التربيـــة
دانیال سفير السماء
ان دانیال ورفاقه و هم فی بابل ، کان یبدو ان الحظ یحالفهم فی شبابهم و کان يبدو انهم اسعد حظا من یوسف في سني حياته الاولى في مصر ، ولكنهم مع ذلك تعرضوا لامتحانات لا تقل قسوة عما تعرض هو له . فلقد نقل هؤلاء الشبان الذين كانوا من النسل الملكي من البساطة النسبية في وطنهم اليهودي الى أعظم المدن والى بلاط أعظم ملوکها ، و قد افرزوا لیتربوا علی ان یکونوا خدام الملك الخصوصیبین ۰ و کانت التجارب التی احاطت بهم في ذلك البلاط الفاسد المترف قوية وشديدة. ان حقيقة كونهم وهم عبدة الرب ، قد أسبوا الى بابل ، وان آنية بيت الله وضعت فی هیکل آلهة بابل ، وان ملك اسرائیل کان هو نفسه اسيرا بين ايدي البابليين ، جعلت المنتصرين يتناقلون تلك الاخبار متفاخرین کدلیل علی ان دینهم و عوائد هم اسمی من دين العبرانيين وعوائدهم . ففي مثل تلك الظروف وعن طريق نفس الاهانات التي أوجبها ارتداد العبرانيين عن وصايا الله ، قدم الله البرهان لبابل على سلطانه المطلق و علی قداسه مطالیبه وعلی النتیجة الحتمیة للطباعة . و قد قدم هو هذه الشهادة على أنها هي وحدها التي يمكن تقديمها عن طريق اولئك الذين ظلوا ثابتين على ولائهم Tr 63.1
وفي بدء حياة دانيال ورفاقه “قدم لهم امتحان حاسم . ان الامر القاضي بان يقدم لهم طعامهم من علی ولیمة الملك كان تعبیرا عن رضی الملك واهتمامه بسعادتهم وهنائهم . ولكن حيث ان قسما منه قد أقدم للاوثان فان الطعام الذي کان یؤخذ من علی مائدۃ الملك کان مکرسا للاوثان ، فلو اکل هؤلاء الشبان من الطعام المقدم هبة من الملك فانهم يعتبرون مشتركين معه في تقديم السجود الآلهة الكاذبة ، ان الولاء لله منعهم من الاشتراك في مثل هذا السجود ، كلا ولا تجاسروا على تحمل خطر تأثير الترف والانغماس في الملذات المضعف لنضجهم البدني والعقلي والروحي Tr 63.2
کان دانیال و رفاقه قد تعلموا بکل امانة مبادیء کلمة الله . و قد تعلموا بان یضحوا بالارضیات فی سبیل الروحیات وان يطلبوا الخير الاسمى . وقد حصدوا الجزاء . فان عادات التعفف وضبط النفس التي تمسكوا بها وشعورهم بالمسؤولية کنواب الله ساعدت علی انبل نضوج لقوی الجسم والعقل والنفسي . وفي نهاية مدة تدريبهم عند امتحانهم مع غيرهم من الطلبة المرشحين لكرامات المملكة «لم یوجد بینھم کلھم مثل دانیال و حنینیا ومیشائیل و عزریا» (دانیال ۱ : ۱۹ ) Tr 64.1
وفي بلاط بابل اجتمع ممثلون من كل البلدان ، صفوة الرجال من ذوي المواهب النادرة ، رجال موهوبون بمواهب طبيعية فذة وقد تلقوا أسمى ثقافة يمكن للعالم أن يقدمها ، ومع ذلك ففي وسط كل أولئك لم يكن من يباري هؤلاء الاسرى العبرانيين . ففي قوة البدن والجمال وفي النشاط. العقلی وق علوم الادب وقفوا فى مرکز لا یدانیهم فیه احد. Tr 64.2
«وفي كل امر حكمة فهم الذي سألهم عنه الملك وجدهم عشرة اضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملکته » ( دانیال ۱ : . ۲) ان دانيال اللي کان ثابتا علی ولائه لله وغير متسـاهل في سيطرته على نفسه فان عزة نفسه ونبله ورعايته اللطيفة - کل ذلك آکسبه ق شبابه «رضی و محبة» رئیس الشرطة الوثني الموكول اليه أمر حراسته. فنفس هذه الصفات امتازت بها حیاته کلها . وسرعان ما ارتقی الی منصب رئیس وزراء الملکة. ومددی سنی ملك الملوك اللین اعتلوا العرش الواحد في أثر الآخر ، وسقوط الامة وقيام مملكة اخری منافسه لها کانت حکمته و حسن سیاسته و لیاقته ولطفه عظيمة وممتازة جدا . ، كما ان طيبة قلبه الخالصة ممتزجة بولائه لبادئه کانت عظیمة الی اقصی حد حتی ان اعداءه انفسهم اضطروا الاعتراف بانهم . «لم یقدر وا ان بجد وا علة ولا ذنبا لانه کان امینا» ( دانیال٦ : ٤) Tr 64.3
وحين تعلق دانيال بالله في ثقة ثابتة فان روح القوة النبویة حل علیه . و فى حین ان الناس اکرموه بمسؤولیات البلاط الملكي وأسرار المملكة ، فقد اكرمه الله باعتباره سفيرا له وعلمه قراءة اسرار الاجبال المستقبلة. والملوك الوثنيون عن طريق معاشرتهم لممثل السماء هذا أجبروا على الاعتراف باله دانيال . فقد أعلن نبوخذنصر قائلا : «حقا ان الهكم اله الألهه ورب الملوك وكاشف الاسرار ». وداريوس فى نداءه الذى وجهه الى «كل الشعوب والامم والالسنه الساكنين فى الارض كلها» مجد «اله دانيال. . . الاله الحى القيوم الى الابد وملكوته لن يزول» الذى «ينجى وينفذ ويعمل الآيات والعجائب فى السموات وفى الارض» ( دانیال ۲ : ٤۷ ؛ ٦ : ۲٥ — ۲۷) Tr 65.1