القوة عقد العزم على محو لطخة الارتداد في نفسه باكرام وتمجيد الاسم الذي كان قد أنكره سابقا. AR 49.3
لقد تحاشى الكهنة قبل ذلك ذكر شيئ عن صلب يسوع أو قيامته . أما الآن فلكي يتمموا أغراضهم أجبروا أن يسألوا المتهمين كيف تم شفاء الرجل الأعرجالعاجز فسألوهما قائلين : «بأية قوة وبأي اسم صنعتما أنتما هذا» . AR 50.1
فبجرأة مقدسة وبقوة الروح أعلن بطرس قائلا بلا خوف : «ليكن معلوما جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع المسيح النصاريالذي صلبتموهأنتم ، الذي أقامه الله من الأموات ، بذلك وقف هذا أمامكم صحيحا. هذا هو : الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون ، الذي صار رأس الزاوية. وليس بأحد غيره الخلاص . لأن ليس اسم آخرتحت السماء ، قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص» (أعمال : 4 7 ، 10 -12). AR 50.2
هذا الدفاع الباسل أفزع رؤساء اليهود. كانو يظنون أن التلاميذ سينهزمون من الخوف والارتباك عندما يؤتى بهم أمام السنهدريم . ولكن بدلامن ذلك فقد تكلم هاذا الشاهدان كما كان المسيح نفسه يتكلم ، بقوة إقناع عظيمة أبكمت كل خصومهم . ولكم يكن هنالك أي اثر للخوف في صوت بطرس وهو يعلن قائلا AR 50.3
عن المسيح : «هذا هو : الحجز الذي احتقرتموه أهيا البناؤون ، الذي صار رأس الزاوية». AR 51.1
لقد استخدم بطرس تعبيرا مجازيا معروفا للكهنة. لقد تحدث الأنباء عنالحجر المرفوض . وإذ كان المسيح نفسه يخاطب الكهنة والشيوخ وفي إحدى المناسبات قال: «أما قرأتم قط في الكتب، الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية؟ من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا . لذلك أقول لكم :إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره . ومن سقط على هذا الحجر يترضض ، ومن سقط هوعليه يسحقه» (متى 21 : 42 -44) AR 51.2
وإذ أصغى الكهنة إلى كلمات الرسولين الجرئية «عرفوهما أنهما كان من اليسوع» (أعمال 3: 14) . AR 51.3
والكتاب يقول عن التلاميذ بعد تجلىالمسيح أنهم في ختام ذلك المشهد العجيب : «ولم يرواأحدا إالا اليسوع وحده» (متى : 17 ،8). «يسوع وحدة» ، هذه الكلمات تشتمل على سر الحياة والقوة اللتين بهما امتاز تاريخ الكنيسة الأولى . إن التلاميذ عندما سمعواأقوال المسيح أول مرة، أحسوا بحاجتهم إليه . لقد طلبوه فوجدوه وتبعوه. كانو معه في الهيكل وعلى المائدة وعند سفح الجبل وفي الحقل . كانو كالتلاميذ مع معلمهم، فكانو يتلقون منه كل يوم دروس الحق الأبدي . AR 51.4
وبعد صعود المسيح كانوا لايزالون يحسون بحضور الله معهم ذلك الحضور المليء بالحب والنور . وقد كان حضورا شخصيا . فيسوع المخلص الذي سار وتحدث وصلى معهم ، والذي خاطب قلوبهم بكلام الرجاء والعزاء ، إذ كانت رسالة السلام على شفتيه أخذ من بينهم الى السماء . وإذ أخذته مركبة الملائكة ذكروا كرمه القائل : «ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (متى 28 : 20). وقد صعد إلى السماء في هيئة بشرية لقد عرفوا أنه أمام عرش الله ، ولايزال صديقهم ومخلصهم، وأن عواطفه نحوهملم تتغير ، وأنه سيكون متحدا إلى الأبد بالبشرية المتألمة. وعرفوا أنه يقدم أمام الله استحقاق دمه ، ويكشف عن يديه ورجليه المثقوبتين كتذكارللثمن الذي قدمه لأجل مفديه . هذا الفكر منحهم القوة على احتمال العار لأجله. وصار اتحادهم به أقوى الآن مما كان حين عاش معهم شخصيا. إن النور والمحبة والقوة المنبثقة من سكنى المسيح فيهم جعل النور يشع منهم ، حتى أن الناس إذ شاهدوا ذلك تعجبوا. AR 51.5
لقد وضع المسيح ختمه على الكلمات التي تكلم بها بطرس دفاعا عنه . وقد وقف الجرل الذي شفي بكيفية معجزية إلى جوار بطرش كشهادة مقنعة . إن منظر هذا الرجل الذي كان منذ ساعات قليلة أعرج عاجزا. ولكنه صار الآن يتمتع بكامل الصحة ، أضاف شهادة قوية إلى أقوال بطرس .لقد صمت الكهنة والرؤساء إذ كانو عاجزين على تفنيد تصريح بطرس ، ومع ذلك فإنهم لم يكونوا أقل إصرارا على إيقاف تعليم التلاميذ . AR 52.1
إن معجزة المسيح الأخيرة التي توجت على معجزاته الأخرى- أي معجزة إقامة لعازر- ختمت على تصميم الكهنة لحرمان العالم من يسوع وآياته العجيبة التي كانت تعجل بتقويض نفوذهم على الشعب . لقد صلبوه، ولكن هاهو برهان مقنع على أنهم لم يستطيعوا إيقاف صنع المعجزات باسمه ولاإذاعة الحق الذي علم به . وهاهي جوانب مدينة أورشليم قد اهتاجت على أثر كرازة الرسولين وإذاعة نبأ شفاء الأعرج و انتشاره في كل مكان . AR 52.2
فلكي يخفوا حيرتهم وارتباكهم أمر الكهنة والرؤساء بإخراج الرسولين ليتشاوروا في الأمر فيما بينهم . وقد أجمع رأيهم على أنهم عبثا يحاولون إنكار حقيقة كون الرجل قد شفي . كانوا سيسرون لو تكمنوا من إخفاء المعجزة بالأكاذيب ، ولكن ذلك كان أمرا مستحيلا لأن المعجزة ص صنعت في وضح النهار أمام جمهور من الشعب وقد علم بخبرها آلاف من الناس . وقد أحسوا أن عمل التلاميذ ينبغي إيقافه وإلا فإن أناسا كثيرين سيتبعون يسوع. وسيلحقهم العار بعد ذلك لأ،هم سيتهمون بقتل ابن الله . AR 52.3
ولكم برغم تحرقهم لقتل التلميذين وإهلاكهما لم يجرؤ الكهنة إلاعلى تهديدهما بأقسى العقوبات إذا استمرا ينطقان أو يخدمان باسم يسوع . فإذ استدعوهما ليمثلا مرة أخرى أمام السنهدريم أمروهما ألا ينطقا ويعلما باسم يسوع . ولكن بطرس ويوحنا أجاباهم قائلين «إن كان حقا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من اله ، فاحكموا . لأننا نحن لايمكننابما رأينا وسمعنا» .(أعمال 4 : 19 ، 20) . كم كان سيسر الكهنة بمعاقبة هذين الرجلين على ولائهما الذي لايميل ولاينحرف لدعوتهما المقدسة . ولكنهم كانوا يخافون الشعب : «لأن الجميع كانوا يمجدون الله على ماجرى» (أعمال4 : 21) وهكذا أطلق سراح الرسولين بعد تكرار التهديدات والتصويات. AR 53.1
بينما كان بطرس ويوحناسجينين فالتلاميذ الآخرون لعلمهم بخبث اليهود كانوا يصلون بلا انقطاع لأجل أخويهم إذ كانو يخشون لئلا تتكرر القسوةالتي عوملبها المسيح .وحالما أطلقالرسولان ذهبا إلى باقي التلاميذ وأخبراهم بنتيجة التحقيق . وإذ كان فرح المؤمنين عظيما «رفعوا بنفس واحدة صوتعا إلى الله وقالو : «أيها السيد ،أنت هو الإله الصانع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها . القائل بفم داود فتاك : لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل؟ قامت ملوك الأرض ، واجتمع الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع . الذي مسحته ، هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل ليفعلوا كل ماسبقت فعينت يدك ومشورتك أن يكون . AR 53.2
«والآن يارب ، انظر إلى تهديداتهم ، وامنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة . بمد يدك للشفاء ، ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع»» (اعمال4 : 24 — 30). AR 54.1
صلى التلاميذ لكي ينالو مزيدا من القوة في عمل الخدمة ، لأنهم رأوا أنهم سيواجهون نفس المقاومة العنيدة التي واجهها المسيح كان على الأرض . وعندما كانت الصلاة التي رفعوها بنفس واحدة تصعد بالإيمان إلى السماء ، جاءت الإجابة . فلقد تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وامتلأ الجميع من جديد من الروح القدس .فإذ امتلأت قلوبهم شجاعة خرجوا مرةأخرى ليذيعوا كلمة الله في أورشليم : «وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع» (اعمال 4 : 33) . وقد بارك الله جهودهم بكيفية عجيبة . AR 54.2
إن المبدأ الذي لأجله وقف التلاميذ بلا خوف ، عندما أعلنوا ، جوابا على الأمر الصادر إليهم بألا ينطقوا مرة أخرى باسم يسوع ، قائلين «إن كان حقا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله ، فاحكموا» ، هو نفس المبدأ الذي جاهد أنصار الإنجيل لتأييده في أيام الإصلاح . فعندما اجتمع الأمراء الألمان في عام 1529في مجمع سبايرز عرض أمر الامبراطور الذي ضيق الخنق على الحرية الدينية ونهى عن نشر العقيدة المصلحة فيما بعد . وقد بدا كأن رجاء العالم كان على وشك الإنهيار فهل يرضي الأمراءبهذا الأمر ؟ وهل يحجز نور الإنجيل بعيدا فتحرم منه جموع الناس الذين لازالو جالسين في الظلام ؟ إن نتيجة عظيمة لأجل العالم كانت مهددة بالخطر وقد اجتمع أولئك الذين قبلوا العقيدة المصحلة معا . وكان هذا هو قرارهم بالإجماع : «لنرفض هذا الأمر . ففي أمور الضمير لاقوة ولاسلطان للأغلبية». وعلينا نحن في أيامنا هذه أن نؤيد هاذا المبدأبكل قوة . إن راية الحق والحرية الدينية التي رفعها مؤسسوا الكنيسة الإنجيلية عاليا، والتي رفعها أيضا شهود الله في غضون القرون التي مرت من ذلك الحين — هذه الراية قد سلمتبين أيدينا في هذه الأخيرة.إن المسؤولية عن هذه العطية العظيمة تستقر على أولئك الذين قد باركهم اللهبمعرفة كلمته . فعلينا أن نقبل هذه الكلمةعلى أنهاالسلطة العليا . وعلينا أن نعتبر الحكومة البشرية معينة من الله ونعلم الناس الطاعة لها على أنها واجب مقدس في حدود محيطها المشروع . ولكن عندما تتعارض مطالبها مع مطالب اللهفينبغي لنا أن نطيع الله أكثرمن الناس . علينا أن نعتبر كلمة فوق كل قانون بشري. ففيما يختص بالأمورية الروحية ينبغي أن لانستبدل القول : «هكذا قال الرب» بالقول: «هذا قالت الكنيسة» أو «هكذا قالت الدولة» . يجب ان يرفع إكليل المسيح فوق كل تجان ملوك الأرض . AR 54.3
إنه لايطلب منا أن نتحدى السلطان . فكلامنا سواءاأكان شفهيا أو مكتوب ينبغي التأمل فيه بكل حرص وحذر لئلا يسجل علينا أن ننطق بكلام يجعلنا نبدو كأننا خصوم القانون والنظام .علينا أن لانقول ولانفعل شيئا يقطععليناالطريق بلا داع او ضرورة . وعلينا ان نتقدم باسم المسيح مدافعين عن الحقائق المسلمة لنا . فإن كان الناس ينهوننا عن مباشرة العملفحين إذ يمكننا ان نقول نفس ماقاله الرسل : «إن كان حقا أمام الله ان نسمع لكم اكثر من الله ، فاحكموا . لأننا نحن لايمكننا ان لا نتكلم بمارأينا وسمعنا». AR 55.1