أعما لالرُّسل
الفصل الثلاثون
مدعوون لبلوغ مقياس اسمى
(يعتمد هذاالفصل على ماورد في الرسالة الاولى الة اهل كورنثوس )
ان بولس لكي يطبع اذهان مؤمني كورنثوس بكل وضوح اهمية ضبط النفس والاعتدال او التعفف التام والغيرة التي لاتضعف في خدمة المسيحن أورد مقارنة مدهشة في رسالته اليهم بين الحرب المسيحية والمباريات المشهورة التي كانت تقام في فترات مقررة بالقرب من كورنثوس . فمن بين كل المباريات التي كان يحتفل بها اليونانيون والرومان كانت مسابقات الجري التي هي اقدم المباريات وأعظمها اعتبارا . وكان يحضرها الملوك والنبلاء والساسة . وكانالشباب من ذوي المقامات الرفيعة والثروات الضخمة يشتركون فيها ولا يتراجعون امام أي مسعى او تدريب في سبيل الظفر بالجعالة ( الجائزة) . AR 277.1
كانت المباريات تخضع لقوانين مشددة لامفرة منها . والذين كانوا يرغبون ان تدرج اسماؤهم في قائمة المتسابقين للحصول على الجعالة ، كان عليهم أولا ان يتحملوا تدريبا تمهيديا صارما . فالافراط في النهم المضر بالصحة او أي نوع اخر من انواع الملذات من شأنه ان يقلل من النشاط العقلي او البدنيكان ممنوعا منعا باتا . فإذا رغب أي انسان في النجاح في اختباراته القوة والسرعة هذه ينبغي ان تكون عضلاته قوية ولينة وان تكون اعصابه تحت سيطرته. فكل حركة يجب ان تكون ثابتة وكل خطور سريعة في غير تردد، والقوى الجسمانية يجب ان تكون في افضل حالاتها. AR 277.2
وعندما كان المتسابقون يقفون في عرض اما الجمهور المنتظر كان المنادي ينادي بأسمائهم وكانت قوانين السباق تشرح ليعرفها الجميع. وحينئذ كانوا جميعهم ينطلقون معا وكانت نظرات المتفرجين المثبتة فيهم تلهمهم بالعزم على الفوز . وكان القضاة يجلوس بالقرب من نهاية السباق او الهدف كي يراقبوا السابق من بدئه الى نهايته ويقدموا الجعالة للفائز الحقيقي . واذا وصل احدهم الى الهدف قبل غيره عن طريق الانتفاع بميزة غير مشروعة ، لم يكن يحكم له بالجعالة . AR 278.1
كان البعض في هذه المباريات يقدمو على مخاطرات عظيمة .وبعض منهم لم يشفوا قط من الاجهاد الجسماني .ولم يكن من غير المألوف ان يسقط احد العدائين على ارض الملعب والدم يسيل من فمه وانفه.، واحيانا كان احد المتسابقين يسقط متيا وهو على وشط الظفر بالجعالة , الا ان امكانية موت المتنافس يسقط ميتا وهو على وشط الظفر بالجعالة . الا ان امكانية موت المتنافس او اصابته بعطل او بعاهة تلازمه مدى الحياة، لم تكن تعتبر مخاطرة اعظم من ان يقدم الانسان عليها سعيا وراء الكرامة التي تمنح للمتسابق الفائز.وعندما كان الفائز يصل الى الهدف كان تصفيق جماهير المتفرجين يشق عنان السماء فتردد صداه التلال والجبارة المجاورة . وامام جماهيرالمتفرجين يقدم الحكم شارات الفوز والانتصار للفائز — وهي اكليل من الغار وغضن من سعف النحل ليحمله في يمناه . وكان الناس يتغنون بمدحه في انحاء البلاد، وكان ابواه يظفران بنصيبهما من الاحترام والكرامة، وحتى المدينة التي يعيش فيها كانت تكرم لأنها قد اخرجت للعالم مثل ذلك الرياضي العظيم. AR 278.2
إن بولس وهو يشير الى هذه المباريات على انها رمز اللحرب المسيحة، اكد وجوب االاستعداد االازم لنجاح المتسابقين في الميدان ، كالتدريبات التمهيدية والاعتدال في الاكل وضرورة ضبط النفس . فقد اعلن قائلا : «وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيئ .» ( 1 كورنثوس9 : 25). كان الراكضون يطرحون عنهم كل مامن شأنه ان يضعف قواهم البدنية، وكانوا بالتدريبات الصارمة الطويلة يمرنون عضلاتهم على القوة والاحتمال حتى اذا ماجاء يوم المباراة امكنهم ان يجهدوا قواهم الى اقصى حد. فكم وكم يجدر بالمسيحي الذي تتعرض مصالحه الابدية للخطر ان يخضع النهم والشهوات للعقل وارادة الله . لايجوز له مطلقا ان يحول انتباهه ليلتهي بالتسليات او الترفف او الراحة . ينبغيان تخضع كل عاداتهوشهواته للتدريب الصارم . فالعقل المستنير بتعاليم كلمة الله والمسترشد بروحه ، ينبغي له ان يمسك بعنان النفس. AR 279.1
وبعدما يتم هذا فعلى المسيحي ان يبذل قصاراه لكي يحرز النصرة . في المبارات التي كانت تقام في كورنثوس كان يبذل مجهود مضن في آخر جزء من الشوط الـأخيرالى حد العذاب ، فكان المتبارون يستجمعون أطراف قوتهم المجهدة كي لايخففوا من سرعتهم فيخسروا المباراة. وكذلك المسيحي وهو يقترب من الهدف ، يسرع بكل قوته الى الامام بغيرة وعزم اكثر مما كان له في بدء السباق . AR 279.2
ان بولس يورد هنا الفرق بين اكليل الغار(الفخر) الذي يذبلويفنى الذي يحصل عليه المنتصر في مباراة السابق ، وبين اكليل المجد الذي لايفنى والذي يعطى لمن ينتصر في السباق المسحي . فهو يعلن قائلا : «اما أولئك فلكي يأخذوا اكليلايفنى ، واما نحن فاكليلا لايفنى» ( 1 كورنثوس 9 : 25).فلكي يحصل العداؤون اليونانيون على اكليل يفنى ، لم يعفوا انفسهم من أي تعب او تدريب مهما كان قاسيا ، اما نحن فنجاهد للحصول على اكليل اثمن من ذلك بكثير ، أي اكليل الحياة الأبدية . فكم وكم يجبعلينا ان نجاهد بكل اهتمام وحرص ، وكم وكم يجب علينا ان نقدم على التضحية وانكار الذات بكل رضى وقبول . AR 279.3
في الرساللة الى العبرانيين توجد اشارة الى غرض القللب الموحد الذي ينبغي ان يمتاز به سباق المسيحي الى الحياة الابدية . فيقول الرسول : «لنطرح كل ثقل ، والخطية المحيطة بنا بسهولة ، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا ناظرين الى رئيس الإيمان ومكمله يسوع» ( عبرانيين 12 : 1 ، 2). ان الحسد والخبث والافكار الشريرة والكلام البطال والطمع — هذه كلها اثقاليجب على المسيحيان يطرحها عنه إذا أراد الفوز في سباقه نحو الخلود . فكل عادة او عمل يوقعنا في الخطية ويجلب العار على اسم المسيح ينبغي لنا ان نطرحه عنا مهما بلغت التضحية. ان بركة السماء لايمكن ان تحل على إنسان ينتهك مبادئ الحق الأبدية. إن خطية واحدة نحتضنها كافية لأن تسبب انحطاطا في الخلق وتضل الآخرين. AR 280.1
قال المخلص : «وان اعثرتك يدك فاقطعها ، خير ل كان تدخل الحياة اقطع من ان تكون لك يدان وتمضي الى جهنم، الى النار التي لاتطفأ . وإن اعثرتك رجلها فاقطعها . خير ل كان تدخل الحياة اعرج من ان تكون لك رجلان وتطرح في جهنم» ( مرقس9 : 43 ، 45). فإذا كان لابد من بتر الرجال او اليد لكي ينجو الجسم من الموت ، او حتى تقلع العين، فكم وكم يجب ان يكون المسيحي غيورا في طرح الخطية بعيدا عنه لأنهاتهلك النفس. AR 280.2
ان المتبارين في حفلات الالعاب قديما لم يكونوا واثقين من الانتصار حتى بعدما يتحملون آلام إنكار الذات والتدريب القاسي . فلقد سأل بولس قائلا ك «الستم تعلمون ان الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون، ولكن واحديأخذ الجعالة ؟» ( 1 كورنثوس 9 : 24). فمهما كان مقدار شوق المتبارين وغيرتهم في سبيل الانتصار عظيما فالجعالة التعطى الا لواحد فقط . يد واحدة فقط هي التي تنال اكيلي الفحر الذي يشتهيه الجميع . قد يبذل العض اقصى جهودهم للحصول على الجعالة ، ولكن اذ يمدون أيديهم يأخذوها ، يأتي آخر قبلهم بلحظة واحدة ويأخذ الجعالة المبتغاة. AR 280.3
ولكن هذا لاينطبق على الحرب المسيحية . فإنه ولا واحد ممن يمتثلون للشروط يمكن ان يخيب في نهاية السابق. ولايمكن لمن هو غيور ومثابر ان يخيب او ينهزم . فالسعيليس للخفيف ولا الحرب للأقوياء. فأضعف قديس كأقوى قديس يمكنه ان يلبس اكليل المجد. فكل أولئك الذين بواسطة قوة النعمة الالهية يجعلون جياتهم على وفاق مع ارادة المسيح يمكنهم ان يفوزا . ففي كل تفاصيل الحياة نجد ان العمل بالمبادئ المدونة في كلمة الله ، غالبا مانيظر اليه على انه عديم الاهمية — ومسألة اتفه من ان تسترعي الالتفات. ولكن بالنظر الى المسألة المستهدفة للخطر، لايعتبر شيئ صغيرا سواء اكان للمساعدة او للتعطيل . فكل عمل يضع ثقلا في الكفة يقرر نصرة الحياة او هزيمتها . والجعالة التي تعطى للفائزين ستكون بنسبة النشاط والغيرة اللذين جاهدوا بهما . AR 281.1
وقد شبه الرسول نفسه بإنسان يركض في سباق وهو يجهد كل قواه في سبيل الظفر بالجعالة فقال : «اذا انا اركض هكذا كأنه ليس عن غير يقين . هكذا اضارب كاني لاأضرب الهواء . بل اقمع جسدي واستعبده ، حتى بعد ما كرزت للآخرين لاأصير انا نفسي مرفوضا» ( 1 كورنثوس 9 : 26 ، 27). فحتى لايركض عن غير يقين او بالصدفة في السباق المسيحي استعبد بولس نفسه لتدريب صارم . ان القول: «اقمع جسدي» يعني حرفيا «يضرب بالتدريب القاسي الرغائب والنوازع والشهوات». AR 281.2
كان بولس يخشى ان يصير هو نفسه مرفوضا بعدما كرز للآخرين. لقد تحقق من انه اذا لم ينقذ في حياته المبادئ التي اعتنقها وكرز بها فإنخدماته لأجل الاخرين لن تفيده بشيئ. فسيرته وتأثيره ورفضه ان يخضع لإرضاء الذات ، لابد ان تبرهن على ان ديانته ليست مجرد اعتراف امسي ولكنها اتصال حي بالله في كل يوم . لقد وضع نصب عيينيه دائما هداف واحدا وجاهد بكل غيرة في الوصل . اليه «البر الذي من الله بالايمان» ( فيلبي 3 : 9). AR 282.1
وقد عرف بولس ان حربه ضد الشر لن تنتهي طالما بقيت الحياة . كان متحققا دائمامن حاجته الى السهر الدقيق على النفسه حتى لاتطغى رغائبه الدنيوية على غيرته الروحية. فظل بكل قوته مجاهدا ضد ميوله الطبيعية . وقد وضع امامه دائما المثل الاعلىالذي اراد الوصول اليه ، وحاول بلوغ هذا المثالبالطاعة الاختيارية لشريعة الله . فأقواله وأعماله وعواطفه ، اخضعت كلها لروح الله . AR 282.2
إن غرض القلب الاوحد هذا لربح الجنس البشري لليحاة الابدية ، هو الذي كانو يصبوا بولس ان يراه ظاهرا في حياة مؤمني كورنثوس . لقد عرف انه لكي يصلوا الى مقياس المسيح، كانت امامهم حياة صراع لاهوادة فيها .فتوسل اليهم ان يجاهدوا جهادا صحيحا وان يطلوا في كل يوم التقوى والتفوق الاخلاقي . وتوسل اليهم ايضا ان يطرحوا كل ثقل ويتقدموا الى الامام هدف الكمال في المسيح . AR 282.3
ثم وجه بولس انتباه اهل كورنثوس الى اختبارات اسرائيلقديما ،والى البركات التي كوفئت بها طاعتهم، والاحكام الرادعة التي تبعث عصيانهم. ثم ذكرهم بالطريقة العجيبة التي بها خرج العبرانيون من ارض مصر تحت حماية عمود السحاب في النهار وعمود النار في الليل . وهكذا عبروا في البحر الاحمر بسلام، بينمالما شرع المصريون في العبور مثلهم غرضوا جميعا . وبهذه الاعمال اعترف الله ان بنى اسرائيلهم كنيسته : «وجميعهم أكلوا طعاما واحدا روحيا ، وجميعهم شربوا شرابا واحدا روحيا ، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تباعتهم ، والصخرة كانت المسيح» ( 1 كورنثوس 10 : 3 ،4) في كل رحلات العبرانيين كان المسيح قائدا ومرشدا لهم . كان الصخرة المضروبة ترمز الى المسحي الذي كان مزمعا ان يجرح لأجل معاصي الناس حتى يفيض ينبوع الخلاص للجميع . AR 282.4
ولكن برغم الاحسانات التي أجزلهاالله على العبرانيين فإنهم بسبب اشتهائهم للترف الذي تركوه في مصر وبسبب خطيتهم وتمردهم انصبت عليهم احكام الله . وقد اوصى الرسول مؤمني كورنثوس ان يتلفتواالى الدرس المتضمن في اختبار اسرائيل، اذ اعلن قائلا : «وهذه الامورحدثت مثالا لنا، حتى لانكون نحن مشتهين شرورا كما اشتهى أولئك» ( 1 كورنثوس 10 : 6). وقد أبان لهم كيف ان محبة الراحة والملذات افسحت المجال للخطاياالتي استطمرت انتقام الله الرهب عليهم. فعندما جلس بنو اسرائيلللاكل والشرب ثم قاموا للعب ، طرخوا عنهم مخافة الله التي كانوا يسحون بها وهم يضغون الى الشريعة حين بلغت لهم ن واذ صنوعوا عجلا من ذهب كي يمثلوا به الله ، خروا له وعبدوه . وبعد ان انعمسو في ترف العيد المرتبط بعبادة بعل فعور ، سقط كثيرون من بني اسرائيل بسبب الخلاعة. وقد ثا رغضب الله فبأمره مات بالوبأ من الشعب «ثلاثة وعشرون الف» في يوم واحد ( 1 كورنثونس 10 : 8 ). AR 283.1
وقد ناشد الرسول اهل كورنثوس بقوله : «من يظن انه قائم، فلينظر ان لايسقط» ( عدد 12). فلو انهم صاروا متفاخرين وواثقين في انفسهم واهلموا السهر والصلاة فسيسقطون في خطايا شنيعة ويستمطرون على انفسهم غضب الله . ومع ذلك فن بولس لم يكن يريدهم ان يستسلموا لليأس او الخوف . فلقد قدم لهم هذا التأكيد : «ولكن الله امين الذي لايدعكم تجربون فوق ما تستطيعو ن، بل سيجعل مع التجربة ايضاالمنفذ ، لتستيطعوا ان تحتملوا» ( 1 كورنثوس 10 : 13). AR 283.2
وقد ألح بولس على اخوته ان يسألوا انفسهم عن تأثير اقوالهم وأفعالهم على الآخرين وألا يفعلوا شيئا ، مهما كان بريئا في خد ذاته ، يبدوا انه يجيز عبادة الاوثان ، او يعثر شكوك اولئك الذين يمكن ان يكونوا ضعفاء في الايمان . فيقول «فإذاكنتم تاكلون او تشربون او تفعلون شيئا ، فافعلوا كل شيئ لمجد الله . كونوا بلا عثرة لليهود ولليونانيين ولكنيسة الله» ( 1 كورنثوس 10 : 31 ، 32). AR 284.1
إن إنذارات الرسول الموجهة الى اهل كورنثوس تنطبق على كل عصر ، وتنطق على عصرنا الحاضر بوجه خاص . وهم لميقصد بالوثنية مجرد السجود للاوثان بل ايضا خدمة الذات وحب الراحة واشباع النهم والشهوات . ان مجرد الاعتراف بالمسيح، والتفاخر بمعرفة الحق لايجعل الانسان مسيحيا . ان الدين الذي يحاول فقط ان يشبع ويبهج العين والاذن والذوق او يجيز الانغماس في الملذات ليس هو دين المسيح . AR 284.2
وبمقارنة الكنيسة بجد بشري صور الرسول بمهارة ، الصلة الوثيقة التي ينبغي ان يتوجد بين كل اعضاء كنيسة االمسيح . فكتب يقول : «لأننا جميعا بروح واحد ايضا اعتمدنا الى جسد واحد ، يهودا كنا ام يونانيين ، عبيدا ام احرار ، وجميعنا سقينا روحا واحدا. فإن الجسد ايضاليس عضوا واحدا بل اعضاء كثيرة . ان قالت الرجل لأني لست يدا ، لست من الجسد . أفلم تكن لذلك من الجسد ؟» وان قالت الاذن : «لأني لست عينا ، لست من الجسد». افلم تكن لذلك من الجسد ؟ لو كان كل الجسد عينا ، فأين السمع؟ لو كان لكل سمعا ، فأين الشم ؟ وأما الآن فقد وضع اللهالأعضاء ، كل واحد منها في الجسد ، كما اراد . ولكن لو كان جميعها عضوا واحدا ، اين الجسد ؟ فالآن اعضاء كثيرة ولكن جسد واحد . لاتقدر العين ان تقول لليد لاحاجة لي اليك . او الرأسايضا للرجلين : «لاحاجة لي اليكما ... لكن الله مزج الجسد ، معطيا الناقص كرامة افضل ، لكي لايكون انشقاق في الجسد ، بل تهتم الاعضاء واحدا بعضها لبعض .فإن كان عضو واحد يتألم، فجميع الاعضاء تتألم معه . وان كان عضو واحد يكرم . فجميع الاعضاء تفرح معه. وأما أنتم فجسد المسيح ، وأعضاؤه أفرادا» ( 1 كورنثوس 12 :13 — 21 ، 24 — 27). AR 284.3
ثم بكلمات كانت ولاتزال منذذلك اليوم إلى يومنا هذا نبعا . للإلهام والتشجيع للرجال والنساء ، أظهر بولس أهمية تلك المحبة التي ينبغي ان يحتضنها اتباع المسيح ، فقال : «ان كنت اتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة ، فقد صرت نحاسا يظن او صنجا يرن. وإن كانت لي نبوة، واعلم جميع الاسرار وكل علم ، وان كان لي كل الايمان حتى انقل الجبال ، ولكن ليس لي محبة ، فلست شيئا . وإن اطعمت كل أموالي ، وان سلمت جسدي حتى احترق ، ولكن ليس في محبة ، فلا أنتفع شيئا» ( 1 كورنثوس 13 : 1- 3). AR 285.1
مهما كان مقدار سمو الاعتراف فمن لم يكن قلبه مفعما بالمحبة لله ولبني جسنه ليس تلميذا حقيقيا للمسيح . فحتى لو كان عنده إيمان عظيم وقوة حتى على صنع المعجزات فبدون المحبة يمسي ايمانه عديم القيمة . وقد يظهر سخاء عظيما ، ولكن لو انه قدم كل أمواله ليطعم الفقراء وهو مدفوع إلى ذلك بدافع آخلا غير دافع المحبة الخالصة، فإن عمله هذا لايجعل له حظوة في نظر الله . وفي غيره قد يموت شهيدا ومع هذا فإذا لم يكن مدفوعا الى ذلك بدافع المحبة فقد يعتبره الله متعصبامخدوعا او مرائيا طموحا . AR 285.2
«المحبة تتأنى وترفق . المحبة لاتحسد . المحبة لاتتفاخر ، ولاتفنتفخ» إن أعظم فرح ينبع من أعمق اتضاع وتواضع وتذلل . واقوى الصفات وانبل الاخلاق تبنى على اساس الصبر والمحبة والخضوع لإرادة الله . AR 286.1
«المحبة . .. لاتقبح، ولاتطلب مالنفسها ، ولاتحدد ، ولاتظن السوء» ( عدد 5) نا المحبة الشبيهة بمحبة المسيحتأول بواعث الناس وأفعالهم اجمل تأويل . انها لاتفضح اخطائهم بغير داع ، ولاتصغي بلهفة الى الاخبار غير المستحبة بل تطلب بالاحرى ان تفكر في صفات الآخرينالصالحة . AR 286.2
والمحبة : «لاتفرح بالاثم بل تفرح بالحق ، وتحتمل كل شيئ ، وتصدق كل شيئ ، وترجوا كل شيئ ، وتصبر على كل شيئ»هذه المحبة ( لاتسقط ابدا» (عدد 6- 8).، ولايمكن ان تفقد قيمتها فهي صفة سماوية . وككنز ثمين سيحملها مالكها الى داخل ابواب مدينة الله . AR 286.3
«أما الان فيثب : الايمان والرجاء والمحبة ، هذه الثلاثة ولكن اعظمهن المحبة» ( عدد 13) ومع انخفاض المقياس الاخلاقي بين مؤمني كورنثوس ، وجد جماعة نفضوا ايديهم من بعض الصفات الاساسية لايمانهم. فالبعض وصل بهم الامر الى انكار عقيدة القيامة . قود واجه بولس هذه الضلالة بشهادة صريحة خاصة بالبراهينالتي لاتخطئ عن قيامة المسيح. فقد اعلن ان المسيح بعد موته «قام في اليوم الثالث حسب الكتب» ، وبعد ذلك «ظهر لصفا ثم للاثني عشر . وبعد ذلك ظهر دفعلة واحدة لأكثر من خمسمئة أخ ، اكثرهم باق الى الآن . ولكن بعضهم قد رقدوا . وبعد ذلك ظهر ليعقوب، ثمللرسل اجمعين . وآخر الكل .. ظهر لي أنا» ( 1 كورنثوس 15 : 4 — 8). AR 286.4
ان الرسول قد اثبت حقيقة القيامة العظيمة بوقة اقناع كبيرة. فتحاج معهم قائلا : «فإن لن تكن قيامة اموات فلا يكون المسيح قد قام . وان لم يكن المسيح قد قام ، فباطلة كرازتنا وباطل ايضا ايمانكم ، ونوجد نحن ايضا شهود زور لله ، لأننا شهدنا من جهة الله ان اقام المسيح وهو لم يقمه ، ان كان الموتى لايقومون . لأنه ان كان الموتى لايقومون، فلايكون المسيح قد قام . وان لم يكن المسيح قد قام ، فباطل ايمانهكم . انتم بعد في خطاياكم اذا الذين رقدوا في المسيح ايضا هلكوا . ان كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح.، فإننا اشقى جميع الناس. ولكن الآن قد قام المسيح من الاموات وصار باكورة الراقدين» ( عدد 13 — 20). AR 287.1
وقد حمل الرسول عقول الاخوة في كورنثوس الى الامام الى نصرات صباح القيامة عندما يقوم القديسيين الاموات ليكونوا الى الابد مع الرب. وقد اعلن الرسول قائلا : «هوذا سرا أقوله لكم : لانرقد كلنا ، ولكننا كلنا نتغير ، في لحظة في طرفة عين ، عند البوق الأخير . فإنه سييبوق ، فيقام الاموات عديمي فساد ، ونحن نتغير . لأن هذا الفاسدلابد ان يلبس عدم فساد ، ولبس هذا المائت عدم موت ، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت الى غلبة. اين شوكتك ياموت ، أين غلبتك ياهاوية؟ ولكن شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح» ( عدد 51 — 57). AR 287.2
مجيدة هي النصرة التي تنتظر الامناء . ان الرسول وهو متحقق من الامكانيات التي أمام مؤمني كورنثوس ، حاول ان يضع أمامهم الاشياءالتي تسموا بهم عن الانانية والشهوانية وتمجد الحياة برجاء الخلود. وبكل غيرة وعظهم كي يكونوا امناء لدعوتهم العيا في المسيح . فناشدهم قائلا : «إذا يا اخواتي الاحباء ، كونو راسخين ، غير متزعزعين، مكثيرين في عمل الرب كل حين ، عالمين ان تعبكم ليس باطلا في الرب» ( عدد 58). AR 287.3
وهكذا حاول ارسول جاهد بطريقة صريحة مؤثرة جدا ، اصلاح الاراء والممارسات الخطرة المغلوطة التي كانت متفشية في كنيسة كورنثوس . لقد خاطبهم بكل صراحة وفي نفس الوقت بمحبة لنفوسهم. ففي انذاراته وتوبيخاته كان نور يضيئ عليهم من عرش الله ليكشف عن الخطايا المستترة التي كانت تنجس حياتهم . فكيف ياترى سيتقبلون تلك النصائح والانذارات ؟ AR 288.1
بعدما ارسل اليهم بولس هذه الرسالة خشي انتسبب نصائحه وتوخاته تلك جرحا عميقا للذين قصد ان يفيدهم . وكان يخاف خويا هعظيما ن تسبب رسالته لهم نفورا واحيانا كان يتوق الى سحب كلامه . ان الذين يشبهون الرسول في الشعور بالمسؤولية تجاه الكنائس او المؤسسات المحبوبة، يمكنهم ان يقدروا افضل تقديرحزن روحه وتأنيه لنفسه . ان خدام الله يحملون عبء عمله الان يعرفون شيئا من اختبار التعب والحرب والمهم المضني نفسه الذي كان من نصيب الرسولالعظيم. فإذا كان مثقلا بعبء الانقسامات في اكلنيسة ومواجهة نكران الجميل ن وخيانة بعض من كان ينتظر منهم العطف والعون .، واذ كان متحققا من المخاطر المحدقة بالكنائس التي كنات تتستر على الاثم ، ولمتزما بأن يقدم شهادة امينة وفاخصة في توبيخ الخطية ، كان في نفس الوقت منحني النفسبسبب خوفه من ان يكون قد افرص في قسوته وفي معاملته لهم . فبجزع وارتعاد كان ينتظر ان تصله اخبار عن كيفي ةتقبلهم لرسالته . AR 288.2