أعما لالرُّسل
الفصل الحادي والخمسون
راع مساعد وأمين
(يعتمد هذا الفصل على ماورد في رسالة بطرس الرسول الأولى)
ان كاتب سفر الاعمال لايذكر الا القليل عن الاعمالاللاحقة التي قام بها بطرس الرسول . ففي غضون السنوات المزدحمة بالخدمةالتي تلت انسكايب الروح القدس في يوم الخمسينكان هو واجدا ممن بذلوا جهودا لاتكل للصول الى اليهود الذين كانوا يأتون الى اورشليمليسجدوا في ايام اعيادهم السنوية. AR 467.1
فإذ تكاثر عدد المؤمنين في اورشليم وفيغيرهامن الاماكن التي كان يزورها رسل الصليب ، برهنت مواهب بطرسان لها قيمة لاتقدر للكنيسة المسيحية الاولى. فقوة شهاتدهعن يسوع الناصري امتدتالى اماكن بعيدة. AR 467.2
لقد وضعت عليه مسؤولية مضاعفة ، وقدم شهادة ايجابية قاطعة عن المسيا امام غير المؤمنين وكان يتعب بكل غيرة في سبيل هدايتهم ، وفي الوقت نفسه كان يقوم بعمل خاص للمؤمنين مقويا ومشددا اياهم في الايمان بالمسيح. AR 467.3
فبعدما اقدس بطرس على انكار الذات والاعتماد التام على القوة الالهية ، قبل الدعوة لأن يخدم كراع مساعد . لقد قال المسيح بطرس قبل انكاره له : «وانت متىرجعت ثبت اخوتك» ( لوقا 22 : 32). كان هذا القول يشير الى العمل المتسع الفعال الذي كان على هذا الرسول ان يقوم به في المستقبل لمن سيقبلون الى الايمان. ان اختبار بطرس للخطية والآلام والتوبة قد اعده لهذا العمل . ولم يمكنه ان يتحقق من حاجة المؤمن الى الاعتماد على المسيح الا بعدما ايقن من ضعفه . ففي غمرة عاصفة التجربة ادرك بأن الانسان يمكننه ان يسير آمنا ، فقط عندما يعتمد على المخلصوهم عديم الثقة تماما بنفسه . AR 467.4
وعندما اجتمع المسيح عند البحر بتلاميذه لآخر مرة فان بطرس بعدما امتحن بذلك السؤال الذي وجه اليه ثلاث مرات قائلا: «اتحبني» ( يوحنا21 : 15 ، 17). اعيد الى مكانه بين التلاميذ الاثنى عشر . كان عمله قد عين له فكان عليهانيرعى قطيع الرب . والآن بعدما رجع وقبل لم يكن عمله منحصرا في طلب تخليص من هم خارج الحظيرة بل كان عليه ان يكون راعيا للقطيع . AR 468.1
وقد ذكر المسيح لبطرس شرطا واحدا للخدمة . «اتحبني» هذا هو المؤهل الجوهري . فمع ان بطرس قد يكون حائزاعلى كل شيء آخر فإنه بدون محبة المسيح ماكان يمكنه ان يكون راعيا امينا لقطيع الله. ان المعرفة والاحسان والفصاحة والغيرة — كلها لازمة في الخدمة الصالحة وجوهرية جدا ن ولكن بدون محبة المسيح في القلب فإن عمل الخادم المسيحي يمسي فاشلا . AR 468.2
ان المحبة للمسيح ليست شعورا متقلبا متقطعا ولكنها مبدأ حرا ينبغي ان يظهر كقوة ثابتة في القلب . فاذا كانت اخلاق الراعي وسلكوه تمثيلا للحق الذي يدافع عنه فان الرب سيختم على خدمته الرضى و القبول . وسيصبح الرعاة والرعية واحدا متحدين في رجائهم المشترك في المسيح . AR 468.3
ان طريقة المخلصفي معاملته لبطرس ان فيها درس وتعليم له ولاخوته . فمع انه كان فد انكر سيده فان المحبة التي كان يكنها يسوع له لم تتغير ولم تضعف . وحيث ان الرسول كان يجب عليهان يضطلع بعمل خدمة الكلمة للآخرين فقد كان عليه ان يعامل الخاطئ والمذنب بالصبر والعطف والمحبة الغافرة . فإذ ذكر ضعغه وفشله ،كان عليه ان يعامل الحملان والخراف المسلمة لرعايته بنفس الرقة التي عاملة بها المسيح . AR 468.4
ان الخلائق البشرية المسلمة للشر معرضة لأن تعامل المجربين والمخطئين بغير رفقاو حنان . فهم لايعرفون ما يكنه القلب ولا يعلمون شيئا اعن محارباته وآلامه انهم بحاجة ان يتعلموا شيئا عن التوبيخ الذي تلطفه المحبة والضربة التي تجرح لتشفي والانذارالذي ينطق بالرجاء. AR 469.1
ان بطرس في مدى سني خدمته كان يسهر على الرعية المسلمة لها ليرعاها ، وهكذا برهن انه اهل للعهدة والمسؤولية التي سلمها له المخلص . لقد كان ابدا يمجد يسوع الناصري بوصفه رجاء اسرائيلومخلص بني الانسان . وقد خضع لتدريب الخادم الاعظم ( يسوع المسيح). وبكل وسيلة تحت سلطانه سعى ليدرب المؤمنين على الخدمة النشطة. كان مثاله المقدس ونشاطه الذي لايكل ملهما لكثيرين من الشبان الذي يرجى منهم الخير لتكريس ذواتهم بالتمام لعمل الخدمة . وبمرور الزمن زاد تاثير الرسول كمهذب وقائد، وفي حين انه لم يتخل عن مسؤليته في خدمة اليهود بوجه خاص، فانه مع ذلك اذاع شهادته في بلدان كثيرة وشدد ايمان جمهاير كثيرة من الناس بالانجيل . AR 469.2
وفي اواخر سني خدمته أوحي الى بطرس ان يبعث برسالة الى المؤمنين : «المتغربين من شتات بنتس وغلاطية كندوكية واسيا وبيثنية» ( 1 بطرس 1 : 1 ). وكانت رسالتاه وسيلة لانعاش شجاعة الذين كانوا يحتملون التجارب والالام، وتقوية ايمانهم ، وتجديد الاعمال الصالحةللذين ، كانوا في خطر التخلي عن تمسكهم بالله بسبب التجارب . هاتان الرسالتان تحملان طابعا خاصا وهو ان كاتبهما انسان توافرت فيه آلام المسيح وتعزياته -انسان غيرت النعمة كيانه كله ، وكان رجاءه في الحياة الابدية ثابتا وطيدا . AR 469.3
وفي بداية رسالته الاولى ، قدم خادم الله الشيخ الثناء والحمد والشكر لسيده. فهتف يقول : «مبارك الله ابو رنبا يسوع المسيح ، الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي ، بقيامة يسوع المسيح من الاموات، لميراث لايفنى ولايتدنس ولا يضمحل ، محفوط في السماوات لأجلكم ، انتم الذين بقوة لله محروسون ، بايمان لخلاص مستعد ان يعلن في الزمان الاخير» ( 1 : 3 — 5 ) . AR 470.1
لقد ابتهجالمسيحيون الاولون وتهللوا برجاء هذا الميراث في الارض الجديدة حتى في اوقات التجارب والالام القاسية فكتب بطرس يقول : «الذي به تبتهجون ، مع انكم الان،ان كان يجب ، تحزنون يسيرا بتجارب متنوعة ، لكي تكون تزكية ايمانكم ، وهي اثمن من الذهب الفاني، مع انه يمتحن بالنار ، توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح ، الذي وان لم تروه ..فتبتهجون بفرح لاينطق به ومجيد ، نائلين غاية ايمانكم خلاص النفوس» ( 1 : 6 — 9). AR 470.2
لقد كتبت اقوال الرسول لاجل تعليم المؤمنين في كل عصر . ولها معنى خاص للذين يعيشون في العصر الذي فيه «نهاية كل شيئ قد اقترتبت». ان نصائحه وانذاراته وكلام الايمانوالشجاعة تحتاجها كل نفس تريد ان تحتفظ بإيمانها : «ثابتة الى النهاية» ( عبرانيين 3 : 14). AR 470.3
وقد حاول الرسول ان يعلم المؤمنين مقدار اهمية حفظ العقل والافكار من التيهان والاسترسال في المواضيع المحرمة ، او انفاق قوى العقل في موضوعات تافهة لاطائل تحتها . فالذين لايريدون ان يسقطوا فريسة لمكايد الشيطان ، عليهم ان يحرسوا جيدا مادخل النفس ، وعليهم الابتعاد عن قراءة او رؤية او سماع من من شأنه ان يوحى بأفكار نجسة. وينبغي الا يترك الفكر ليتعمق جزافا في كل موضوع يفترحه عدو النفوس . كما ينبغي اقامة حارس امين على القلب ، والا فالشرور التي من الخارج ستوقظ الشرورو الهاجعة في الداخل وتثيرها فتتلمس النفس طريقها في الظلام. وقد كتب بطرس الرسول يقول :» لذلك منطقو احقاء ذهنكم ثاحين ، فألقوا رجاءكم بالتمام على النعمة التي يؤتي بها اليكم عند استعلان يسوع المسيح .. لاتشاكلو شهواتكم السابقة في جهاتلكم ، بل نظير القدوس الذي دعاكم، كنو انتم ايضا قديسين في كل سيرة، لانه مكتوب كونو قديسين لان انا قدوس» ( 1:13 — 16). AR 470.4
«فسيروا زمان غربتكم بخوف ، عالمين انكم افتديتم لا بأشياء تفنى ، بفضة او ذهب ، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الاباء ، بل بدم كرين ، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح ن معروفا سابقا قبل تاسيس العالم، ولكن قد أظهر في الازمنة الاخيرة من اجلكم ، انتم الذين به تؤمننون بالله الذي اقامهمن الاموات واعطاه مجدا ، حتى ان ايمانكم ورجائكم هما في الله» (1 : 17 — 21). AR 471.1
لو كانت الفضة والذهب كافيين لشراء الخلاص للناس فكم كان يتم ذلك بكل سهولة بواسطة ذاك الذي يقول : «لي الفضلة ولي الذهب» ( حجي 2 : 8). ولكن لم يكن من الممكن قداء الانسان العاصى بغير دم ابن الله الكريم . لقد اعتمدت خطة الخلاص على التضحية . وقد كتب الرسول بولس يقول : «فانكم تعرفون نعمة رنبا يسوع المسحي ، انهناجلكم افتقر وهو غني ، لكي تستغنوا انتم بفقره» ( 2 كورنثوس8 : 9 ). فبذل المسيح نفسه لأجلنا ليفيدنا من كل اثم. وان اعظم واثمن بركات الخلاص هي هذه : «هبة الله فهي حياة ابدية بالمسيح يسوع ربنا» ( رومية 6:23). وقد واصل الرسول بطرس يول: «طهروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الاخوية العديمة الرياء ، فأحبوا بعضكم بعضا من قلب طاهر بشدة» ( 1 : 22). ان كلمة الله الحق هي الوسيلة التي عن طريقها يظهر الرب روحه وقدرته. ان الطاعة للكلمة تمثر ثمرا من النوع المطلوب«للمحبة الاخوية العديمة الرياء» . هذه المحبة هي ولدية السماء وتقود الى البواعث الساميةواعمال الايثار. AR 471.2
عندما يصبح الحق االمبدأ الثابت في الحياة،فالنفس تكون «مولودين ثانية ، لا من زرع يفني ، بل مما لايبفنى ، بكلمة الله الحية الباقية للابد» ( 1 : 23) . هدا الميلادالثاني هو نتيجة قبول المسيح بوصفه كلمة الله.وعندما تنطبع الحقائق الالهية على القلب بالروح القدس ، تستيقظ في النفس أفكار جديدة ، كما تستيقظ القوى التي كانت هاجعة وساكنة من قبل لتتعاون مع الله . AR 472.1
هكذا كانت الحال مع بطرسوزملائه التلاميذ. كان المسيح هو معلن الحق للعالم. وبواسطته زرع الزرع الذي لايفنى —كلمة الله — في قلوب الناس . ولكن كثيرا من اثمن تعاليم المعلم العظيم قيلت لمن لم يفهموها حينئذ. ولكن بعد الصعود ذكر الروح القدس التلاميذ بتعاليم السيد فاستيقظت حواسهم الهاجعة. وقد ابرقت معاني هذه الحقائق في اذهانهم كما لكو كانت اعلاناجديدا ، ووجد الحق الطاهر الاصليمكانا لنفسه. حينئذ صارذلك الاختبار العجيب اختبار حياة المسيح ملكا لهم. وقد شهدت الكلمة بواسطهم ، وهم الذين قد اقامهم ، فأعلنوا الحق العظيم: «والكملة صار جسدا وحل بيننا .. مملوءا نعمة وحقا» «ومن ملئه نحن جميعنا اخذنا ، ونعمة فوق نعمة» ( يوحنا 1: 14 ، 16). AR 472.2
وقد اوصى الرسول المؤمنين بان يدرسوا الكتب المقدسة لأنه بالادراك اللائق لها يمكنهم ان يعملوا عملا اكيدا للأبدية . وقد تحقق بطرس بأنه يوجد في اختبار كل انسان منتصر انتصارا نهائيا بعض مشاهد الحيرة والتجربة ، ولكنه علم ايضا ان فهم كلمة الله يعين الانسان المجرب كي يتذكر المواعيد المعزية والمقوية للايمان بالاله القدير . AR 473.1
وقد اعلنقائلا: «لأن كل جسد كعشب ، وكل مجد انسان كزهر عشب . الشعب يبس زهرة سقط، واما كلمة الرب فتثبت الى اللابد. هذه هي الكلمة التي بشرتم بها. فاطرحوا كل خبث وكل مكر والريائ والحسد وكل مذمةن وكأطفال مولودين الان، اشتهو اللبن العقلي العديمالغش لكي تنمو بهان كنتمقد ذقتم ان الرب صالح » ( 1 : 24 ، 25 ، 2 :1- 3). AR 473.2
ان كثيرين من المؤمينن الذي ارسل بطرس رسالتيه اليهم كانوا يعيشون في وسط الوثنيين وكانت هناك اشياء كثيرة تعتمد على بقائهم امناء لدعوة اعترافهم العليا . ثم ان الرسول نببهمالى امتيارزاتهم بوصفهم تاعبين للمسيح يسوع. فكتب يقول لهم ( واما انتم فجنس مختار ن وكهنوت ملوكي ، امة مقدسة ، شعب اقتناء ، لكي تخبرو بفضائل الذي دعاكم من الظلمة الى نوره العجيب . الذين قبلا لم تكونو شعبا ، واما الآن فانتم شعب الله . الذين كنتم غير مرحومين ، واما الان فمرحومون. AR 473.3
«ايها الاحباء ، اطلب اليكم كغرباء ونزلاء ، ان تمتنعوا عن الشهوات الجسديةالتي تحارب النفس ، وان اتكون سيرتكم بني الامم حسن ة، لكييكونو ، في مايفترون عليكم كفا علي شر ، يمجدون الله في يوم الافتقاد» ( 2 : 9 — 12). AR 473.4
وقد حدد الرسول بوضوح الموقف الذي ينبغي ان يتخذه المؤمنون حيال السلطات المدنية عندما قال : «فاخضعوا لكل ترتيب بشري من اجل الرب ان كان للملك فكمن هو فوق الكل ، أو للولاء فكمرسلين منه للانقتام من فاعلي الشر ، وللمدخ لغاعلي الخير . لأن هكذا هي مشيئة الله ان تفعلو الخير فتسكتوا جهالة الناس الاغبياء. كـأحرار وليسكالذين الحرية عندهم سترة للشر ، بل كعبيد الله اكرموا الجميع . احبوا الاخوة ، خافوا الله اكرموا الملك» ( 2 : 13 — 17). AR 474.1
اما من كانوا خداما فقد نصحهم بأن يظلو خاضعين لسادتهم «بكل هيبة.. ليس للصالحين المترفقين فقط ، بل للعنفاء ايضا»واوضح الرسول قائلا : «لأن هذا فضل ، ان كان احد من اجل ضمير نحو الله ، يحتمل احرزانا متألما بالظلم . لأن ه أي مجد هو ان كنت ن تلطمون مخطئين فتصبرون؟ بل ان كنتم تتألمون عاملين الخير فتصبرون، فهذا فضل عند الله ، لأنكم لهذا دعيتم. فإن المسيح ايضا تألم لأجلنا تاركا انا مثلا لكي تتبعو خطواته , الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فهمه مكر الذياذ شأتم لم يكن يشتم عوضا، وذا تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة ، لكي تموت عن الخطايا فنحيا للبر . الذي بجلدته شفتيم ، لانكم كنتم كخراف ضالة ، لكنكم رجعتم الان الى راعي نفوسكم واسقفها» ( 2 : 18 — 25). AR 474.2
وقد اوصى الرسول النساء المؤمنات ان تكون سيرتهن سيرة العفاف او يكن محتشمات في اللبس والتصرف . وقد نصحهن قائلا: «ولا تكن زينتكن الزينة الخارجية ، من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب ، بل انسان القلب الخفي في العديمة الفساد ، زيتة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن» ( 3 : 3 — 4). AR 474.3
هذا الدرس ينطبق على المؤمنين في كل عصر : «من ثمارهم تعرفونهم» ( متى 7 : 20). ان زينة الروح الهادئ هي كثرة الثمن. وفي حياة السيدة المسيحية بالحق ، تكون الزينة الخارجية متوافقة دائما مع السلام والقداسة القلبييين . وقد قال المسيح : «ان اراد احد ان يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني» ( متى 16: 24) . ان انكار الذاتب والتضحية يميزان حياة المسييحي . وان البرهان على ان الذوق قد تغير وتجدد يرى في ثياب كل من يسيرون في الطريق المرسوم لمفيدي الرب. AR 475.1
من الصواب ان نحب الجمالونشتهيه ، الا ان الله يريدنا اننحب ونطلب أولا الجمال الاسمى ، ذاك الذي لايبلى ولايفنى . لايمكن لأية زينة خارجية ان تضارع في قيمتها او جمالها «زينة الروح الوديع الهادئ» «بزا ابيض ونقيا» ( رؤيا 19 : 14). الذي سيلبسه كل قديسي الارض. هذا الثوب سيجعلهم حسان المنظر ومحبوبين هنا وسكون لهم في حياة الخلود بمثابة جواز دخولهم الى قصر الملك وشارتهم المميزة لهم . إنه بعد قائلا : «فسيمشون معي في ثياب بيض لأنه ممستحقون» ( رؤيا 3: 4 ). AR 475.2
ان الرسول اذ نظر ببصيرته النبوية الى الامام الى الازمنة الصعبة التي كانت كنيسة المسيح مزمعة ان تجوز فيها ، اوصى المؤمنين بالثبات امام التجارب والالآم . فكتب يقول : ( ايها الاحباء ، لاتستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة ، لأجل امتحانكم )( 4 : 12). AR 475.3
ان البلوى هي جزء من التدريب المعطى في مدرسة المسيح لتطهير شعب الله من زغل الارضيات والتعلق بها . فلكون الله هوالذي يقود اولاده فإنهم يمرون باختبارات صعبة . ان البلايا والعوائق هي وسائله التي يستخدمها في تدريبهم والشروط التي عينها للنجاح. فذاك الذي يقرأ خفايا قلوب الناس يعرف ضعفاتهم أفضل مما يعرفون هم انفسهم . انه يرى ان البعض لهم مؤهلات لو وجهت توجيها صحيحا يمكن استخدامها في تقدم عمله ونجاحه. وفي عنايته يأتي بتلك النفوسالى مواقف وظروف مختلفة لكي يكتشفوا النقائص المستورة عن علمهم . وهو يعطيهم فرصة ينتصرون فيها على نقائصهم تلك ويؤهلون انفسهم للخدمة . وفي احيان كثيرة يسمح لنيران التجارب بأن تحرقهم لكي يتطهروا . AR 475.4
ان رعاية الله لميراثه لاتنقطع . وهو لايسمح بوقوع تجربة على أولاده الا اذا كانت جوهرية لأجل خيرهم الزمني والابدي . وهو سيطهر كنيسته كما قد طهر المسيح الهيكل في اثناء خدمته على الارض. وكل مايجلبه على شعبه في الامتحان والتجربة انما يجلبه لكي يحصلوا على تقوى اعمق وقوة اعظم للتقدم بانتصارات الصليب . AR 476.1
لقد جاء وقت في اختبار بطرس عندما نفر وتهرب من مرأى الصليب في عمل المسيح فعندمااعلم المخلصالتلاميذ بآلامه القادمة وموته ، صاح بطرس قائلا: «حاشاك يارب لا يكون لك هذا» ( متى 16 : 22). ان اشفاق بطرس على نفسه الذي جعله يحجم عن مشاركة المسيح في آلامه ، استفزه فنطق بهذا الاحتجاج. كان هذا درسا مرا وقاسيا لهذا التلميذ، درسا تعلمه ببطء، وهو ان طريق املسيح على الارض كان يمر في وسط الآلام والاتضاع . ولكن في حرارة نار الآتون كان عليه ان يتعلم الدرس. ثم عندما انحنى جسمه، الذي كان قبلا نشطا ، تحت اثقال السنين والمتاعب امكنه ان يكتب قائلا: «ايها الاحباء، لاتستغربوا البلوى المحرقةالتي بينكم حادثة، لأجل امتحانكم ، كأنه اصابكم امر غريب ، بل كم اشتركتم في آلام المسيح ، افرحوا لكي تفرحوا فس استعلان مجده ايضا مبتهجين» ( 4 : 12 ، 13). AR 476.2
وفي خطابه الذي وجهه الى شيوخ الكنيسة بخصوص مسؤولياتهم كرعاة يعملون تحت اشراف الراعي الاعظم لقطيع المسيح ، كتب الرسول يقول لهم «ارعوا رعية الله التي بينكم نظارا ، لا عن اضطرار بل بالاختيار ، ولا لربح قبيح بل بنشاطن و لا كمن يسود على الانصبة، بل صائرين امثلة للرعية . ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون اكليل المجد الذي لايبلى» ( 5 : 2 — 4). AR 476.3
والذين يشغلون مراكز الرعاة المساعدين للراعي الاعظم عليهم ان يمارسوا اجتهادا يقظ على قطيع الرب . ويبنغي الا يكون هذا سهرا استبداديابل سهرا يؤول الى التشجيع والتقوية واقامة الساقطين. ان الخدمة تعني شيئا اكثر من تقديم العظات ، فهي تعني الخدمة الشخصية الجادة . ان الكنيسة على الارضمكونة من رجال ونساء مخطئين يحتاجون الى بذل جهد صبور دقيقلكي يتربوابل يتدربوا على العمل المقبولفي هذه الحياة ، وفي الحياة العتيدة يكللون بالمجد والخلود . توجد حاجة الى رعاة —رعاة امناء — لايتزلفون او يتملقون شعب الله ولايعاملونهم بقسوة او فظاظة ، بل يغذون الرعية بخبز الحياة- الى رجال يشعرون في حياتهم اليومية بقوة الروح القدس المجددة ،وقلوبهم عامرة بمحبة قوية غير أنانية نحو من يخدمونهم. AR 477.1
يوجد عمل دقيق ليقوم به الراعي الذي يعمل تحت اشرافالمسيح عندما يدعى لمواجهة الفرقة والمرارة والغيرة والحسد في الكنيسة، وعليه ان يخدم بروح المسحي المسيح لينظم كل شيئ. ينبغي تقديم الانذارات الامينة ، كما يجب توبيخ الخطاياواصلاح الاخطاء والمظالم، ليس فقط بواسطة خدمة الخادم من على المنبر ، بل عن طريق العمل الفردي. قد يعترض القلب الضالعلى الرسالة، وقد ينتقد خادم الله ويخطئ الناس في حكمهم عليه. اذن فليذكر حينئذ ان «الحكمة التي من فوق فهي اولا طاهرة ، ثم مسالمة ، مترقفقة مذعنة ، مملوة رحمةواثمارا صالحة ، عديمة الريب والرياء وثمر البر يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام» ( يعقوب 3 : 17 ، 18). AR 477.2
ان عمل خادم الانجيل هو ان«ينير الجميع في ماهو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله» (افسس 3:9). فاذا دخل الانسان الى هذه الخدمه واختار اقل جزء يتطلب تضحيق الذات ويقنع بالكرازة ويترك خدمة العمل الفردي لشخص اخر فإن خدماته لن تكون مقبوله لدى الله فالنفوس الت قدمات المسيح لاجلها تهلك لعدم وجود عمل فردي موجه توجيها صالحا وذاك الذي اذا يدخل الخدمه يرفض القيام بالعمل الفردي الذي تتطلبه رعايه القطيع يكون قد اخطأ في فهم دعوته. AR 478.1
ان روح الراعي الامين هي روح نسيان الذات.انه يغفل الذات حتى يمكنه ان يعمل اعمال الله.وبواسطة الكرازه بالكلمه والعمل الفردي في بيوت الشعب يطلع على حاجياتهم واحزانهم وتجاربهم, واذا يتعاون مع حامل الاثقال الاعظم , يشاطرهم في تجاربهم والامهم ومسراتهم وكروبهم ويغيث ارواحهم الجائعة ويربح قلوبهم الله . وفي هذا العمل يحظى الخادم بصحبة المائكه ,وهو نفس يتعلم ويستنير في الحق الذي يحكم للخلاص. AR 478.2
وفيما يختص بتعليمه لمن يشغلون وظائف ذات مسؤوليه في الكنيسة ,لخص الرسول بعض المبادئ العامة التى كان يجب ان يسير عليها الذين كانوا مرتبطين بشركة الكنيسه.فلقد حث جماعة الشباب في الرعيه ان يتمثلون بالشيوخ في وداعة كوداعة المسيح.فقال لهم «كذالك ايها الاحداث ,اخضعوا للشيوخ ,وكونوا جميعا خاضعين بعضكم لبعض ,وتسربلو بالتواضع,لان, «الله يقاوم المستكبرين ,واما المتواضعيون فيعطيهم نعمه .فتواضعوا تحت يد الله القويه لكي يرفعكم في حينه,ملقين كل همكم عليه,لانه هو يعتني بكم .اصحوا واسهروا .لان ابليس خصمكم كاسد زائر ,يجول ملتمسا من يبتلعه هو فقاوموه ,راسخين في الايمان» (5 : 5 — 9 ). AR 478.3
هذا ماكتبه بطرس للمؤمنين في وقت وقوع تجارب متميزة على الكنيسه .كان كثيرون قد صاروا شركاء المسيح في الامه , وبعد قليل كانت الكنيسه مزمعه ان تمر في فتره اضطهاد مخيف . وفي مدى سنين قليله كان كثيرون فالذئاب الخاطفه كانت مزمعه ان تدخل الكنيسه فلا تبقى على القطيع . ولكن لا شئ من هذا الكوارث كان كفيلا بانيخيف او يثبط همة اولئك الذين قد ثبت رجاؤهم في المسيح . ان الرسول بطرس باقواله الالام المستقبله الى:«لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل». وقد صلى بكل حرارة قائلاً: «واله كل نعمه الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع بعدما تالمتم يسيرا ,هو يكملكم ,ويثبتكم ,ويقويكم ,له المجد والسلطان والى ابد الابدين. امين» (5 : 10 , 11 ). AR 479.1