خدمة الشفاء

120/271

٥ - في أحضان الطبيعة

لقد اختار الخالق أبوينا الأولين أنسب بيئة لصحتهم وسعادتهما. فهو لم يضعهما في قصر ولا أحاطها بالزينات وأسباب الرفاهية الكاذبة التي يكافح الكثيرون اليوم في سبيل حيازتها، بل جعلهما على اتصال وثيق بالطبيعة والشركة مع قدوسي السماء . KS 161.1

وفي الجنة التي أعدها الله موطناً لوالديه كانت أنظارهم تقع على الشجيرات الجميلة و الأزهار النضرة في كل إتجاه. كانت توجد أشجار من كل نوع، وكثير منها كانت محملة بالأنبار اللذيذة العطرة، وعلى أغصانها كانت الأطيار نترنم بأغاريد حمدها، وتحت ظلها كانت مخلوقات الأرض تلعب وتمرح بلا خوف. KS 161.2

إن آدم وحواء وهما في حال الطهر كانا مسرورين مما كانا يريان ويسمعون في عدن. وقد عين لهما الله عملهما في الجنة لعملائها ويحفظها (تكوين ٢: 15). وكان عملهما یکسب هما صحة وفرحاکل یوم ، وکان ذالاگا الزوجان السعيدان بر حبان بزيارات خالقهما لهما بفرج ، إذ كان يسير ويتحدث معهما عند هبوب ريح النهار، وكان يعلمهم دروسه يومياً. KS 161.3

إن طريقة المعيشة التي عينها الله أبوينا الأولين فيها دروس لنا. ومع أن الخطية قد ألقت ظلالها على الأرض فإن الله يحب أن يجد أولاده لذتهم وفرحهم في أعمال يديه. ولكما تابعنا تدبير حياتنا بكل دقة، عمل هو كيفية مدهشة جداً في شقاء بني الإنسان المسلمين . إن المرضى بحاجة إلى الاتصال بالطبيعة اتصالا وثيقا، في العيشة في الخلاء في وسط البيئة الطبيعية كفيلة بأن تصنع المعجزات في حياة كثيرين من الرضخ سی العاجز این الذین یکاد لا يرجي لهم شفاء . KS 161.4

إن الضجيج والاهتياج والتشويش الذي يسمع في المدن والحياة المجهدة الكاذبة فيها، هي أمور متعبة ومنهكة للمرضى. والهواء المحمل بالدخان والغبار والغازات السامة و جراثيم المرض خطر على الحياة. والمرضى الذين يُحبسون معظم الوقت بين أربعة جدران يكادون يحسون بأنهم سجناء في غرفاتهم. إنهم يطلعون على البيوت والأرض وجماهير الناس الغادين و الرائحين في عجلة، وهم لا يكادون يلمحون السماء الزرقاء أو نور الشمس أو الأعشاب أو الأزهار أو الأشجار، فإذا يكونون محبوسون هكذا يطلقون العنان للتفكير في آلامهم وأحزانهم ويصيرون فريسة لأفكارهم المحزنة. KS 161.5

أما بالنسبة إلى من هم ضعفاء في القوة الأدبية فإن المدن تزخر بالمخاطر لهم. فقيها يكون المرضى الذين عليهم أن ينتصروا على نهمهم وشهواتهم غير الطبيعية، معرضين للتجربة باستمرار. فهم بحاجة للتواجد في بيئات جديدة فيها يتغير اتجاه أفكارهم بحيث يوضعون تحت مؤثرات تختلف عن تلك التي تحطمت بسببها حياتهم. لينقلوا إلى حين من تحت تلك المؤثرات التي تبعد النفس عن الله جوا أنقى. KS 162.1

والمؤسسات التي تقام لأجل رعاية المرضى يمكن أن تكون أنجح لو أمكن إقامتها بعيدا عن المدن . وبقدر الإمكان، يجب على كل من يطلبون أن تعود إليهم صحتهم أن يذهبوا إلى بيئة ريفية حيث يمكنهم الانتفاع بالعيشة في الخلاه . إن الطبيعة هي طبيب الله. الهواء النقي ونور الشمس المبهج والأزهار والأشجار والبساتين والكروم والرياضة البدنية في الخلاء في وسط هذه البيئة تمنح الصحة والحياة . KS 162.2

وعلى الأطباء والممرضات أن يشجعون مرضاهم على المكوث كثيراً في الخلاء، فالحياة الخلوية هي العلاج الوحيد الذي يحتاجه كثيرون من السقماء. إن لها قوة عجيبة على شفاء الأمراض الناشئة من الاحتياجات والإفراط في التمسك بالحياة العصرية، الحياة التي تضعف قوى الجسم والعقل والنفس وتدمرها. KS 162.3

كم تبتهج تقوس المرضى المتعبين من العيشة في المدينة وتوهج الأنوار الكثيرة وضجة الشوارع - بالهدوء والحرية في الأرياف 1 وبأي شوق وشغف ينصرفون إلى مشاهد الطبيعة! وكم يسرون عندما يجلسون في الهواء الطلق !! وكم يفرحون بنور الشمس ويسلكون عبير شجرة أو زهرة ! توجد خواص تمنح الحياة في بلسان شجرة الصنوبر وفي شذا الأرز والشربين، وتوجد أشجار أخرى لها خاصيات تمنح الصحة وتر دھا للمرضی . KS 162.4

أما من هو مريض بمرض مزمن فلا شيء يؤول إلى استعادة صحته وسعادته العيشة في وسط بيئة ريفية جذابة. هنا يمكن أضعف الناس أن يجلسوا أو يرقدوا تحت أشعة الشمس أو تحت ظلال الأشجار. ما عليهم إلا أن يرفعوا أبصارهم ليروا فوقهم أوراق الأشجار الجميلة. حينئذ يكتنفها إحساس بالاطمئنان والهدوء والانتعاش، عندما يستمعون لها مهمة النسيم. والأرواح الخائرة تنتعش، والقوة المتضائلة تتجدد وبطريقة غير واعية يصير العقل هادئاً، والنبض المحموم يصير أكثر هدوءاً وانتظاماً. فإذ يتقوى المرضى يتجاسرون يخطو بضع خطوات ليجمعوا الأزهار الجميلة التي هي رسل محبة الله ولأفراد أسرته المتألمة هنا على الأرض. KS 162.5

ينبغي ابتكار خطط لإبقاء المرضى في الهواء الطلق . والقادرين على العمل فليعطَ لهم عمل سهل ميسر. أروهم كم ذلك العمل في الهواء الطلق مسار وموافق ومعين لهم ، وشجعهم على استنشاق الهواء النقي ، وعلموهم التنفس العميق ، وأنهم وهم يتنفسون ويتكلمون يمرنون عضلات البطن . هذا تعليم وتدريب سيكون عظيم القيمة لهم جدا. KS 162.6

وينبغي أن توصف التمرينات الرياضية على أنها ضرورة تمنح الحياة. ولأجل مثل هذا التدريب لا شيء أفضل من استنبات الأرض. ليكن للمرضى أحواض زهور يعنوا بها أو عمل يجب عمله في البستان أو حديقة الخضر. فإذ يجدون من يشجعهم على ترك غرفهم وقضاء الوقت في الخلاء لغرس الأزهار أو القيام بأي عمل آخر سهل وميسر، فإن انتباههم سينصرف بعيدا عن أنفسهم وآلامهم. KS 163.1

كلما كثر بقاء المريض في الخلاء خف عبء الرعاية التي يحتاجها. وكلما كانت بيئته مفرحة ومبهجة زاد أمله. فإذ يكون محبوسا في البيت مهما يكن ذلك البيت مزيناً ومؤثثاً بأجمل الأثاث سيزيد ضجره وتبرم وحزنه. ولكن ضعه في وسط الطبيعة الجميلة حيث يستطيع أن يرى الأزهار النامية ويسمع أغاريد الطيور وحينئذ سينطلق قلبه في الشدو والغناء المنسجم مع شدو الطيور. وهكذا يستريح جسمه وعقله، والذهن يستيقظ والخيال ينتعش والعقل يكون مستعدا لتقدير جمال كلمة الله . KS 163.2

ويمكن أن يوجد في الطبيعة دائماً شيء يحول انتباه المريض بعيداً عن أنفسهم ويوجه أفكارهم إلى الله. فإذ يكونون محاطين بأعماله العجيبة تسمو عقولهم فوق الأمور التي ترى إلى الأمور التي لا تُرى، وجمال الطبيعة يقودهم للتفكير في الوطن السماوي حيث أن يكون ما يشوه الجمال، ولا شيء يلوث أو يتلف ، ولا ما وبسبب المرض أو الموت . KS 163.3

ليستنبط الأطباء والممرضات من مناظر الطبيعة دروساً يتعلمها المريض عن الله. يوجهوا أنظارهم إلى من قد صنعت يده الأشجار العالية والأعشاب والأزهار. ولي شجعوهم على أن يروا في كل برعمة وكل زهرة تعبيراً عن محبة الله لأولاده. الذي يعتني الطيور والزهور لابد أن يعتني خلائقه المجبولين على صورته. KS 163.4

وإذ يكون المرضى في الخلاء في وسط الخليقة التي أبدعها الله ينقسمون الهواء المتجدد المعطي الصحة، يمكن إخبارهم عن الحياة الجديدة في المسيح. وفي الخلاء يمكن أن تُقرأ كلمة الله، ويمكن أن يضيء نور بر المسيح في القلوب التي قد أظلمتها الخطية. KS 163.5

يجب أن يكون الرجال والنساء المحتاجين إلى شفاء الجسد والروح على اتصال بمن تستطيع أقوالهم وأعمالهم أن تجذبهم إلى المسيح. يجب أن يكونوا تحت تأثير وإشراف (يسوع) الطبيب المرسل العظيم الذي يستطيع أن يرى النفس والجسد. ويجب أن يسمعوا قصة محبة المخلص والغفران المقدم مجاناً لكل من يقبلون إليه معترفين بخطاباھم . KS 163.6

فتحت مثل هذه المؤثرات يرشد كثيرون من المتأثرين إلى طريق الحياة. وملائكة السماء يتعاونون مع الكائنات البشرية في جلب التشجيع والرجاء والفرح إلى قلوب المرضى والمتألمين. وفي هذه الحالات يتبارك المرضى بركة مضاعفة، وكثيرون منهم يصحون . فالخطوة الواهنة تعود إليها مرونتها والعين تستعيد لمعانها. والينسون يعود إليهم الرجاء. والوجه الذي كان قبلا بائسا تبدو عليه سيماء الفرح . والتشكيلات والتمردات التي كان ينطق بها الإنسان تسمع بدلا منها أنغام الفرح و الرضي. KS 164.1

ومتى استرد الرجال والنساء صحتهم الجسدية يصيرون أقدر على تدريب إيمانهم بالمسيح الذي يضمن سلامة النفس. وإذ يحس الإنسان بغفران خطاياه فيس يملأه السلام والفرح والراحة التي لا يعبر عنها. ورجاء المسيحي الذي كان معتماً بصصل مشرقاً ومثيرا. إن الكلام يعبر عن الاعتقاد والإيمان ، «الله لنا ملجأ وقوة عونا في الضيقات يجد شديدا (مزمور ٤٦ : 1). وأيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي عصاك وعكازك هما يعزي في» (مزمور ٢3 : 4). «يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة » (إشعياء 40 : ٢٩). KS 164.2

لا يمكن لإنسان أن يكون مؤهلا للاضطلاع بتبعات
الحياة بدون أن يعرف مبادئ الصحة