أعما لالرُّسل

27/59

الفصل السادس والعشرون

ابولس في كورنثوس

(يعتمد هذا الفصل على ماجاء في اعمال 18 : 18 - 28)

بعدما غادر بولس كورنثوس كان حقل عمله الجديد في مدينة افسس . كان في طريقه الى اورشليم للاحتفاء بعد قادم ، ولذلك كانت فترة بقائه في افسس قصيرة بالضرورة. واذ كان يحاج اليهود في المجمع ، كان وقع كلامه في نفوسهم محببا حتى انهم توسلوا اليه كي يواصلخدماته بينهم. الا ان خطته لزيارة اورشليم منعته من البقاء هناك حينئذ، ولكنه وعد بالعودة اليهم «ان شاء الله» ( عدد 21). كان اكيلا وبريسكلا قد رافقاه الى افسس، فتركهما هناك ليواصلا العمل الذي كان قد بدأه. AR 239.1

في هذا الوقت حدث ان «اقبل الى افسس يهودي اسمه ابلوس ، اسكندري الجنس ، رجل فصيح مقتدر في الكتب» ( عدد 24). كان قد سمع وعظ يوحنا المعمدان وقبل معمودية التوبة . وكان شاهداحيا على ان عمل النبي لم يكن عبثا . والكتاب يقول عن ابلوس انه كان «خبيرا في طريق الرب. وكان وهو حار بالروح يتكلم ويعلم بتدقيق مايختص بالرب . عارفامعمودية يوحنا فقط» ( عدد 25). AR 239.2

وإذ كان أبلوس في أفسس «وَابْتَدَأَ هذَا يُجاهرُ في الْمجْمَع» وكان بين سامعيه أكيلا وبريسكلا, اللذان إذ لاحظا أنه لم يكن قد حصل على نور الاِنجيل كاملاً، «أَخَذَاهُ إِلَيُهمَا، وَشَرَحاً لَهُ طَريقَ الرَّب بِأَكْثَرِ تَدْقيِق» (عد 26). وبواسطة تعليمهما فهم الكتب المقدسة فهما أوضح، وصار من أقدر الَمدافعين عن الإَيمان المسيحي. AR 240.1

وإذ كان أبولس يرغب في الذهاب الى اخائية ، فقد «كتب الاخوة» الذين فيافسس «الى التلاميذ يحضونهم ان يقبلوه» كمعلمعلى وفاق تام مع كنيسة المسيح . فذهب الى كورنثوس ، حيث في خدماته العامة ومن بيت الى بيت «كان باشتداد يفحم اليهود .. مبينا بالكتب ان يسوعهو المسيح» ( عدد27 ، 28). لقد غرس بولس بذار الحق وهاهو ابلوس الان يسقي ان النجاح الذي لازم ابلوس في الكرازة بالانجيل حفز بعض المؤمنين الى ان يمجدوا خدماته اكثر من خدمات بولس . وهذه المقارنة بين انسان وآخر اقحمت على الكنيسة روح التحزب التي هددت بعرقلة تقدم الانجيل الى حد كبير . AR 240.2

في خلال السنة والنصف التي قضاهابولس في كورنثوس ، قصد ان يقدم الانجيل في بساطته . فهو لم يأت الى اهل كورنثوس «بسموا الكلام او الحكمة»، بل في خوف ورعدة ، ونادى لهم «بشهادة الله» «ببرهان الروح والقوة»، لكي «لكي لايكون ايمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله» ( 1 كورنثوس2 : 1، 4، 5). AR 240.3

ا حتاج بولس ان يوفق بالضرورة بين طريقته في التعليم وبين حالة الكنيسة ، وقد اوضح لهم بعد ذلك : «وانا ايها الاخوة لم استطع ان اكلمكم كروحيين» «بل كجسديين كاطفال في المسيح ، ، سقيتكم لبنا لاطعاما ، لأنكم لم تكونو بعد تستطيعون ، بل الان ايضا لاتستطيعون» ( 1 كورنثوس 3 : 1، 2). كان كثيرون من مؤمني كرونثوس متباطئين في تفهم الدروس التي كان يحاول ان يعلمهم اياها . ولم يكن تقدمهم في المعرفة الروحية متناسبا مع امتيازاتهم والفرص المقدمة لهم. ففي حين كان يجب ان يكونوا متقدمين في الاختبار المسيحي الى مدى بعيد ، وقادرين على ادراك حقائق كلمة الله العميقة وممارستها عمليا ، كانوا في موقف يشهد موقف التلاميذ حين قال لهم المسيح : «ان لي امورا كثيرة ايضا لأقول لكم، ولكن لاتستطيعون ان تحتملوا الآن» ( يوحنا16 : 12). AR 240.4

فالحسد والظنون الردية والاتهامات اغلقت قلوب كثيرين من مؤمني كونثوس ضد العمل الكامل للروح القدس، الذي «يفحص كل شيئ حتى اعماق الله» (1 كورنثوس 2: 10). فمهما كان مبلغ حكمتهم في علوم العالم ، فإنهم لم يكونوا اكثر من أطفال في معرفة المسيح . AR 241.1

لقد كان على بولس ان يعلم المهتدين في كورنثوس مبادئ ابجدية الايمان المسيحي . كان ملتزما ان يعلمهم باعتبارهم يجهلون عمل القوة الالهية في القلب . كانوا عاجزين حينئذ عن فهم اسرار الخلاص لأن «الانسان الطبيعي لا يقبل مالروح الله لأنه عنده جهالة ، ولايقدر ان يعرفه لأنه انما يحكم فيه روحيا» ( 1 كورنثوس 2 :14). لقد حاول بولس ان يزرع البذار ، الذي كان يجب ان يسقيه آخرون. وأولئك الذين جاؤوا من بعده كان عليهم ان يتقدمواالعمل من حيث تركه هو ، معطين نورا ومعرفة روحيين في الوقت الملائم على قدر ماتحتمل الكنيسة . AR 241.2

عندما شرع الرسول في عمله في كورنثوس ، ايقن انه يجب عليه ان يقدم ، بكل حرص ، الحقائق العظيمة التي كان يرغب أن يعلمهم اياها . وعرف انه سيكون بين سامعيه مؤمنون متكبرون يتشبثون بالنظريات البشرية ويؤديون نظم عبادة كاذبة ويتلمسون بعيونهم العمياء عساهم ان يجدوا في سفر الطبيعة نظريات تناقض حقيقة وجودالحياة الروحية واالخالدة كما هي معلنة في الكتب المقدسة . كما عرف ايضا ان جماعة النقاد سيسعون للمجادلة حول التفسير المسيحي لكلمة اللهالمعلنة ، وان الملحدين سيقابلون انجيل المسيح بالسخرية والتهكم . AR 241.3

واذا حاول بولس ان يقود النفوس الى حيث الصليب ، لم يجرؤ على توجيه الانتهار المباشر للفاسقين ن ا وان يصور لهم مقدار شناعة خطيتهم في نظر الله القدوس . ولكنه بالحري وضع امامهم غرض الحياة الحقيقي ، وحاول ان يطبع على اذهانهم تعاليم المعلم الالهي التي لو قبلوها لانشلتهم من حضيض محبة العالموالخطية الى ذرى الطهارة والبر . وقد أطال الشرح بوجه خاص عن التقوى العملية والقداسة التي ينبغي ان يبلغها أولئك الذين سيسحبون أهلا لنيل مكان في ملكوت الله . لقد تاق الرسوللأن يرى نورإنجيلالمسيح مخترقا ظلمات عقولهم كي يروا إلى أي حد كانت اعمالهم النجسة كريهة في نظر الله . ولذلك فقد كان عبء تعليمه بينهم هو المسيح وإياه مصلوبا . كما حاول ان يريهم ان دراستهم الجادة الغيورة وأعظم فرحهم ينبغي ان يكون هو الحق العجيب حق الخلاص بالتوبة الى الله والايمان بالرب يسوع المسيح . AR 242.1

ان الفيلسوف يتحول مبتعدا عن نور الخلاص لأن هذا النور يجلب العار على نظرياته المتكبرة ، اما المنهمك في العالم فيرفضه لأن يفصل بينه وبين اصنامه الارضية . وقد رأى بولس ان صفات المسيح ينبغي ان تفهم على حقيقيتها قبلما يستطيع الناس ان يحبوه او يروا الصليب بعين الايمان . هنا ينبغي ان تبدأ تلك الدراسة التي ستكون هي العلم والاغنية التي سيرددها المفديون مدى اجيال الابد.ففي نور الصليب وحده يمكن تقدير قيمة النفس البشرية التقدير الصائب الحقيقي . AR 242.2

ان قوة نعمة الله الممحصة تبدل ميل الانسان الطبيعي . فالسماء لايمكن ان تكون مكانا مرغوبا فيه في نظر الناسالمنصر في القلوب الى الامور الدنيوية والشهوانية . فقلوبهم البشرية غير المقدسة لاتشعربجاذبية الى ذلك المكان الطاهر المقدس ، وحتى لو كان في امكانهم الدخول ، فإنهم لايجدون هناك مايتفق مع طبيعتهم . ينبغي ان تقهر نعمة المسيح الميول والاهواء المسيطرة على القلب غير المتجدد، قبلما يصير الانسان الساقط اهلا لدخول السماء والتمتع بعشرةالملائكة الاطهارالقديسين. فحين يموت الانسان عن الخطية وتدب فيه الحياة الجديدة في المسيح، فإن محبة الله تملأ قلبه، وادراكه يتقدس وهو يشرب ويرتوي من نبعالفرح والمعرفة الذي لاينضب فيشرق على طريقه نور نهار ابدي ، لأن نور الحياة يكون معه الى الابد . AR 242.3

لقد حاول بولس ان يطبع على عقول اخوته في كورنثوس حقيقة كونه هو واخوته العاملين معه ان هم الا رجال مفوضون من قبل الله لتعليم الحق ، وأنهم جميعا مشغولون في ذلك العمل نفسه، وانهم يعتمدونبالقدر ذاته على الله لأجل نجاحهم في اعمالهم . ان المباحثة التي حدثت في الكنيسة عن نسبة جدارة الخدام المختلفين لم تكن ضمن نظام الله ، بل نتيجةتغذية واحياء وتعزيز صفات القلبالبشري . يقول الرسول : «لأنه متى قال واحد أنا لبولس وآخر أنا لأبلوس افلستم جسديين ؟ فمن هو بولس ؟ ومن هو ابلوس ؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما ، وكما اعطى الرب لكل واحد انا غرست وابلوس سقى ، لكن الله كان ينمي. اذا ليس الغارس شيئا ولا الساقي ، بل الله الذي ينمي» ( 1 كورنثوس3 : 4 — 7). AR 243.1

ان بولس هو الذي كرز بالانجيلاولا في كورنثوس ، وهو الذي نظم الكنيسة هناك. وقد كان هذا هو العمل الذي عينه له الله . وبعد ذلك وبناء على تعليمات الله جيئ بخدام آخرين ليقفوا في نصيبهم ويأخذوا مكانهم. فالبذار الذي زرع كان ينبغي ان يسقى ، وهذا ماكان على ابلوسان يفعله ،. لقد جاء بعد بولس علمه ليقدم مزيدا من التعليم ولساعد على نمور البذار الذي زرع . لقد كسب قلوب الشعبولكن الله هو الذي اعطى المحصول . ان القوة التي تغير الخلق ليست بشرية بل الهية . فالغارسونوالساقون لايجعلون البذار ينموا ، انما هم يعملون تحت اشراف االله كوسائله المعينة ، متعاونين معه في عمله فالكرامة والمجد المصاحبان للنجاح يخصان الله وحده الذي هو العامل الأعظم. AR 243.2

ان خدام الله ليست لهم جميعا نفس المواهب ، انما هم جميعهم خدامه.وعلى كل واحد ان يتعلم من المعلم العظيم اولا ثم بعد ذلك يشارك الاخرين ماقد تعلمه. لقد اعطى اللهكلام من رسلهعملا فرديا. توجد انواع مواهب ولكن عد كل الخدام ان يندمجوا معا في حالة توافق تسيطر عليهم قوة الروح القدس المقدسة. واذ يخبرون الناس بانجيل الخلاص فكثيرون سيتبكتون ويتجددون بقوة الله .ان الوسيلة البشرية تستتر مع المسيح في الله ، والمسيح وحده يظهر كالمعلم بين ربوة والذي كله مشتهيات. AR 244.1

«والغارس والساقي هما واحد ، ولكن كل واحد سيأخذ اجرته بحسب تعبه . فإنا نحن عاملان مع الله ، وانتم فلاحه الله ، بناء الله» (1 كورنثوس 3: 8 ، 9).في هذه الآيات يشبه الرسول الكنيسة مشبهة ايضا ببناء يعلو ويكبر حتى يصير هيكلا مقدسا للرب. ف الله هو العامل الأعظم وقد عين لكل انسان عمله . والجميع عليهم ان يعملوا تحت اشرافه ويعطوه المجال لأن يعمل لأجل خدامه وبواسطتهم. انه هو الذي يمنحهم اللباقة والمهارة ، واذا انتبهوا الى تعليماته فهو سيكلل جهودهم بالنجاح. AR 244.2

وعلى خدام الله ان يعملوا متكاتفين ومندمجين معا في نظام رقيق لطيف : «مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة» ( رومية 12: 10). ينبغيألا يكون هناك انتقاد جارح ، والا يهدم احد عمل اخيه ، ولا ان تكون هناك احزاب منفصلة. فكل من اول اليه الرب رسالة ، له عمله الخاص . لكل واحد شخصيته المستقلة التي لاينبغي ان تبتلغ في شخصيته انسان آخر ، ومع ذلك فعلى كل واحد ان يعمل في وافق مع اخوته . على خدام الله ان يكونو متحدين ومهم يقومون بخدمتهم ، فهذا امر جوهري . وينبغي الا يقيم أي واجد منهم نفسه امتثالا لغيره فيتكلم عن اخوته وزملائه في العمل بغير احترام،او يعاملهم باعتبارهم ادنى منه. فتحت رئاسة الله ، على كل واحد ان يقوم بالعمل المعين له ، وعلى الخدام الآخرين ان يحترموه ويحبوه ويشجعوه. فعليهم ان يتكاتفوا معا وينهضوا بالعمل ويتقدموا به الى الكمال. AR 244.3

إن هذه المبادئمذكورة باسهاب في رسالة بولس الأولى الى كنيسة كورنثوس. فالرسول يشير الى «خدام المسيح»على انهم «وكلاء سرائر الله».وهو يعلن عن عملهم قائلا : «ثم يسأل في الوكلاء لكي يوجد الانسان أمنيا. واما انا فأقل شيئ عندي ان يحكم في منكم ، او من يوم بشر . بل لست احكم في نفسي ايضا . فإني لست اشعر بشيئ في ذاتي . لكنني لست بذلك مبررا . ولكن الذي يحكم في هو الرب. اذالاتحكموا في شيئ قبل الوقت ، حتى يأـي الرب الذي سينير خفاف الظلامويظهر آراء القلوب . وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله» ( 1 كورنثوس 4 :1- 5). AR 245.1

لاحق لأي كائن بشري ان يقضي بين خدام الله المختلفين. فالرب وحده هو الذي يحكم على عمل الانسان، وهو الذي سيعطي لكل واحد جزاءه ، العادل . إن الرسول اذ استطرد في كلامه أشار إشارة مباشرة الى المقارنات التي عملت بين خدماته وخدمات أبلوس . فقال : «فهذا أيها الاخوة حولته تشبيها الى نفسي والى ابلوس من اجلكم، لكي تتعلموا فينا ان لاتفتكروا فوق ماهو مكتوب ، كي لاينتفخ احد لأجل الواحد على الآخر . لأنه من يميزك ؟ وأيشيئ لك لم تأخذه؟ وإن كنت قد أخذت ، فلماذاتفتخر كأنك لم تأخذ ؟» ( 1 كورنثوس 4 : 6 ، 7 ). AR 245.2

وقد بسط بولس اما الكنيسة بكل وضوح المخاطر والمشقات التي تحملها هو زملاؤه بصبر في خدمة المسيح. فأعلن قائلا : «الى هذه الساعة نجوع ونعطس ونعرى ونلكم وليس لنا اقامة، ونتعب عاملين بأيدينا . نشتم فنبارك . نضطهد فنتحمل . يفترى علينا فنعظ . صرنا كاقذار العالم ووسخ كل شيئ إلى الآن . ليس لك أخجلكم أكتب بهذا ، بل كأولادي الأحباء أنذركم. لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح، لكن ليس آباء كثيرون . لأني أناولدتكم في المسحي يسوع بالانجيل» ( 1 كورنثوس 4 : 11 — 1). AR 246.1

إن ذاك الذي يرسل خدام الانجيلكسفرائه يلحقبه الهوان والعار عندما يبدي بعض السامعين تعقلهم بخادم محبوب لدرجة ان تتولد فيهم عدم الرغبة لقبول خدمات معلم آخر . إن الرب يرسل المعونة الى شعبه ، ليس دائما حسبما يختارون بل بحسب ما يحتاجون. لأن الناس قصيروا البصر ، لايمكنهم أن يميزوا ماهو لصالحهم الأعظم. ويندر أن يكون لخادم واحد كل المؤهلات اللازمة لتكملة كنيسة في كل المطالب المسيحية. ولذلك فكثيرا مايرسل الله إليهم خداما آخرين ، ولكل منهم مؤهلات لاتوجد في الآخرين. AR 246.2

يبنغيي للكنيسة ان تقبل بشكر خدام المسيح هؤلاء ، كما لو كانوا يقبلون السيد نفسه . وعليهم ان يستخرجوا كل الفائدة الممكنة من التعاليم التي يمكن لكل خادم ان يقدمها لهم من كل الله . وينبغي قبول الحقائق التي يقدمها خدام الله ، كما يجب تقديرها في وداعة ورقة . ولكن ينبغي الا يتعلق احد بأي خادم الى درجة التطرف أو الى حد جعله صنم حياته . AR 246.3

وبنعمة المسيح يصير خدام الله رسل النور والبركة . فإذ يحصلون بواسطة المواظبة على الصلاة على عطية الروح القدس ويخرجون مثقلين بحمل خلاص النفوس وقلوبهم مفعمة غيرة على نشر نصرات الصليب وتوسع مداها، فهم سيرون ثمرا مفرحا لخدماتهم. وإذ يرفضون بكل إباء ان يظهروا الحكمة البشرية ا وان يمجدوا الذات ، فإنهم سينجزون عملا يصمد أمام هجمات الشيطان . وستترك نفوس كثيرة الظلمة وتقبل الى النور ، وستقام كناش كثيرة . وسيهتدي الناس، لا إلى الوسائل البشرية ، بل الى المسيح . والذات ستحتجب وسيظهر رجل الجلجثة، يسوع وحده. AR 247.1

يمكن لمن يخدمون المسيح اليوم ان يعلنوا نفس الكمالات الممتازة التي قد أظهرها أولئك الذين كرزوا بالانجيل في عصر الرسل . فالله مستعد لأن يمنح القوة لخدامه اليوم كما كان مستعدا لأن يمنحها بالأمس لبولس وأبلوس وسيلا وتموثاوس وبطرس ويعقوب ويوحنا. كان يوجد في أيام الرسلأنس مضلون ادعوا بأنهم يؤمنون بالمسيح، ومع ذلك رفضوا تقديم الاكرام اللائقلسفرائه. لقد أعلنوا أنهم لايتبعون أي معلم بشري، ولكنهم كانوا ، كما زعموا ، يتلقون التعليم من المسيح مباشرة، بدون معونة خدام الانجيل . كانوا مستقلين في روحهم، ورفضوا الخضوع لصوت الكنيسة . مثل هؤلاء كانوا في خطر عظيم من الوقوع في شرك الخداع. AR 247.2

لقد أقام الله في الكنيسة رجالا مختلفي المواهبوعينهم كمساعدين له ، حتى عن طريق الحكمة الموحدة للكثيرين يمكن معرفة فكر الروح والعمل بتوجيهاته . إن الذين يعملوا ويتحركون وفقا لميزات اخلاقهم القوية ، ويرفضون حمل النير من غيرهم ممن لهم خبرة طويلة في عمل الله ، ستعميهم ثقتهم في ذواتهم، وسيعجزون عن التمييز ماهوا زائف وماهو حقيقي. انه من غير المأمون اختيار أمثال هؤلاء كقادة في الكنيسة، لأنهم سيتبعون حكمهم وينفذون خططهم بصرف النظر عن حكم اخوتهم. وإنه ليسهل على العدو ان يعمل عن طريق الذين مع كونهم بحاجة الى النصح والمشورة في كل خطوة ، يجعلون انفسهم اوصياء على النفوس بقوتهم دون ان يكونوا قد تعلموا وداعة المسيح . AR 247.3

ان الانطباعات وحدها ليست مرشدا امنيا االى الواجب . فكثيرا مايقنع العدو الناس ليعتقدوا ان الله هو الذي يقودهم ، بينما هم في الحقيقة يتبعون الوازع البشري وحده. اما إذا كان نسهر ونتحذر ونستشير اخوتنا ، فسيعطى لنا تمييز لمعرفة ارادة الرب، الذي وعد ان «يدرب الودعاء في الحق ، ويعلم الودعاء طرقه» ( مزمور25 : 9 ). AR 248.1

كان يوجد في الكنيسة المسيحية الأولى بعض الناس الذين رفضوا الاعتراف ببولس او ابولس ، واعتبروا بأن بطرس هو قائدهم . هؤلاء أكدوا بأن بطرس كانت بينه وبين المسيح اوثق صلات المحبة والالفة حين كان المسيح على الارض ، بينما بولس كان مضطهدا للمؤمنين. لقد كان التعصب هو الذي يجمعبين آرائهم ومشاعرهم تلك . ولم يظهروا السخاء والكرم والرقة التي تعلن ان المسيح يسكن في القلب . AR 248.2

وكان يخشى من أن روح التحزب هذه ينتج عنا شر عظيم على الكنيسة المسيحية. ولهذا أوصى الرب بولس ان ينطق الانذارات الحارة والاحتجاجات المهيبة. فسأل الرسول الذين كانوا يقولون «انا لبولس ، وانا لأبولس، وانا لصفا ، وانا للمسيح»قائلا : «هل انقسم المسيح ؟ العل بولس صلب لأجلكم، ام باسم بولس اعتمدتم ؟» ثم توسل اليهم قائلا : «اذا لايفتخرن احد بالناس ، فإن كل شيئ لكم . واما انتم فللمسيح ، والمسيح لله» ( 1 كورنثوس 1 : 12، 13،3 : 21 -23). AR 248.3

كان بولس وأبلوس كلاهما على وفاق تام. وقد خاب أمل أبلوس وحزن بسبب الانقسام الذي حدث في كنسة كورنثوس. وهم لم يرد ان يستفيد من التفضيل الذي أعطي له، ولا شجع احدا عليه ، بل بادر الى ترك ذلك الحقلالذي كثرت فيه المنازعات والخصومات. وعندما الح عليه بولس بعد ذلك كي يعود لزيارة كورنثوس تمنع واعتذر ، ولم يرجعليخدم هناك مرة اخرى الا بعد وقت طويل عندما نضجت الكنيسة ووصلت الى حالة روحية أفضل . AR 249.1