خدمة الشفاء

6/271

٢ - أيام الخدمة

في بيت الصياد في كفرناحوم كانت حماة بطرس مطروحة مريضة قد أخذتها «حمى شديدة. فسالوه من أجلها» فلمس ( يسوع) یدها «فترکتها» الحمى (لوقا 4:38؛مرقس ۱: ۳۰؛ متی ۸: ۱5)، ثم قامت وخدمت الخلص و تلاميذه . KS 15.1

وسرعان ما انتشرت الأخبار. لقد أجريت المعجزة في يوم السبت، والخوف الشعبية من المعلمين لم يجبروا على المجيء في طلب الشفاء حتى غابت الشمس . حينئذ تقاطر سكان المدينة على ذلك البيت الوضيع ، الذي كان فيه يسوع ، من البيوت والحوانيت والأسواق . وكان المرضى يحملون على تقالات، ومنهم من كانوا ینوکاوان على عصيهم او بیستندون علی أذرع أصدقائهم. و هکذا کانو ایسیروا مترنحين بوهن إلى حيث كان المخلص . KS 15.2

وساعة بعد ساعة كان الناس يجيئون ويروحون، لأنه لم يكن أحد يعلم ما إذا كان ذلك الشافي سيظل معهم إلى اليوم التالي أم لا. لم يسبق مدينة كفرناحوم أن شهدت مثل ذلك اليوم . لقد امتلأ الجو بأصوات الانتصار وهتاف النجاة والخلاص . KS 15.3

ولم يتوقف يسوع عن عمله حتى شفي آخر مريض . كان قد مضى شطر طويل من الليل وعندما أنصرف الناس من هناك ، وعاد الهدوء إلى بيت سمعان . ثم انقضى ذلك اليوم الطويل المثير، والتمس يسوع الراحة. ولكن فيما كانت المدينة هاجعة «في الصبح باكراً جداً قام (المخلص ) وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك » (مرقس 1:35). KS 15.4

وفي بكور ذلك اليوم جاء بطرس ورفاقه إلى يسوع قائلين له إن أهل كفرناحوم يفتشون عنه. وكم كانت دهشته عظيمة عندما سمعوه يقول: «إنه ينبغي لي أن ابشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله لأني لهذا قد أرسلت» (لوق 4 :٤3). KS 15.5

ففي غمرة الاهتياج الذي شمل مدينة كفرناحوم وكان هنالك خطر من أن يغيب عن الأنظار الهدف من رسالته، فلم يكن يسوع يقنع ياجتذاب أنتياه الناس إليه كصانع معجزات أو شافي امراض الجسد وحسب ، ولكنه أراد ان يجتذب الناس إليه كمخلصهم. ففي حين كان الناس يتوقون لأن يؤمنوا بأنه قد أني كملك ليقيم ملكاً أرضياً، كان هو يسعى ليحول أفكارهم عن الأرضيات إلى الروحيات. فالنجاح العالمي المجرد سيتدخل مع عمله ويعترضه. KS 15.6

اهتزت روحه أمام دهشة الجميع العديم الاكتراث. وإن حياته لم يخالطها الاعتداد بالذات ، وإن الطاعة والولاء الذين يقدمها العالم لذوي المراكز والثراء والمواهب كانا بعيدين عن ابن الإنسان . إن يسوع لم يستخدم أية وسيلة مما يستخدمها الناس للحصول على ولاء الشعب أو طاعته. فقبل ولادته بعدة قرون جاءت عنه هذه النبوة: «لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفى . إلى الأمان يخرج الحق» (إشعياء 4٢ : ٢ و3). KS 16.1

لقد حاول الفرنسيون أن يشتهروا بواسطة تدقيقهم في التمسك بالطقوس، والافتخار بعبادتهم، وقد برهنوا على غيرتهم على الدين يجعله موضوع مباحثاتهما. وكانت المنازعات بين الفئات المعادية ساخنة وطويلة. ولم يكن أمرا غير عادي أن تسمع في الشوارع ألفاظ الجدال الغاضب من أفواه العلماء وأساتذة الشريعة. KS 16.2

ولكن حياة يسوع كانت على عكس ذلك تماماً. ففي تلك الحياة لم يكن يسمع بالاستحسان. كان المسيح مستتراً في الله، وقد أعلن الله في صفات ابنه، وكان يسوع يرغب في أن تتجه عقول الناس إلى هذا الإعلان . KS 16.3

إن «شمس البر» لم يشرق علي العالم في ملء مجده ونوره ليبهر الحواس بمجده. لقد جاء هذا القول عن المسيح: «خروجه يقين كالفجر» (هوشع 6:3 ). إن نور النهار يشرق على الارض بكل هدوء ولطف مبدد الظلام و موقظا العالم إلى الحياة . هكذا تشرق شمس البر «والشفاء في أجنحتها» (ملاخي 4 : ٢). KS 16.4

«هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سرت به نفسي» (إشعياء 4٢:1). KS 16.5

«لأنك كنت حصناً للمسكين حصناً للبائس في ضيقه ملجاً من السيل ظلاً من الحر» (إشعياء 25: 4). KS 16.6

«هكذا يقول الله الرب خالق السموات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحاً. أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم. لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة» (إشعياء 42 :5-7) . KS 16.7

«وأسيّر العمي في طريق لم يعرفوها. في مسالك لم يدروها امشيهم. أجعل الظلمة أمامهم نورا والمعوجات مستقيمة. هذه الامور افعلها ولا اترکهام» (إشعياء42 :16) KS 16.8

«غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحه من أقصى الأرض . أيها المنحدرين في البحر وملؤه والجزائر وسكانها. لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار. ولتنرنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا ليعطوا الرب مجداً ويخبروا بتسبيحه في الجزائر» (إشعياء 42 : ۱۰- ۱۲). KS 16.9

«ترنمي أيتها السموات لأن الرب قد فعل. اهتفي يا أسافل الأرض اشهدي أيتها الجبال ترنماً الوعر وكل شجرة فيه لأن الرب قد فدى يعقوب وفي إسرائيل تمجد» .(44:23). KS 17.1

إن يوحنا المعمدان من أعماق سجن هيرودس، حيث كان يراقب وينتظر في خيبة أمل وحيرة بالنسبة إلى عمل المخلص أرسل اثنين من تلاميذه إلى يسوع بهذه الرسالة: «أنت هو الآتي أم ننتظر آخر» (متى ۳:۱۱). KS 17.2

ولم يجب المخلص عن سؤال التلميذين في الحال. ففيما كانا واقفين متعجبين من صمته كان المرضى والمتكلمون قادمين إليه. إن صوت ذلك الشافي القدير اخترق الأذن الصماء. إن كلمة منه أو لمسة من يده كانت تفتح العيون العمياء لترى نور النهار ومشاهد الطبيعة ووجوه الاصدقاء ووجه المخلص . وقد وصل صوته إلى آذان المحتضرين فقاموا في ملء الصحة والنشاط ، الذين استبد بهم الجنون أطاعوا كلامه، فزال عنهم جنونهم و سجدوا له. والفلاحون الفقراء والفعلة الذين كان المعلمون ينبذون ويرونهم على اعتبار أنهم ينجزون تجمهروا حوله فكان يخاطبهم بكلام الحياة الأبدية. KS 17.3

وهكذا انقضى النهار وكان تلميذا يوحنا يريان ويسمعون كل شيء. أخيرا دعاهما يسوع إليه وأمرهم بأن يذهبا ويخبرنا يوحنا بما قد رأيا وسمعا، وفي ختام كلامه أضاف هذا القول: «طوبى لمن لا يعثر في» (متى 6:11). وحمل التلميذان الرسالة وكانت فيها الكفاية. KS 17.4

وقد استعاد يوحنا في ذهنه النبوة الواردة عن مسيح: «الرب مسحني لأبشر الساکین أرسلاني الاعصاب منكسري القلب لأنادي المناسبين بالعتق و للمأسورين بالإطلاق لأنادي بسنة مقبولة للرب . . . لأعزي كل النائحين» (إشعياء 61: 1 و ٢). KS 17.5

لقد كان يسوع الناصري هو المسيا الموعود به. وقد ظهر برهان ألوهيته في خدمته حاجات البشرية المتألمة. وقد ظهر مجده في تنازله إلى منزلتنا الوضيعة. KS 17.6

إن أعمال المسيح قضلاً عن كونها قد أعلنت عنه أنه نسبيا فقد أبانت الكيفية التي بها يتأسس ملكوته. لقد كشف ليوحنا عن نفس الحق الذي كشف لإيليا في البرية عندما جاءت «ريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسرت الصخور أمام الرب ولم يكن الرب في الريح . ويعد الريح زلزلة ولم يكن الرب في الزلزلة، وبعد الزلزلة نار و لم یکن الرب في النار» (۱ ملوك ۱۱:۱۹ و ۱۲). و بعد النار کلم الله النبی بصوت منخفض خفيفة. وهكذا كان على يسوع أن يقوم بعمله لا بقلب العروش والممالك ، ولا بالفخامة والمظاهر الخارجية بل بواسطة مخاطبة قلوب الناس بحياة الرحمة و التضحية بالذات . KS 17.7

إن ملكوت الله لا يأتي بمظاهر خارجية. ولكنه يأتي عن طريق رقة ولطف وحي كلمته، بواسطة عمل روحه الخفي، وشركة النفس مع ذلك الذي هو حياتها. إن أعظم مظاهر قوته يرى في الطبيعة البشرية عندما تصل إلى كمال صفات المسيح . KS 18.1

على أتباع المسيح أن يكونوا نور العالم. ولكن الله لا يأمرهم بأن يبذلوا جهداً لكي ينيروا. وهو لا يحبذ أي محاولة مبعثها الاكتفاء بالذات للتظاهر بالصلاح الفائق . ولكنه يرغب في أن تتشرب نفوسهم مبادئ السماء وتقشع بها، وحينئذ فإذا يحتكون بالعالم يشع منهم النور الذي فيهم . وولائهم الثابت في كل عمل من أعمال الحياة سیکون من وسائل الإنارة . KS 18.2

إن الثروة أو المركز السامي والأمانات الغالية والأبنية الفخمة والزخارف ليست شرطاً أساسياً لتقدم عمل الله. ولا الأعمال العظيمة التي تظفر باستحسان الناس والتي تخدم الغرور. إن التظاهر العالمي مهما يكن مهيبا لا قيمة له في نظر الله . إنه يقدر الأشياء المنظورة والزمنية. فهذه لها قيمتها على قدر ما تعبّر عن تلك. إن أثمن إنتاج للفن ليس فيه أي جمال يمكن مقارنته بجمال الخالق الذي هو ثمار عمل الروح القدس في النفس . KS 18.3

إن الله عندما يذل أبنه وأرسله إلى عالمنا منح الخلائق البشرية غني لايزول — غنى لو قورنت به كل ثروات العالم المكنوزة منذ إنشائه واعتبرت كل شيء. لقد أتى المسيح إلى الأرض ووقف أمام بني الإنسان مزودا بـ المحبة الأزلية المذخرة ، وهذا هو الكنز الذي سنحصل عليه عندما نرتبط به ، وعلينا أن نعلنه ونوزعه. KS 18.4

إن المجهود البشري يكون فعالا في عمل الله طبقاً لتقوى الخادم وتكريسه — بإظهار قوة نعمة المسيح على تغيير الحياة. علينا أن تمتاز عن العالم لأن الله قد وضع سمته علينا ولأنه يظهر فينا صفات محبته. إن فادينا يسترنا ببره. KS 18.5

إن الله باختياره الرجال والنساء لخدمته لا يسأل ما إذا كانوا يملكون ثروة عالمية أو علماً أو فصاحة. وإنما جو بسأل: «هل هم يسيرون في طريق الوداعة حتى أعلمهم طريقي؟ وهل يمكنني أن أضع أقوالي في أفواههم ؟ وهل يمثلونني؟». KS 18.6

يستطيع الله أن يستخدم كل إنسان بنسبة ما يستطيع أن يضع من روحه في هيكل النفس. والعمل الذي يقبله هو العمل الذي يعكس صورته. وعلى تابعه أن يحملوا مميزات مبادئه الخالدة التي لا تمحى شهادتهم التي يقدمونها للعالم. KS 18.7