الاباء والانبياء

24/75

الفصل الثاني والعشرون—موسى

-----------------

إن شعب مصر لكي يتزودوا بالطعام في سني الجوع باعوا للدولة مواشيهم وأراضيهم وأخيرا اضطروا أن يصيروا عبيد مدى الحياة . وقد دبر يوسف بحكمته أمر تحريرهم فسمح لهم بأن يكونوا مستأجرين ، يأخذون أراضيهم من الملك على أن يدفعوا خراجا سنويا هو خمس حاصل كدهم . AA 209.1

أما بنو يعقوب فلم يكونوا ملتزمين بمثل تلك الالتزامات. لأنه في مقابل الخدمات التي أداها يوسف للأمة المصرية أعفوا من الضرائب ، فضلا عن كونهم قد أعطوا قسما من البلاد للسكنى ، كما أعطي لهم طعام بسخاء في سنين الجوع . وقد اعترف الملك أمام الملأ بأن السر في وجود الخير الوفير في مصر في الوقت الذي تهلك فيه الأمم التي حولها جوعا هو تداخل إله يوسف ورحمته ، كما رأى أن حسن إدارة يوسف وتدبيره قد زادا في الغنى والرخاء الذي عم المملكة ، وكأن من مظاهر شكره لرئيس وزرائه أن شمل عائلة يعقوب بإحساناته ورضاه . AA 209.2

ولكن بمرور الزمن مات ذلك الرجل العظيم الذي كانت مصر مدينة له بالكثير ، كما مات ذلك الجيل الذي تمتع بثمار جهوده وتحبه ، ( ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف ) (خروج 1 ، 2 : 1 - 10) ولكن هذا ليس معناه أنه كان يجهل ما قام به يوسف لمصر من خدمات ، بل معناه لأنه لم يرد لأن يعترف بها ، وعلى قدر الإمكان جعلها تنسى من الأذهان . ( فقال لشعبه : هوذا بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا . هلم نحتال لهم لئلا ينموا ، فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض ) . AA 209.3

كان الإسرائليون في ذلك الحين قد كثروا جدا ( فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيرا جدا ، وامتلأت الأرض منهم ) فبفضل رعاية يوسف ورضى الملك الذي كان يملك حينئذ انتشروا في كل البلاد ، ولكنهم ظلوا شعبا منفصلا يسكن وحده ، لا صلة لهم بالمصريين لا في عاداتهم ولا في ديانتهم . فهذا النمو وهذا التكاثر أثار مخاوف الملك وشعبه لئلا إذا نشبت حرب ينضموا إلى أعداء مصر . ولكن أنظمة الدولة منعت الملك من طرد الشعب من البلاد ، فقد كان كثيرون منهم عمالا مقتدرين وذوي فهم . وزادوا في ثراء الأمة كثيرا ، وكان الملك بحاجة إلى مثل أولئك الفعلة في بناء قصوره وهياكله الفخمة ، ولذلك جعلهم في صف المصريين الذين كانوا قد باعوا أنفسهم مع أملاكهم للدولة . وسرعان ما أقيم عليهم مسخرون فكملت عبوديتهم ( فاستبعد المصريون بني إسرائيل بعنف ، ومرروا حياتهم بعبوديتهم قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل . كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفا ) ( ولكن بحسبنا أذلوهم هكذا نموا وامتدوا ) . AA 209.4

وكان ملك مصر ومشيروه يرجون أنهم سيتغلبون على الإسرائليين بتسخيرهم إياهم في الأشغال الشاقة ، وهكذا يقللون عددهم ويسحقون روحهم الاستقلالية . فإذ أخفقوا في الوصول إلى غرضهم لجأوا إلى إجراءات أشد قسوة ، فلقد صدرت الأوامر إلى القابلتين اللتين كان عملهما يعطيهما فرصة لتنفيذ أوامر الملك بأن يقتلا أبناء العبرانيين حين يولدون . وكان الشيطان هو المحرض ففي هذا الأمر ، لأنه كان يعلم أن مخلصا سيقوم من بين الإسرائليين ، فإذ يسوق الملك لإهلاك أبنائهم سيكون قادرا على إحباط قصد الله . ولكن القابلتين خافتا الله ولم تجسرا على تنفيذ ذلك الأمر القاسي . وقد رضى الرب عن مسلكهما وأنجحهما . وغضب الملك لفشله في إتمام غرضه ، ولذلك جعل أمره ناجزا وشاملا إذا أمر الأمة كلها أن تطارد كل أولئك الضحايا العاجزين . ( ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلا : كل ابن يولد تطرحونه في النهر ، ولكن كل بنت تستحيونها ) . AA 210.1

فإذ كان هذا الأمر ساريا أنجبت يوكابد ابنا لعمرام ، وهما زوجان تقيان من سبط لاوي . وكان الصبي حسن الصورة . وإذ كان ذانك الأبوان يؤمنان بأن يوم تحرير إسرائيل يقترب ، وأن الله سيقيم لهم مخلصا من شعبه صمما على أن يحولا دون هلاك ابنهما . وقد قوى قلبيهما إيمانهما بالله ( ولم يخشيا أمر الملك ) (عبرانيين 11 : 23) . AA 210.2

أفلحت الأمم في إخفاء ابنها ثلاثة أشهر ، ولكنها لم تستطع أن تخبئه أكثر فصنعت له سفطا من البردي وطلته بالحمر والزفت منعا لتسرب المياه إليه ووضعت فيه وليدها ثم وضعته بين الحلفاء على حافة النهر ، ولم تجرؤ على الوقوف لمراقبته لئلا يقضى عليها وعلى ابنها بالموت . ولكن أخت ذلك الطفل ، واسمها مريم ، وقفت من بعيد . وإذ تظاهرت بعدم الاكتراث له كانت بكل شوق ولهفة تراقبه لترى ماذا يصنع بأخيها الصغير . ولكن كان هنالك حراس آخرون ، فإن الأم بصلواتها الحارة أسملت بنها بين يدي الله ، ولذلك كان الملائكة يحفون بذلك المهد المتواضع وإن لم ينظرهم أحد . وقد أرشد الملائكة ابنة فرعون إلى ذلك المكان . فأثارت رؤيتها لذلك السفط فضولها ، وإذ نظرت الطفل الجميل الذي فيه ، قرأت قصته في لمحة ، واستدرت دموع ذلك الطفل عطفها ، كما تناول ذلك العطف تلك الأم المجهولة التي لجأت إلى هذه الوسيلة لحفظ حياة وليدها الغالي ، فصممت على إنقاذه واتخاذه ابنا لها . AA 210.3

وكانت مريم تراقب سرا كل حركة ، فإذ رأت الرعاية والشفقة اللتين عومل بهما الطفل تجرأت واقتربت أكثر ، وأخيرا قالت لابنة فرعون : ( هل أذهب وأدعوا لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد ؟ ) فسمحت لها بذلك . AA 211.1

أسرعت الفتاة إلى أمها تزف إليها هذه البشرى وبدون إبطاء ذهبت بها إلى ابنة فرعون التي قالت للأم ( اذهبي بهذا الولد وأرضعيه لي وأنا أعطي أجرتك ) . AA 211.2

لقد سمع الله صلوات الأم وكافأ إيمانها ، فبشكر عميق لله عادة الأم لذلك العمل المفرح المحبب إلى قلبها وهو إرضاع ابنها بلا خوف ، وأحسنت استخدام هذه الفرصة في تعليم ابنها عن الله ، وكانت واثقة بأن الله قد أبقى على حياة ابنه لأن له عملا عظيما يعمله ، كما علمت أن ( أمه ) ابنة الملك ستأخذه إلى القصر بعد قليل ، حيث يكون محاطا بمؤثرات تعمل على إبعاده عن الله . كل هذا جعلها تبذل جهدا وحرصا أعظم في تعليمه مما بذلت مع باقي أولادها . لقد حاولت أن ترسخ في ذهنه مخافة الله ومحبته وحقه وعدله ، وصلت بكل حرارة طالبة من الرب أن يحفظه من كل العوامل المفسدة ، وكشفت لابنها عن جهالة وخطية عبادة الأوثان ، ومنذ نعومة أظفاره علمته أن يقدم سجوده وصلواته إلى الله الحي الذي يستطيع وحده أن يسمعه ويعينه في كل الظروف التي تمر به . AA 211.3

أبقت ذلك الصبي عندها أطول مدة ممكنة ، ولكنها اضطرت في النهاية إلى تسليمه لابنة الملك وقد بلغ حوالي الثانية عشرة من عمره ، فأخذ من ذلك البيت المتواضع إلى ابنة فرعون في قصرها الملكي ( فصار لها ابنا ) ومع ذلك فحتى وهو في ذلك المكان لم تفارقه تلك المؤثرات التي انطبعت على قلبه في طفولته . ولم يكن لذلك الصبي أن ينسى تلك الدروس التي لقنته إياها أمه ، لا بل كانت له درعا حفظته من الكبرياء والإلحاد والرذيلة المتفشية بين رجال البلاط . AA 211.4

ما كان أعظم وأبعد تأثير تلك الأم العبراينة مع أنها كانت متغربة وأمة مستبعدة ! إن كل حياة موسى المستقبلة والرسالة العظيمة التي قام بها قائدا لإسرائيل تشهد لأهمية عمل الأم المسيحية ، وليس عمل آخر يضارع هذا العمل . إن الأم تمسك مصير أطفالها بين يديها إلى مدى بعيد جدا . إنها تتعامل مع العقول والأخلاق في نموها وتطورها ، وهي تعمل لا للزمن الحاضر وحده بل للأبدية . إنها تبذر البذار الذي لا بد من أن يطلع وينمو ويثمر ، إن خيرا وإن شرا . إنها لا ترسم صورة جميلة ولا تنحت تمثالا رائعا من المرمر ، ولكنها تطبع صورة الله على نفس بشرية ، فعلى الأم تقع مسؤولية تكوين أخلاق أولادها خصوصا في بكور حياتهم ، لأن تلك الانطباعات التي تتأثر بها عقولهم النامية في طفولتهم لن تمحى ، بل لا بد من أن تلازمهم مدى الحياة . فعلى الآباء أن يهتموا بتوجيه أولادهم وهم يعلمونهم ويدربونهم في صغرهم حتى يصيروا مسيحيين . إنهم موضوعون تحت رعايتنا لنربيهم ، لا لكي يرثوا عرش مملكة أرضية بل كملوك لله ليملكوا مدى دهور الأبد . AA 212.1

لتشعر كل أم أن لحظات حياتها لا تقدر بثمن ، وأن عملها سيمتحن في يوم الحساب الرهيب . وحيئنذ سيرى أن كثيرا مما أصاب الرجال والنساء من فشل وما اقترفوه من جرائم كان منشأه جهل وإهمال الذين كان واجبهم يقتضي أن يقودوا خطواتهم في طفولتهم في الطريق القويم ، كما سيرى أن كثيرين ممن قد باركوا العالم بنور العبقرية والحق والقداسة يعزون المبادئ التي دفعتهم إلى انتهاج طريق التأثر الصالح والنجاح إلى أمهاتهم المسيحيات المصليات . AA 212.2

وفي بلاط فرعون حصل موسى على أسمى تهذيب مدني وعسكري ، فلقد صمم الملك على أن يجعل حفيده المتبنى هذا خليقته على العرش ، ولذلك تهذب هذا الشاب ليكون جديرا بهذا المركز الخطير ( فتهذب موسى بكل حكمة المصريين ، وكان مقتدرا في الأقوال والأعمال ) (أعمال 7 : 22) وإن مقدرته كقائد حربي حببته إلى قلوب كل جيوش مصر ، وكان الجميع يعتبرونه شخصية عظيمة . ولقد انهزم الشيطان فلم يفلح في ما كان ينتويه ، فالمنشور نفسه الذي صدر حاكما بالموت على أطفال العبرانيين حوله الله إلى تعليم وتهذيب ذاك الذي سيكون قائد لشعبه فيما بعد . AA 212.3

علم الملائكة شيوخ بني إسرائيل أن وقت نجاتهم قريب ، وأن موسى هو الشخص الذي سيستخدمه الله في إنقاذهم ، كما أعلم الملاكئة موسى أيضا أن الله قد اختاره لكسر نير عبودية شعبه ، وإذ ظن أنهم سيحصلون على حريتهم بقوة السلاح كان ينتظر أن يجرد بني إسرائيل ضد جيوش مصر ، فإذ كان مشغولا بهذا الأمر أراد أن يضبط عواطفة لئلا يعطله تعلقه بأمه المربية أو بفرعون عن عمل إرادة الله . AA 213.1

وبموجب قوانين مصر كان على من يعتلون عرش الفراعنة أن يكونو أعضاء في هيئة الكهنوت . فموسى الذي كان الوارث العتيد للعرش كان عليه أن يطلع على أسرار ديانة الأمة ، وهذا الواجب كان موكولا للكهنة ، ولكن مع أن موسى كان تلميذا مجتهدا لا يعرف الكسل لم يكن إغواؤه للاشتراك في عبادة الكهنة ، فهددوه بأن ذلك قد يفقده التاج المصري ، وأنذوره بأن الأميرة قد تتبرأ منه إذا ظل متمسكا بعقيدته العبرانية ، ولكن لم يمكن زحزحته عن تصميمه على ألا يقدم ولاءه وعبادته لغير الإله الواحد خالق السماوات والأرض . وكان يناقش الكهنة ويجادل العابدين مبينا لهم جهالة توقيرهم الخرافي لأشياء لا تحس ولا تشعر ولم يستطع أحد أن يدحض حججه أو يحوله عن غرضه ، غير أنهم صبروا على عناده وثباته إلى حين بسبب منزلته الرفيعة والرضى العام الذي كان له قي قلب الملك والشعب . AA 213.2

)بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون ، مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية ، حاسبا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر ، لأنه كان ينظر إلى المجازاة ) (عبرانيين 11 : 24 — 26) لقد كان موسى مؤهلا لأن يكون مفضلا على كل عظماء الأرض ، وأن يشتهر في بلاط أمجد ممالكها ، وأن يتسلط عليها بقضيب ملكها . إن عظمة عقله الجبار جعلته ممتازا بين أعاظم الرجال في كل الأجيال . فكمؤرخ وشاعر وفيلسوف وقائد للجيوش ومشترع لم يكن له ند يضارعه . ومع ذلك ففيما كان يستعرض العالم أمامه كانت له قوة أدبية عظيمة جعلته يرفض ما للغنى والعظمة والشهرة من آمال خلابة خادعة . ( مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية ) . AA 213.3

كان موسى قد تعلم شيئا عن المجازاة الأخيرة التي ستعطى لعبيد الله المتواضعين المطيعين ، لذلك أصبحت الأرباح العالمية تافهة وعديمة الأهمية في نظره . فقصر فرعون العظيم وعرش الملك عرضا على موسى لإغرائه ، ولكنه عرف أن تمتعات الخطية التي تجعل الناس ينسون الله كانت تربض في البلاط الملكي . لقد نظر إلى ما هو أبعد من القصر الفخم العظيم ، وتاج الملك ، إلى الكرامة العظيمة التي سيمنحها الرب العلي لقديسية في ملكوت لا تدنسه الخطية . لقد رأى بالإيمان إكليلا لا يفنى يضعه ملك السماء على هامة الرجل المنتصر ، فهذا الإيمان جعله يتحول عن وجهاء الأرض وعظمائها ويتحد بتلك الأمة المحتقرة الفقيرة التي آثرت الطاعة لله على خدمة الخطية . AA 214.1

ظل موسى في بلاط فرعون حتى بلغ الأربعين من عمره ، وكثيرا ما اتجهت أفكاره إلى الحالة المحتقرة الذليلة التي كان فيها شعبه ، وزار إخوته في عبوديتهم وشجعهم ، مؤكدا لهم أن الله سيخصلهم . في غالب الأحيان إذ كان يثيره إلى حد الحقد الشديد منظر الظلم والطغيان الواقعين عليهم . كان قلبه يلتهب في داخله متلهفا إلى أن يثأر لهم عن تلك المظالم . ففي أحد الأيام إذ خرج لينظر في أثقالهم ورأى مصريا يضرب إسرائليا وثب على المصري وقتله . ولم يكن هناك شاهد عيان لذلك الحادث غير الإسرائيلي . وطمر موسى جثة ذلك المصري في الرمل في الحال . فها هو قد أظهر الآن استعداده للدفاع عن حقوق بني شعبه ، وكان يرجوا أنهم سيهبون لاسترداد حريتهم ( فظن أن إخوته يفهمون أن الله على يده يعطيهم نجاة ، وأما هم فلم يفهموا ) (أعمال 7 : 25) إنهم لم يكونوا مهيئين للحرية بعد . وفي اليوم الثاني رأى موسى اثنين من العبرانيين يتخاصمان ، ووضح أن أحدهما كان مخطئا في حق أخيه ومتجنيا عليه ، فوبخ موسى ذلك المعتدي الذي أراد في الحال أن يثأر من موبخه ، منكراعليه حقه في التدخل ، وبكل خسة اتهمه بالإجرام قائلا له : ( من جعلك رئيسا وقاضيا علينا ؟ أمفتكر أنت بقتلي كما قتلت المصري ؟ فخاف موسى وقال : حقا قد عرف الأمر ) (خروج 2 : 14) . AA 214.2

وسرعان ما عرف المصريون بالأمر كله ، ووصل الخبر إلى مسامع فرعون مبالغا فيه جدا ، إذ صورو الخبر لفرعون على أنه يعني الشيئ الكثير ، وعلى أن موسى قصد أن يقود شعبه لمحاربة المصريين لقلب الحكومة وليقيم نفسه ملكا ، وأن المملكة لن يكون لها أمان بل ستكون مهددة ما دام موسى على قيد الحياة . فصمم الملك في الحال على قتله . فحالما علم بالخطر المحيق به هرب إلى بلاد العرب . AA 214.3

وقد أرشد الرب خطواته ، فسكن مع يثرون كاهن مديان وحاكمها الذي كان هو أيضا ممن يعبدون الله . وبعد ذلك تزوج موسى إحدى بنات يثرون ، وظل أربعين سنة يرعى غنم حميه . AA 215.1

إن موسى إذ قتل ارتكب نفس الغلطة التي طالما ارتكبها أجداده ، وهي محاولتهم القيام بالعمل الذي وعد الله بأن يقوم به . ولم تكن إرادة الله أن يخلص شعبه عن طريق إثارة الحرب كما ظن موسى ، بل بقوته العظيمة لكي ينسب المجد لله وحده . وكلن حتى هذه الفعلة الطائشة سيطر الله عليها لإتمام مقاصده ، فإن موسى لم يكن مهيأ لعمله العظيم ، فلقد بقي عليه أن يتعلم درس الإيمان الذي تعلمه إبراهيم ويعقوب من قبل - وهو ألا يعتمد على قوته أو حكمته البشرية بل على قدرة الرب لإنجاز مواعيده . كما كانت هنالك دروس أخرى وجب على موسى أن يتلقاها وهو منفرد في الجبال ، فكان عليه أيضا أن يتعلم دروس الصبر والعلم والتحكم في عواطفه وغضبة في مدرسة إنكار الذات ، والمشقات . فقبلما يستطيع أن يحكم حكما صائبا وجب أن يتدرب على الطاعة ، وأن يكون قلبه متوافقا تماما مع إرادة الله قبلما يعلم إسرائيل تلك الإرادة المقدسة . وعن طريق اختباره الشخصي كان عليه أن يعد لممارسة الرعاية الأبوية لكل من يحتاجون إلى معونته . AA 215.2

إن الإنسان ليود الاستغناء عن تلك الحقبة الطويلة التي قضيت في التعب والغموض والانطواء ، إذ يحسب أن ذلك الوقت قد ضاع هباء ، ولكن الحكمة الإلهية التي لا تدرك دعت ذلك الرجل الذي كان مزمعا أن يكون قائدا لشعبه ليقضي أربعين سنة يقوم بعمل راع متواضع . فإذ نمت واكتملت فيه صفات الحرص ، ونسيان الذات ، والرفق والاهتمام بقطيعه فقد أعده ذلك لأن يكون راعي إسرائيل المشفق الصبور الطويل الأناة . ولم يكن ممكنا لأي تربية أو تهذيب أو تدريب بشري أن ينفع بديلا عن هذا الاعتبار . AA 215.3

كان موسى قد تعلم أشياء كثيرة وجب عليه أن ينساها . فالمؤثرات التي أحاطت به في مصر — كمحبته لأمه المربية التي اتخذته ابنا لها ، ومركزه كحفيد الملك ، والإسراف في كل وجه ، والثقافة والدهاء وصوفية ديانة المصريين الكاذبة وشعوذتها ، وجلال العبادة الوثنية وفخامة فن البناء والنحت والنقش — كل هذه تركت آثارها العميقة في عقله المتطور كما شكلت عاداته وأخلاقه إلى حد ما . ولكن مرور الزمن وتغير البيئة وشركته مع الله يمكنها أن تلاشي تلك المؤثرات . ومن جانب موسى كانت الحال تحتاج إلى كفاح يدوم مدى الحياة ليطرح عنه الخطأ ويعتنق الصواب والحق . ولكن إذ كان لا بد أن يخف إلى معونته حين تبرهن أن القوة البشرية أعجز من أن تنتصر في هذا النضال . AA 215.4

إن العنصر البشري يُرى في حياة كل من قد اختيروا للقيام بعمل لله . ولكنهم لم يكونوا أناسا ذوي أخلاق وعادات جامدة ، ولا اكتفوا بالبقاء على حالتهم . لقد تاقوا بكل قلوبهم للحصول على الحكمة من الله وتعلم خدمته . يقول الرسول : ( إن كان أحدكم تعوزه حكمة ، فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير ، فسيعطى له ) (يعقوب 1 : 5) ولكن الله لا يمكن أن يمنح نوره الإلهي لقوم يقنعون بالبقاء في الظلام ، فلكي يحصل الإنسان على معونة الله ، عليه أن يتأكد من ضعفه ونقصه . وعليه أن يخضع عقله للتاثير العظيم المزمع أن يحدث فيه ، وأن ينهض لحياة الصلاة الحارة اللجوجة والجهاد ، وأن يطرح عنه كل العادات والخصال الخاطئة . فبالسعي الجدي وحده في إصلاح هذه الأخطاء والتمسك بالمبادئ القويمة يمكن إحراز النصرة . إن كثيرين لا يصلون أبدا إلى المراكز التي كان يمكنهم أن يشغلوها لأنهم ينتظرون من الله أن يحمل لهم ما قد أعطاهم القوة على عمله بأنفسهم . إن أولئك المؤهلين للنفع ينبغي لهم أن يتدربوا بأقسى التدريبات العقلية والأخلاقية ، والله سيساعدهم بكونه يضيف إلى المجهود البشري قدرته الإلهية . AA 216.1

إن موسى إذ كان محاصرا بالجبال من كل ناحية كان منفردا مع الله . لم تعد الهياكل الفخمة تؤثر في عقله بخرافاتها وأكاذبيها ، ففي جبال الآكام الدهرية وعظمتها رأى جلال الله العلي ، وعلى عكس ذلك فقد تحقق من عجز آلهة مصر وتفاهتها. رأى اسم الله مكتوبا في كل مكان ، وبدا كأن موسى قد وقف في حضرته واستظل بقدرته فزايلته هنا كبرياؤه واكتفاؤه بنفسه . ففي بساطة حياته الصارمة التي عاشها في البرية اختفت عواقب الراحة والترف الذي كان يتمتع به في مصر . وأصبح صبورا ووقورا ومتواضعا . ( وأما الرجل موسى فكان حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض ) (عدد 12 : 3) . ومع ذلك فقد كان إيمانه قويا بعزيز يعقوب . AA 216.2

وإذ كانت السنون تكر ، وكان هو يجول بقطعانه في أماكن منعزلة ، متأملا في حالة العبودية القاسية التي كان شعبه يئن تحتها جعل يستعيد إلى ذاكرته معاملات الله لآباءه ، والمواعيد التي كانت هي ميراث الشعب المختار ، فكانت صلواته إلى الله لأجل إسرائيل ليلا نهارا ، وقد أراق ملائكة الله حوله نورا ، وهنا كتب سفر التكوين بإلهام من الله . إن السنين الطويلة التي قضاها في خلوته في تلك البرية كانت غنية بالبركة ، ليس لموسى وشعبه وحدهم ، بل لكل الأجيال المتعاقبة . AA 216.3

( وحدث في تلك الأيام الكثيرة أن ملك مصر مات ، وتنهد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا ، فصعد صراخهم إلى الله من أجل العبودية . فسمع الله أنينهم ، فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ونظر الله بني إسرائيل وعلم الله ) (خروج 2 : 23 - 25) . AA 217.1

لقد حان وقت خلاص إسرائيل ، ولكن كان لا بد أن يتم قصد الله بكيفية تجلب العار على الكبرياء البشرية . كان على المحرر أن يسير كراعي غنم متواضع وليس بديه غير عصاه ، ولكن الله سيجعل تلك العصا رمزا لقوته ، فإذ كان موسى يقود قطعانه في أحد الأيام إلى قرب حوريب ( جبل الله ) رأى عليقة مشتعلة بالنار ، اشتعلت النار في أغصانها وأوراقها وجذعها ولكن بدا كأنها لا تحترق . فإذ اقترب منها ليرى ذلك المنظر العجيب سمع صوتا خارجا من اللهيب يناديه باسمه ، فخرجت الكلمات من شفتيه المرتعشتين تقول ( هأنذا ) فحذره الصوت من الاقتراب في غير وقار إذ قال له ( اخلع حذاءك من رجليك ، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة .. أنا إله أبيك ، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب ) (خروج 3 ، 4 : 1 -26) . لقد كان هو ملاك العهد الذي أعلن نفسه للآباء في العصور الماضية . ( فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله ) . AA 217.2

ينبغي لكل من يقتربون من محضر الله أن يتصفوا بالوادعة والوقار . بإمكاننا الاقتراب إلى الله باسم المسيح بثقة ، ولكن يجب ألا نقترب منه في جرأة وغطرسة ووقاحة كما لو كان في مستوانا . من الناس من يخاطبون الله القدوس القدير الساكن في نور لا يدنى منه كما لو كانوا يخاطبون شخصا هو ند لهم أو أقل منهم . إن كثيرين يتصرفون في بيت الله بما لا يتصرفون به وهم في حضرة ملك أرضي . فعلى هؤلاء أن يذكروا أنهم في حضرة ذاك الذي يمجده السرافيم والذي في حضرته يغطي الملائكة وجوههم . يجب أن نقدم لله أعظم توقير واحترام ، فكل من يتحققون من حضوره لا بد من أن يسجدوا له بكل تواضع ، وكيعقوب إذ يرون رؤيا الله يهتفون : ( ما أرهب هذا المكان ! ما هذا إلا بيت الله ، وهذا باب السماء ) . AA 217.3

وإذا كان موسى منتظرا أمام الله في وقار مقدس استأنف الله كلامه قائلا : ( إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم . إني علمت أوجاعهم ، فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين ، وأصعدهم من تلك الأرض الى أرض جيدة وواسعة ، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا .. فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون ، وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر ) . AA 218.1

ففي ذهوله ورعبه من هذا الأمر ارتد موسى إلى الوراء قائلا : ( من أنا حتى أذهب إلى فرعون ، وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر ؟ ) فجاءه جواب الرب يقول : ( إني أكون معك ، وهذه تكون لك العلامة أني أرسلتك : حينما تخرج الشعب من مصر ، تعبدون الله على هذا الجبل ) . AA 218.2

لقد كان موسى يفكر في الصعوبات التي سيلاقيها وفي عمى شعبه وجهالتهم وعدم إيمانهم ، إذ كان كثيرون منهم مجردين من معرفة الله ، فقال : ( ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم : إله آبائكم أرسلني إليكم . فإذا قالوا لي : ما اسمه ؟ فماذا أقول لهم ؟ ) فكان الجواب : ( أهيه الذي أهيه ) فقال : )هكذا تقول لبني إسرائيل : أهيه أرسلني إليكم ) . AA 218.3

لقد أمر موسى أولا أن يجمع شيوخ إسرائيل الذين هم أكثر الناس نبلا وبرا ، الذين حزنوا وتألموا طويلا من جراء عبوديتهم ، ويعلن لهم الرسالة التي تلقاها من الله ويقدم لهم وعدا بالخلاص . وبعد ذلك فإن عليه أن يذهب معهم إلى الملك ليقولو له : AA 218.4

( الرب إله العبرانيين التقانا ، فالآن نمضي سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا ) . AA 218.5

وقد سبق الرب فأنذر موسى بأن فرعون لن يسمح بإطلاق سراح بني إسرائيل ، ومع ذلك فيجب ألا يثبط هذا من عزيمة عبد الرب ذاك ، لأن الرب سيجعل ذلك مجالا لإظهار قدرته أمام المصريين وأمام شعبه ، ( فأمد يدي وأضرب مصر بكل عجائبي التي أصنع فيها . وبعد ذلك يطلقكم ) . AA 218.6

وقدم له الرب أيضا بعض تعليمات بخصوص المؤونة التي يأخذونها في رحلتهم قائلا : ( فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين . بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا ) ، لقد اغتنى المصريون من العمل الذي فرض على الإسرائيليين ظلما ، وحيث أن هؤلاء كانوا سيرحلون إلى وطنهم الجديد ، فالصواب والعدل يقضيان بأن يطلبوا مكافأة عن سني العمل الشاق المضني ، فكان لا بد لهم من أن يطلبوا منهم أمتعة غالية القيمة مما يسهل حمله ، والرب سيعطيهم نعمة في عيون المصريين . فالمعجزات العظيمة التي ستصنع لأجل خلاصهم ستوقع الرعب في قلوب مستعبديهم بحيث يعطون أولئك العبيد ما يطلبونه . AA 218.7

رأى موسى أمامه صعوبات تراءى له أنه لا يمكن التغلب عليها ، فأي برهان يقدمه للشعب على أن الله قد أرسله ؟ فقال : ( ها هم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي ، بل يقولون : لم يظهر لك الرب ) فأعطي له أحد البراهين التي تقتنع بها حواسه إذ قيل له أن يطرح عصاه إلى الأرض . فلما فعل ذلك ( صارت حية ، فهرب موسى منها ) فلما أمر أن يمسك بها وأمسكها صارت عصا في يده . وبعد ذلك أمر بأن يضع يده في عبه فلما أطاع الأمر وأخرج يده من عبه ( إذا يده برصاء مثل الثلج ) . وإذ أمر بإدخالها مرة ثانية ثم أخرجها فإذا هي قد عادت كالأخرى . وأخبره الرب أن هذه الآيات ستكون كافية لإقناع شعبه وفرعون أيضا بأن كائنا أعظم وأقوى من ملك مصر قد ظهر بينهم . AA 219.1

إلا أن خادم الرب ذاك كان يؤرقه تفكيره في العمل العجيب الغريب الذي أمامه ، ففي ضيقته وخوفه توسل بأن يعفى لكونه تعوزه فصاحة اللسان قال : ( استمع أيها السيد ، لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ، ولا من حين كلمت عبدك ، بل أنا ثقيل الفم واللسان ) لقد غاب عن مصر سنين طويلة فنسي إتقانه للغة المصريين التي كان يحسن التكلم بها وهو معهم . AA 219.2

فقال له الرب : ( من صنع للإنسان فما ؟ أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرا أو أعمى ؟ أما هو أنا الرب ؟ ) ثم اضاف الرب إلى ذلك وعدا آخر لأكد له فيه أنه سيساعده ، إذ قال له : ( اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به ) ولكن موسى توسل إلى الرب أن يختار شخصا آخر أكثر أهلية منه . كان منشأ هذه الأعذار في االبداءة وداعة موسى وعدم ثقته بنفسه ، ولكن بعد ما وعده الرب بأن يزيح من طريقه كل العوائق الموانع ويكلل أعماله بالنجاح النهائي ، فكل تراجع و شكوى من عدم أهليته لذلك العمل أظهر عدم الثقة بالله ، وكان دليلا على خوفه من أن الله لن يقدر أن يؤهله لذلك العمل العظيم الذي دعاه إليه ، أو أنه تعالى قد أخطأ في اختياره إياه . AA 219.3

ووجه الرب موسى إلى هارون أخيه الأكبر الذي إذ كان يتكلم بلغة المصريين كل يوم كان يستطيع التكلم بها بطلاقة ، وقيل له أن هارون قادم لملاقاته ، وكانت كلمات الرب التالية أمرا صريحا : AA 220.1

( تكلمه وتضع الكلمات في فمه ، وأنا أكون مع فمك ومع فمه ، وأعلمكما ماذا تصنعان . وهو يكلم الشعب عنك . وهو يكون لك فما ، وأنت تكون له إلها . وتأخذ في يدك هذه العصا التي تصنع بها الآيات ) . لم يبد موسى أية مقاومة بعد ذلك لأن الرب أزال من أمامه كل الأعذار . AA 220.2

إن الأمر المقدم من الله إلى موسى وجده غير واثق بنفسه وثقيل اللسان وهيابا ، وقد شمله شعور بعدم كفاءته للأن يكلم لإسرائيل عن الله . ولكن بعدما اضطلع بذلك العمل قام به بكل قلبه واضعا كل اتكاله على الرب . وإن عظمة رسالته جعلته يدرب أفضل قوى عقله ، وبارك الله طاعته التامة ، فصار فصيحا ووطيد الرجاء ومالكا لنفسه ومؤهلا لأعظم عمل كلف به أي إنسان . وهذا مثال لما يفعله الله لتقوية أخلاق من يتكلون عليه اتكالا كاملا ويخضعون لأوامره بدون تحفظ . AA 220.3

إن الإنسان يحصل على قوة ومقدرة عندما يأخذ على نفسه المسؤوليات التي يضعها الرب عليه ، وبكل قلبه يحاول أن يكيف نفسه لحملها بالكيفية الصائبة. إن ذلك الإنسان لا بد من أن يحصل على العظمة الحقيقية إذا كان يتكل على قدرة الله ، ويجتهد في إنجاز عمله بإخلاص ، مهما كان مركزه بسيطا وإمكانياته محدودة . لو أن موسى اتكل على قوته وحكمته وبكل شغف قبل تلك المأمورية لكان قد برهن بذلك على عدم أهليته للقيام بذلك العمل . إن حقيقة كون الإنسان يحس بضعفه هي على الأقل برهان على أنه يقدر جسامة العمل الموكول إليه ، وأنه سيجعل الله مشيره وقوته . AA 220.4

عاد موسى إلى حميه وعبر له عن شوقه إلى افتقاد إخوته الذين في مصر . فأجابه يثرون إلى طلبه وباركه قائلا : ( اذهب بسلام ) فبدأ موسى رحلته ومعه امرأته وأولاده . إنه لم يجرؤ على التصريح بغرضه من تلك الرحلة لئلا تمنع عائلته من مصاحبته ، ومع ذلك فقبل وصوله إلى مصر فكر في أن الأفضل إعادة عائلته إلى مديان حرصا على سلامتها . AA 220.5

وكان في أعماق قلب موسى خوف خفي من فرعون ومن المصريين الذين اشتعل غضبهم عليه منذ أربعين سنة خلت ، وهذا أوجد في نفسه نفورا من العودة إلى مصر ، ولكن عندما بدأ في السفر إطاعة لأمر الله أعلن له الرب أن أعداءه قد ماتوا . AA 221.1

وفي طريقهم من مديان تلقى موسى إنذارا مرعبا مخيفا بغضب الله عليه ، فلقد ظهر له ملاك يهدده كما لو كان سيهلكه في الحال . ومع أنه لم يقدم له أي إيضاح ، إلا أن موسى ذكر أنه قد أغفل أحد مطاليب الله ، فلكونه خضع لتحريضات زوجته أهمل إجراء فريضة الختان لابنه الأصغر ، فهو لم يتمم الشرط الذي بموجبه يصير لابنه الحق في امتلاك بركات عهد الله مع إسرائيل . مثل هذا الإهمال من جانب القائد المختار المختار لا بد من أن يقلل من قوة أمر الله المفروض على شعبه . فإذ خافت صفورة لئلا يموت رجلها أجرت تلك الفريضة بنفسها ، وبعد ذلك سمح الرب لموسى بالتقدم في سيره . إن موسى بذهابه إلى فرعون كان لا بد من أن يعرض نفسه لخطر جسيم ، ولا يمكن أن تحفظ نفسه ما لم يحرسه الملائكة القديسون ، ولكنه لم يكن في أمان ما ظل مهملا لواجب معلوم له كهذا ، لأنه في هذه الحالة لا يمكن الملائكة أن يحرسوه . AA 221.2

وفي وقت الضيق الذي سيسبق مجيء المسيح سيحفظ ملائكة السماء جماعة الأبرار . أما من يتعدى شريعة الله فلا أمان له . ولن يستطيع الملائكة حينئذ أن يحرسوا أولئك الذين يغفلون أيا من أوامر الله . AA 221.3

* * * * *