خدمة الشفاء

91/271

٦ - الخدمة لأجل الأغنياء

إن كرنيليوس، قائد المئة الروماني، كان رجلاً غنياً ومن أسرة نبيلة. كان مرکزه مرکز إذا مسؤولية و کرامة . و مع أنه قد ولد وشها و ترعرع فی حي حسان الوثنية وتربى تربية وثنية وكانت ثقافته وثنية، فإنه بفضل اتصاله اليهود حصل على معرفة الإله الحقيقي ، وكان يتعبد له مبرهنا على صدق إيمانه يصنعه الرحمة للمساكين . كان «يصنع حسنات كثيرة للشعب ويصلي إلى الله في كل مكان» (اعمال ۲:۱۰). KS 127.1

لم تكن لكرنيليوس معرفة بالإنجيل كما هو معلن في حياة المسيح وموته، فأرسل الله إليه رسالة من السماء مباشرة ، أو بواسطة رسالة أخرى ارشد بطرس الرسول ليزوره ويعلمه، لم يكن كرنيليوس قد انضم إلى الكنيسة اليهودية وكان أحبار اليهود يعتبرونه وثنياً نجساً. ولكن الله كان عليماً بسلامة توبته فأرسل رسلاً من عرشه ليشاركوا مع خادمه على الأرض في تعليم الإنجيل لهذا الضابط الروماني. KS 127.2

هكذا الحال اليوم ، فالله يطلب نفوساً بين العظماء كما بين الأدنياء. يوجد كثيرون يشبهون كرنيليوس من الرجال الذين يريد أن يضمهم إلى كنيسته. إن عواطفهم هي مع شعب الله ولكن الربط التي تربطهم بالعالم تمسكهم بقوة. فالحال يتطلب شجاعة أدبية تجعل هؤلاء الناس يتخذون مواقفهم إلى جوار الفقراء . فينبغي يبذل مجهود خاص لأجل هؤلاء الأشخاص الذين هم في خطر عظيم بسبب مسؤولياتهم ومعاشرتهم . KS 127.3

لقد قيل الشيء الكثير عن واجبنا نحو الفقراء المهملين ، أفلا ينبغي أن توجه بعض اهتمامنا إلى الأغنياء المهملين؟ كثيرون ينظرون إلى هذه الطبقة وكأنها ميئوس منها، ولذلك لا يعملون إلا القليل لكي يفتحوا عيون الذين إذ أعمالهم يبهرهم بريق المجد الأرضي ما عادوا يحملون للأبدية حساباً. إن الافاً من الأثرياء انحدروا إلى الغير دون أن ينذرهم أحد. ولكن مع أن كثيرين من الأغنياء يبدو أنهم عديمو الاكتراث فإن نفوسهم مثقلة بالهموم : «من يحب الفضة لا يشبع من الفضة ومن يحب الثروة لا يشبع من داخل» (جامعة 5: 10). إن من يقول الإبريز «أنت متكلي» يكون قد جحد «الله من فوق» (أيوب 31 : ٢٤ و ٢٨). «الأخ لن يفدي الإنسان فداء ولا يعطي الله کفارهٔ عنه و کریمة های فدية نفوسهم فغلقت الى الدهر» (مزمور 49 : ۷و۸). KS 127.4

الغنى والكرامة الأرضية لا يستطيعان إشباع النفس. إن كثيرين من بين الأغنياء يتوقون إلى اليقين الإلهي والرجاء الروحي. كثيرون يتوقون إلى ما يجعل نهاية الروتينية في حياتهم التي بلا هدفا . وكثيرون في الحياة الرسمية يحسون بالحاجة إلى ما لا يملكونه. فقليلون منهم يذهبون إلى الكنائس ، لأنهم يحسون أنهم في الكنيسة لا يستفيدون كثيرا. والتعليم الذي يسمعونه لا يمس قلوبهم . أفلا تقدم دعوة شخصية لهم؟ KS 128.1

وبين ضحايا العوز والخطية يوجد من كانوا قيلاً يملكون ثروة. إن رجالا من ذوي المهن المختلفة والمقامات المختلفة قد انقلبوا من فساد العالم يتعاطى الخمر والانغماس في الشهوات، فسقطوا في التجربة. ففي حين أن هؤلاء الساقطين يحتاجون إلى العطف والعون فلا يجب توجيه بعض الاهتمام إلى من لم يحذروا بعد إلى تلك الأعماق وإنما هم سائرون على نفس النهج ؟ KS 128.2

إن ألافاً ممن يشغلون مراكز ذات مسؤولية وكرامة هم منغمسون في عادات فيها الدمار للنفس والجسد. خدام الإنجيل و الساسة والكتاب ، وأصحاب الغنى والمواهب ، والرجال ذوو القدرة في دنيا التجارة ، والقوة على النفع هم في خطر قاتل لأنهم لا يرون ضرورة لضبط النفس في كل شيء. وهم بحاجة إلى من يوجه انتباهه إلى ضرورة الاعتدال وضبط النفس، لا بطريقة ضيقة أو تعسفية، بل في تور قصد الله العظيم من تحويني الإنسان - فلو وضعت أمامهم مبادئ الاعتدال وضبط النفس الحقيقي لكان يوجد كثيرون من الطبقات الراقية الذين يعترفون بقيمتها ويقبلونها بكل إخلاص . KS 128.3

علينا أن نبين لهؤلاء الأشخاص نتيجة الانغماس الضار في إضعاف القوة الجسمية والعقلية والأدبية. اقتلوهم بمسؤوليتهم كوكلاء على عطايا الله. بينوا لهم مقدار الخير الذي كان يمكنهم أن يمدوه بالمال الذي ينفقونه الآن فيما يزول إلى ضررها فقط. ثم قدموا لهم عهد الامتناع التام طالبين منهم تكريس المال الذي ينفقونه على الخمر أو النبع أو الانغماس في الشهوات ، الإسعافات المرضى المساكين أو التعليم الأولاد والشباب ليكونوا نافعين في العالم. ومثل هذا الالتماس لن يرفضه إلا القليلون . KS 128.4

وهناك خطر آخر يتعرض لها الأثرياء على الخصوص ، وهذا يجد الطبيب المرسل ميدانا للعمل ، فكثيرون ممن هم ناجحون في العالم والذين لا يحترمون أنفسهم بارتكاب أشكال الرذيلة الشائعة يتعرضون للهلاك عن طريق حب الغنى والولع بجمع المال ، إن الكأس التي يصعب حملها ليست هي الكأس الفارغة بل هي الكأس الملأى إلى حافتها. فهذه الكأس هي التي تحتاج إلى وزنها وضبطها بكل حذر. إن البلايا والضيقات تجلب للإنسان الخيبة والحزن ولكن النجاح هو أخطر شيء على الحياة الروحية. KS 128.5

إن من يقاسون من الضائقات ترمز إليهم العليقة التي رآها موسى في البرية والتي مع أنها كانت تشتعل بالنار لم تحترق . فلقد كان ملاك الرب حالا في وسط العليقة. فكذلك نحن عندما اكتشفنا الضيقات والبلايا. إن مجد حضوره غير المنظور يكون معنا يعزينا ويعضد. في غالب الأحيان تطلب الصلاة لأجل المتأهلين من المرض أو الضيق، ولكن صلاتنا لازمة أشد اللزوم لأجل من أعطى لهم النجاح والنفوذ. KS 129.1

في وادي الاتضاع حيث يحس الناس بحاجتهم ويعتمدون على الله لإرشاد خطواتهم تكون لهم سلامة تتناسب وموقفهم. ولكن الذين يقفون كما يبدو فوق برج عال ، والذين ، نظرا إلى مركزهم ، ينتظر أن تكون عندهم حكمة عظيمة - هؤلاء يتعرضون لأشد المخاطر. فما لم يجعل هؤلاء الناس الله أكلهم فإنهم ، لا محالة، ساقطون. KS 129.2

إن الكتاب لا يدين إنساناً لكونه غنياً إذا كان قد حصل أمواله بالأمانة. ليس المال بل محبة المال هي أصل لكل الشرور. إن الله هو الذي يعطي الناس قوة لاصطناع الثروة، وذاك الذي يتصرف كوكيل له وينفق أمواله في غير أنانية فإن المال الذي في يديه يكون بركة لمن يملكه والعالم أيضاً. ولكن كثيرين إذ ينشغلون بالاهتمام بغنى العالم وكنوزه يمسون عديمي الشعور بمطالب الله وحاجات بني جنسهم. إنهم يعتبرون أموالهم وسيلة لتمجيد أنفسهم. إنهم يصلون بيتا ببيت ويقارنون حقلا بحقل، ويملأون بيوتهم بأسباب الترف، بينما حولهم في كل مكان خلائق بشرية تقاسي أهوال الشقاء والجريمة والمرض والموت. فالذين يسلمون أنفسهم بهذه الكيفية إلى خدمة الذات إنما يرون في أنفسهم لا صفات الله بصفات الشرير. KS 129.3

هؤلاء الناس هم بحاجة إلى الإنجيل. وهم بحاجة إلى أن يحولوا أنظارهم بعيداً عن الأمور الباطلة إلى الغنى الباقي الذي لا تقدّر قيمته بثمن. ويحتاجون لأن يتعلموا فرح العطاء وبركة كونهم عاملين مع الله . KS 129.4

والرب وصيفا قائلاً: «أوص الأغنياء في الدهر الحاضر» ألا يلقوا رجاءهم « على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع . وأن يصنعوا صلاحاً وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة وأن يكونوا أسخياء في العطاء كرماء في التوزيع مدخرين لأنفسهم أساساً حسناً للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الاًبدية» (۱ تيموثاوس 6: ۱۷ - ۱۹). KS 129.5

إن الأغنياء محبي العالم وعابديه، لا يمكن اجتذابها إلى المسيح بلمسة عرضية فجائية. هؤلاء الناس كثيراً ما يكون الوصول إليهم صعباً جداً، فينبغي للرجال والنساء المشيعين بالروح الكرازية والذين لن يفشلوا ولن تضعف أمامهم أن يبذلوا مجهود شخصي يا لأجلهم. KS 130.1

إن البعض مؤهلين لخدمة الطبقات الراقية بوجه خاص. فعلى هؤلاء أن يطلبوا من الله الحكمة ليعرفوا كيف يصلون إلى هؤلاء الناس، وألا يكتفوا بالتعرف بهم تعرقاً سطحياً عرضياً، بل عليهم بواسطة المجهود الفردي والإيمان الحي أن يوقظهم وينبه وهم إلى حاجات نفوسهم ، ويرشدوهم لمعرفة الحق كما هو في يسوع . KS 130.2

كثيرون يظنون أنهم لكي يصلوا إلى الطبقات الراقية ينبغي لهم اتخاذ طريقة الحياة والعمل وفق أذواقهم المتألقة، فيظنون أن الظهور بمظهر الثراء ، والمساكن الفخمة، والملابس الغالية الثمن، والأثاثات الثمينة، والبيئة الباذخة ومشاكله العالم في عاداته، والطلاء الصناعي للمجتمع العصري ، والثقافة العالية، والفصاحة في الخطابة - يظنون أن ذلك كله لازم وجوهري. هذا خطأ. إن طريقة السياسة العالمية ليست هي طريقة الله في الوصول إلى الطبقات الراقية. فالذي يمكن من الوصول إليهم بكيفية فعالة هو تقديم إنجيل المسيح لهم بكيفية ملائمة في غير أنانية. KS 130.3

ونحن يمكننا أن نتعلم درساً من اختبار بولس الرسول عندما التقى بفلاسفة أثينا. إن بولس إذ قدم الإنجيل أمام ذلك الجمع المحتشد في أريوس باغوس قرع منطقاً بمنطق وعلماً وعلم وفلسفة بفلسفة. وقد اندهش أحكم سامعيه وأبكم. فلم يمكن سجادة كلامه - ولكن جهوده لم يثمر الثمرة المرجوة. فقليلون هم الذين قبلوا الإنجيل . ومن ذلك الحين اختط بولس لنفسه خطة مختلفة للعمل والخدمة. لقد تجنبي الحجج المتقنة ومناقشة النظريات، بل ببساطة أرشد الرجال والنساء إلى المسيح - كمخلص الخطاة. وقد كتب إلى أهل كورنثوس عن عمله بينهم يقول: KS 130.4

(وأنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة منادياً لكم بشهادة الله. لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً... وكلامي وكرازئي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة. لكي لا یکون ایمان کم بحکمه الناس بل بقوة الله» (۱ کورنثوس ۱:۲. 5). KS 130.5

ومرة أخرى كتب في رسالته إلى أهل رومية يقول: KS 130.6

«لأني لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن اليهودي أولاً ثم لليوناني» (رومية 1: 16). KS 130.7

ليتمسك من يخدمون الطبقات الراقية بالكرامة وعزة النفس الحقيقية، متذكرين أن الملائكة يرافقونه. ولي تزنوا أقوال الله في العقل والقلب. علقوا في قاعة الذاكرة كلام المسيح الثمين . فيجب عليكم أن تعتبروا أثمن من الذهب والفضة. KS 131.1

لقد قال المسيح إن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله . في خدمة هذه الطبقة تعترض الجائعين العمل صعوبات كثيرة ومقالات عديدة. وستكشف أمور محزنة. ولكن كل شيء مستطاع عند الله. إنه يستطيع أن يعمل وسيعمل بواسطة البشرية في عقول الناس الذين كرسوا حياتهم لجمع المال . KS 131.2

توجد معجزات يجب أن تجرى في حوادث تجديد حقيقية، معجزات لا يفهمها أحد الآن . إن عظماء الأرض ليسوا أبعد من أن تصل إليهم قوة الله صانع المعجزات. إذا كان الذين هم عاملون مع الله يقومون بواجبهم بشجاعة وأمانة فالله يغير الناس الذين يحتلون مراكز ذات مسؤولية ذوي الذكاء والنفوذ، بواسطة قوة الروح القدس ميسي قاد كثيرون لقبول المبادئ الإلهية. KS 131.3

إن كثيرين إذ يتضح لهم أن الرب ينتظر منهم أن يكونوا ممثلين له لتخفيف آلام البشرية فإنهم مسيستجييون للدعوة ويقدمون من أموالهم وعطفهم لخير الفقراء. وإذ تنجذب عقولهم بعيدا عن مصالحهم الذاتية فإن كثيرين سي مسلمون ذواتهم المسيح ، في وزنتهم التي هي النقود والمال سيشاركون بقرح في عمل الخير والإحسان مع المرسل المتواضع الذي كان وسيلة الله في خلاصهم. وإذ يستخدمون كنوزهم الأرضية استخداماً صائياً فهم يكنزون لأنفسهم « كنزاً لا ينفد في السموات حيث لا يقرب سارق ولا ييلي سوس». KS 131.4

إن كثيرين إذ يتجددون للمسيح يصيرون اللات في يد الله لخدمة الآخرين من طبقتهم . وهم يحسون أن عمل الإنجيل مسلم بين أيديهم ليقدموه لمن جعلوا هذا العالم تصيبهم وكل شيء بالنسبة لهم. و سيكرس الوقت والمال الله، والوزنات والتأثيرات سيكر ميسان لعمل ريح النقوشا للمسيح . KS 131.5

والأبدية وحدها ستكشف عما قد أنجز بواسطة هذا النوع من الخدمة. وكم من النفوس التي أسقطها الشك وتعبئتها محلية الأمور الدنيوية والقلق أتى بها إلى الشافي العظيم الذي يتوق لأن يخلص إلى التمام كل من يأتون إليه. إن المسيح هو المخلص المقام والشفاء في أجنحته. KS 131.6

«ويضعون أيديهم علي المرضي فيبرأون»