التربيـــة

15/60

المعَلم المرسَل مِن الله

«ویُدعی اسمه عجیبا مشيرا الها قدیرا ابا ابدیا رئیس السلام» ( اشعیاء ۹: ٦ ) Tr 85.1

لقد قدمت السماء في المعلم المرسل من الله افضل واعظم ما لديها . فذاك الذي وقف في مجالس العلي والذي سکن في قدس اقداس مقدس الله السرمدي کان هو المختار ليعلن البشرية معرفة الله بنفسه Tr 85.2

فعن طريق المسيح وصلت كل شعاعة من اشعة النور الالهی الى عالمنا الساقط . فهو الذی تکلم فی کل من قد اعلنوا کلمة الله للانسان مدی کل العصور ۰ و کل الکمالات التي تجلت في حياة اعظم واشرف الناس الذين عاشوا على الارض ان ھی الا انعکاسات من کمالاته . فطهارة يوسف و حبه للخیر ، وایمان موسی ووداعته و طول اناته ، و ثبات الیشع ، واستقامة دانيال النبيلة وحزمه ، وغيرة بولس وتضحيته ، والقوة العقلية والروحية المتجلية في كل هؤلاء الرجال ، وفى کل من عاشوا علی الارض ، لم تکن اکثر من شعاعات بسيطة من بهاء مجده . لقد كان هو المثل الاعلی الکامل Tr 85.3

فلکی یعلن ھذا المثال کالقیاس الوحید للبلوغ، ولکی یری ما یمکن ان یصیر الیه کل انسان ، و ما یمکن ان يصير اليه كل من قبلوه بواسطة حلول الله في الانسان ـ لاجل هذا اتی المسیح الی العالم . لقد اتی لکی یرینا کیف يتربى الناس کما یلیق بابناء الله ، وکیف انهم و هم علی الارض يمارسون مبادىء السماء ويعيشون حياة أبناء السماء Tr 86.1

لقد اعطيت اعظم هبات السماء لمواجهة اعظم حاجة للانسان . وقد ظهر النور عندما كانت ظلمة العالم على أشدها . فبسبب التعليم الكاذب ظلت عقول الناس مرتدة عن الله امدا طويلا . وفي النظام السائد في التربية احتلت الفلسفة البشرية مکان الاعلان الالهی . وبدلا من مقیاسں الحق المعطى من السماء قبل الناس مقياسا من اختراعهم . لقد ارتدوا عن نور الحياة ليسيروا في شرار النار التي قد او قدوها Tr 86.2

فاذ انفصلوا عن الله جاعلين قوة البشرية معتمدهم لم تكن قوتهم بالحقيقة الا ضعفا . وحتى المقياس الذي و ضعوه بانفسهم عجزوا عن الوصول الیه . و انعدام التفوق الحقيقي سد فراغه بالمظهر والادعاء . فالمظهر حل في مكان الحقيقة Tr 86.3

وبين حين وآخر قام معلمون وجهوا عقول الناس الى مصدر الحق . وقد نطق بمبادىء صالحة ، وقد شهدت حیاۃ الناسں لقوتها، ولکن هذه الجهود لم یکن لها تأثیر دائم . لقد صد تیار الشر وقتا قصيرا ولکان سیره فی طريق الانحدار لم يوقف . كان المصلحون كأنوار اضاءت في الظلمة ولكنهم لم یستطیعوا طردها لقد «احب الناس الظلمة اکثر من النور» ( یوحنا ۳ : ۱۹ ) Tr 87.1

عندما جاء المسيح الى الارض كان يبدو أن البشرية تسرع فی الانحدار الی الحضیض . فحتی اسسں المجتمع قوضت . والحياة صارت زائفة وكاذبة . واليهود اذ كانوا مجردين من قوة كلمة الله قدموا للعالم التقاليد والآراء المخدرة للعقول والمميتة للنفوس . وعبادة الله «بالروح و الحق» ازیحت و احتل مکانها تمجید الناس فی روتین لا ينتهي من الطقوس التي من صنع الناس . وفي جميع انحاء العالم اضاعت نظم الدين سيطرتها على العقل والنفسں . فاذ اشمأز الناس من الخرافات والاكاذیب وحاولوا اغراق عقولهم اتجهوا الى الالحاد والمذهب المادي . واذ استبعدوا الابداية من حسابهم عاشوا للزمن الحاضر Tr 87.2

واذ كفوا عن الاعتراف بما هو الهي كفوا عن اعتبار ما هو بشري . فالحق والكرامة والاستقامة والثقة والرافة بدأت ترحل عن الارض . والطمع الذي لا يعرف الرحمة والطموح المتغلغل تولد عنهما عدم الثقة بين الجميع . و فکرة الواجب والتزام القوة قبل الضعف ، والعظمة الانسانية و الحقوق الانسانية القي بها جانبا كحلم او خرافة. وعامة الشعب اعتبروا کالدواب حاملات الاثقال او کآلات واحجار للوصول الی الطلموح . وقد طلب الناس الغنی والقوة والراحة والانغماس في الملذات كالخير الاعظم ، واشتهر العصر بالانحطاط الجسدي والخبل العقلي والموت الروحي Tr 87.3

واذ ابعدت الاهواء الشريرة والنوايا الآثمة الله عن افکار الناس ، فنسيانهم له امالهم باکثر قوة نحو الشر . ان القلب المحب للخطية قد البس الله نفس صفاته ( صفات القلب ) الخاطئة وهذا التصور زاد من قوة الخطية . واذ مال الناس لارضاء انفسهم جعلوا يعتبرون الله كواحد منهم — کائنا هدفه مجد الذات ، مطالبيه توافق مستراته ، كائنا یر فع الناس أو يضعهم حسبما يساعدون أو يعطلون اغراضه النفسیة . ان الطبقات الادنی اعتبرت الکائن الاسمی و کانه لا یکاد یختلف عن مضطهدیهم الا بتفوقه علیهم فی القوة . و قد شکل کل طقس من طقوس الديانة بهذه الآراء . فكل منها كان نظاما للابتزاز . فبواسطة العطايا والطقوس حاول العابدون استرضاء الله حتى یظفروا برضاه التحقیق اغراضهم . مثل هذا الدین اذ لم یکن له سلطان علی القلب او الضمیر لم یکن الا سلسلة من الطقوس التي ضجر الناس منها ، والتي لولا الربح الذي بیمکن ان یقدمه لکانوا یتوقون للتحرر منه . وهکذا اذ لم یکبح الشر فقد تقوی و تشدد ، فی حین ان تقدیر الخیر واشتهاءه قد تناقص وتقلص . ان الناس قد اضاعوا صورة الله وقبلوا بدلا منها صورة القوة الشيطانية التي سیطرت علیهم . لقد امسی العالم کله بؤرة فساد Tr 88.1

ولم يبق للبشرية غير رجاء واحد ـ وهو أن توضع خميرة جديدة في وسط هذه الكتلة من العناصر المتنافرة والمفسدة ، وان يؤتى الى الجنس البشري بقوة حياة جديدة ، وان تعود الى العالم معرفة الله Tr 89.1

وقد جاء المسيح ليعيد هذه المعرفة . جاء ليلقي جانبا التعليم الكاذب الذي بواسطته شوه صورة الله اولئك الذين ادعوا انهم یعرفونه . جاء لیظهر طبیعة شریعته ولیعلن في صفاته جمال القداسة Tr 89.2

اتى المسيح الى العالم بالمحبة المتجمعة منذ الازل. فاذ اكتسح التعديات التي عطلت شريعة الله ابان ان الناموس انما هو المحبة وهو تعبير عن صلاح الله . وقد أبان أن في الطاعة لمبادئه تنحصر سعادة الجنس البشري ومعه ثبات و نفس اساس وھیکل المجتمع الانسانی Tr 89.3

ان شريعـة الله التي حاشا لها ان تفرض مطاليب تعسفیه هي معطاة للناس کسیاج و ترس . فکل من یقبل مبادئها يحفظ من الشر . ان الولاء الله يتضمن الولاء للانسان ۰ و هکذا تحفظ الشریعة حق کل انسان وشخصیته . وهي تردع السید عن الظلم ، والعبيد او الخادم عن العصيان ، وهي تؤمن سعادة الانسان في هذا العالم والعالم الآتي . وهي تضمن للمطيع الحياة الابدية لانها توضح المبادئ الباقية الى الابد Tr 89.4

لقد جاء المسیح لیبرهن علی قیمه المبادئ الالهیة باعلان قوتها في تجديد البشرية ، جاء ليعلمنا كيف تنمو هذه المبادئ و تطبیق Tr 90.1

بالنسبة لاهل ذلك العصر كانت قيمة كل الاشياء یحددها و یحکم فیها المظهر الخارجی. واذ انحط الدین وتضعضع فقد زاد في ابهته . ومعلمو ذلك العصر حاولوا ان يفرضوا الاحترام بالتظاهر والباهاة . ولكن حياة یسوع کانت علی نقیض هذا کله بشکل ملحوظ . و قد اثبتت حیاته تفاهة کل تلك الامور التی کان الناس یعتبرونها الامور الجوهرية العظيمة في الحياة. فاذ ولد في بيئة سمجة جدا و عاش بیت قروی و قاسم القرویین حیاتهم واحترف حرفة احد الصناع وعاش کانسان مغمور خامل الذکر وربط حياته بحياة الناس الكادحين المجهولين - ففي وسط هذه الظروف وهذه البيئة ـ تابع يسوع الترتيب الالهي في التربية. انه لم یلهب الی المدارس التي کانت قی عصره تعظم الاشياء الحقيرة وتحقر الاشياء العظيمة. فقد تلقی تربیته مباشرة من الصادر التی عینتها السماء ، من العمل النافع ومن درس الاسفار المقدسة ومن الطبيعة ومن اختبارات الحياة - الكتب المدرسية المعينة من الله الملأی بالتعالیم الکل من يأتون الیها بید راغبة و عین با صرة وقلب فاهم Tr 90.2

«و کان الصبی ینمو ویتقوی بالروح ممتلئا حکمة وكانت نعمة الله عليه» ( لوقا ٢ : ٤٠ ) Tr 90.3

فإذ اعد هكذا خرج الى رسالته وعمله , وفى كل لحظة احتلك فيها بهم كان يبذل جهدا وتأثيرا وقوة ليبارك ، قوة للتغيير ، قوة لم يسبق للعالم قط أن شاهدها أو كان له عهد بها Tr 91.1

ان من يحاول ان يغير البشرية عليه هو أن يفهم البشرية. انما عن طريق العطف والايمان والمحبة يمكن الوصول الى الناس ورفع شأنهم . هنا یقف المسیح متجلیا کمعلم المعلمين ، فمن بین کل من عاشوا علی الارض کان هو وحده الذى فهم وعرف النفس البشرية فهما كاملا Tr 91.2

«لان لیسں لنا رئیسں کھنة» _ معلم المعلمين ، لان الکهنة کانوا معلمین «لیس لنا رئیس کهنه غیر قادر ان يرثى لضعفاتنا , بل مجرب فى كل شئ مثلنا بلا خطيه» (عبرانیين ٤ : ١٥) Tr 91.3

«لانه في ما هو قد تألم مجربا يقدر ان يعين المجربين» ( عبرانیین ۲: ۱۸ ) Tr 91.4

ان المسیح هو وحده الذي اختبر کل الاحزان والتجارب التي أحدقت ببنى الانسان . لم يسبق لاي انسان آخر مولود من امرأة أن احدقت به التجربة بمثل تلك الشدة ، ولم يسبق لشخص آخر أن حمل مثل ذلك العبء الثقيل عبء خطية العالم و آلامه . ولم یکن شخص آخر غيره له عواطف رقيقة اتسعت لجميع الناس . فكشريك فى اختبارات البشرية امكنه لا أن يرثي فقط لكل نفس مثقلة و مجربه و مکافحة بل ایضا ان یشارکها فی شعورها Tr 91.5

وقد عاش بموجب ما ملئم به. فقد قال لتلاميذه : «اعطایتکم مثالا حتی کما صنمتٔ انا بکم تصنعون انتسم ایضا» «حفظت وصایا ابی» ( یوحنا ۱۳ : ه ۱ ؛ ه ۱؛١٠ ) . وهكذا فغي حياة المسيح وجد كلامه شرحنا مستفيضا ودعامة قوية . زد على ذلك انه عاش بموجب ما علم به. فان کلامه کان تعبیرا لا عن اختبار حیاته وحسب بل ايضا عن اخلاقه وصفاته. انه لم يعلم الحق فقط بل کان هو الحق . هذا ما اضفی علی تعلیمه قوة Tr 92.1

کان المسیح موبخا أمينا . فلم یعش قبله شخصں آخر ، لا قبله ولا بعده ابغض الشر مثله ، ولم يعش شخص آخر نبذ الشر بلا خوف مثلما فعل هو . كان حضوره توبیخا صارما لکل ما هو کاذب وسافل . وفى نور طهارته رای الناس نجاستهم ، ورأوا اهداف حیاتهم منحطة وكاذبة . ومع ذلك فقد اجتذبهم . فذاك الذي قد خلق الانسان عرف قيمة البشرية. وقد فضح الشر على انه عدو للذین کان یسعی لیبارکهم ویخلصهم . وفی کل کائن بشري مهما کان مبلغ سقوطه رای ابنالله ، و انسانا یمکن ان یعود الی امتیاز الشرکة مع الهه والاتصال به Tr 92.2

«لم یرسل الله ابنه الی العالم لیدین العالم بل لیخلص به العالم» ( یوحنا ۳ : ۱۷ ) . ان المسیح اذ نظر الی الناس فی آلامهم و انحطاطهم رای اساسا للرجاء حیث لم یکن یری غیر الیأس والھلاك . فاینما وجد احساس بالحاجة رأى هو قرصة للرفع والانهاض . والنفوس المجربة المنهزمة التي احسنت بأنها هالكة وموشكة على الهلاك قابلها - هو ولكنه لم يجابهها بالتشهير بل بالبركة Tr 92.3

وقد كانت التطويبات هي تحيته للأسرة البشرية كلها . فاذ تطلع الى الجمع الغفير المجتمع ليستمع الى موعظته التي القاها من فوق الجبل كان بيدو في تلك اللحظة انه نسي انه لم يکن فی السماء فاستخدم التحية المالوفة في عالم النور . ومن بین شفتیه تدفقت البرکات کاندفاق الماء من نبع مختوم امدا طويلا Tr 93.1

فاذ حول وجهه بعیدا عن محبي العالم الطماعین المكتفين بذواتهم اعلن ان اولئك الذين مع انهم في عوز عظيم یقبلون نوره وحبه هم مطوبون . و قد بسط ذراعیه الی المسا کین بالروح و الحزانی والمضطدین قائلا : ” تعالوا الى. . . وانا اریحکم ” (متی ۱۱ :۲۸ ) Tr 93.2

وقد رای کل انسان امکانیات لا حد لھا . رأي الناس کما یمکن ان یکونوا متغیرین بنعمته — «نعمة الرب الهنا» ( مزمور ٩٠ : ۱۷ ) . فاذ نظر الیهم برجاء فقد الهم الثقة . واذ اعلن في ذاته المثل الاعلى الحقيقي للانسان ايقظ في الناس الشوق والايمان لبلوغه. وفي محضره عرفت النفوس المحتقرة والساقطة انها لا تزال بشرا و تساقت لان تبرهن علی استحقاقها لاحترامه وتقديره . وفي كثير من القلوب التي بدا انها ميتة عديمة الشعور بکل ما هو مقدس استیقظت نوازع جدیدة . و کثیرون من الیائسین انفتحت امامهم امکانیه الحیاة الجديدة Tr 93.3

ربط المسیح الناس الی قلبه بریط المحبة والتکریس ، وبنفس تلك الربط ربطهم ببني جنسهم . كانت المحبة بالنسبة اليه هي الحياة ، الحياة هي الخدمة . وقد قال : «مجانا اخذتم مجانا اعطوا» ( متی ١٠ : ۸ ) Tr 94.1

ان المسيح لم يضـَّح بنفسه لاجل البشرية على الصليب فقط ، فاذ : «جال یصنع خیرا» ( اعمال ١٠ : ۳۸) فاختبار کل یوم کان تکریسا لحیاته. مثل هذه الحیاة یمکن أن «تسند بطريقة واحدة . لقد عاش يسوع معتمدا على الله وفي شركة معه . ان الناس يحتمون تحت ستر العلي وفى ظل القدیر بین حین و آخر» وهم یبیتون هناك الى حین والنتیجة تظهر فی الاعمال النبیلة ، ثم یخیب ایمانهم والشركة تنقطع وعمل الحياة يتلف . أما حياة يسوع فكانت حياة ثقة دائمة وكانت تسندها الشركة المستمرة ، ولذلك كانت خدمته للسماء بعيدة عن كل فشل او تردد Tr 94.2

وکانسان کان یتضرع امام عرش الله حتی لقد شحنت بشريته بتيار سماوي ربط البشرية بالالوهية . فاذ اخذ الحياة من الله منحها الناس Tr 94.3

«لم یتکلم قط انسان هكذا مثل هذا الانسان» ( يوحنا ٧ : ٤٦ ) . كان يمكن أن يصدق هذا على المسيح لو انه علم فقط في نطاق الامور الجسدية والعقلية او عن الامور النظریة والفکریة فحسب . کان یمکنه ان یکشف عن الاسرار التی کان یحتاج الکشف عنها الی اجیال من التعب والدرس للاطلاع عليها. وكان يمكنه أن يبدي مقترحات في النواحي العلمیه یمکن ان تظل الی انقضاء الدهر مورد غذاء للفكر وحافزا للاختراع . ولكنه لم يفعل هذا . فهو لم یقل شيئا یشبع به الفضول او یحفز ویشیر الطموح الاناني . ولم يعالج النظريات المعنوية ولكنه عالج الامور انجوهرية لاجل نمو الخلق ونضوجه ، وما يوسع من افق قدرة الانسان على معرفة الله وزيادة مقدرته على عمـل الخير . فقد تحدث عن تلك الحقائق المتعلقة بتصرفات الانسان في الحياة والتي توصل الانسان بالابدية Tr 94.4

وبدلا من أن يوجه الشعب لدراسة نظريات الناس عن الله وکلمته واعماله علمهم ان يروه کما هو ظاهر فی أعماله وكلمته وبواسطة اعماله عنايته . وقد جعل عقولهم تلامس فكر الله السر مدي Tr 95.1

ان الناسں «بهتوا من تعليمه لان کلامه کان بسلطان» ( لوقا ٤ : ٢٣ ) . لم یسبق لانسان من قبل ان تکلم هکذا بسلطان حتی یوقظ الفکر ویضرم الشوق ویوقظ کل مقدرة في الجسم والعقل والنفس Tr 95.2

ان تعلیم المسیح کعواطفه احتضن العالم . لا یمکن ان يكون هنالك ظرف من ظروف الحياة او أزمة في الاختبار البشري لم یتوقعها و لم یقدرها قی تعلیمه ولم یکن لها درس فى مبادئه . ان معلم المعلمین سیکون کلامه مرشدا لزملائه في الخدمة الى انقضاء الدهر Tr 95.3

وبالنسبة اليه كان الحاضر والمستقبل والقريب والبعید شيئا واحدا . لقد کانت امامه حاجات بنی الانسان . وامام عین ذهنه امتد کل مشهد من مشاهد المسعی البشري وکل عمل عظیم ، و مشاهد التجربة والصراع والارتباك والخطر . وکل القلوب والبیوت والمسرات والافراح والمطامح كانت معروفه لديه Tr 95.4

وهو لم يتكلم فقط لاجل كل الجنس البشري بل ايضا خاطبهم . فقد خاطب الطفل الصغير في بهجة صباح الحياة ، وقلب الشاب المشتاق غير المستریح ، والرجال في عـــز قوتهم وهم يتحملون اعباء المسؤوليات والهموم , والمتقدمين فى الايام فى ضعفهم و اعیائهم - فقد قدمت رسالته الی الجميع - لکل ابن من بني الانسان فی کل ارض وفی کل عصر Tr 96.1

وقد استوعب تعليمه امور الزمان الحاضر وامور الابدیة - الامور التی تری فی علاقتها بمالا یری ، الاحداث العابرة في الحياة العادية والنتائج الخطيرة في الحياة العتيدة انها أمور ثانوية بالنسبة الى المصالح الابدية ، الا انه لم يتجاهل اهميتها . وقد علم ان السماء والارض مرتبطتان معا , وان معرفة الحق الالهي تعد الانسان أعدادا افضل لاتمام واجبات الحياة اليومية Tr 96.2

ولم يكن يعتبر اي شيء بدون قصد . فملاهي الطفل واشغال الرجل ، مسرات الحياة وهمومها وآلامها ، كانت كلها وسائل الغاية الواحدة - اعلان الله لاجل رفع شأن البشرية Tr 96.3

و کانت کلمة الله تخرج من شفتیه لتصل الی القلوب بقوة جديدة ومعنى جديد ، وقد جعل تعليمه امور الخليقة تبدو في نور جديد . وظهر على وجه الطبيعة من جديد لمحات من ذلك البهاء الذي قد طردته الخطية. وفي كل حقائق الحياة واختباراتها اعلن درس الهي وامكانية الشركة مع الله . و مرة اخری سکن الله علی الارض ، و قد احسبت قنوب بني الانسان بحضوره ، واحاطت محبته بالعالم . لقد نزلت السماء الى الناس. وفي المسيح اعترفت قلوبهم بذاك الذي قد كشف لهم عن علم الابدية : «عمانوئيل . . . الله معنا» Tr 96.4

وفي المعلم المرسل من الله يتركز كل عمل تربوي حقيقي. ان المخلص يتحدث عن هذا العمل اليوم بكل يقين كما قد تحدث عن العمل الذي اتمه منذ اكثر من ثمانية عشر قرنا (* ) . ويقول : «انا هو الاول والآخر والحي» « انا هو الالف والیاء البدایة والنهایة» (رؤیا ۱ : ۱۷ ؛ ۱ ۲ : ٦) Tr 97.1

ففي حضرة مثل هذا المعلم ، ومثل هذه الفرصة التربية الالهیة فأي غباء أردأ من أن يحاول الانسان الحصول على تربیة بعیدا عنه ، وان یحاول ان یکون حکیما بعیدا عن الحكمة . وان تكون صادقا في حين انك ترفض الصدق ، وأن تطلب الاستنارة بعيدا عن النور ، والوجود بدون الحياة ، وان تنصرف عن نبع المياه الحية وتنقر لنفسك آبارا مشققة لا تضبط ماء Tr 97.2

ھاھولا یزال يدعو : «ان عطش احد فلیقبل الَی ویشرب . من آمن بی کما قال الکتاب تجري من بطنه انهار ماء حي» «الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حیاة ابدیة» ( یوحنا ٧ : ۳۷ و ۳۸ ؛١٤:٤) Tr 97.3