التربيـــة

60/60

القسم (9) - الدّراسَة العُليَا

مَدرَسَة الحَيّاة الأخرى

السماء مدرسة . وميدان الدراسة فيها هو الكون ، ومعلمها هو الاله السرمدي . وقد افتتح فرع من هذه المدرسة فی جنة عدن ، وحیث قد اکمل تدبیر الفداء فستستأنف التربية ثانية في المدرسة جنة عدن Tr 352.1

” ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله اللذین یحبونه ” ( ۱ کور نثوس ۲ : ۹ ) . لا يمكن معرفة هذه الامور الا عن طريق كلمة الله ، وحتى هذه لا تقدم لنا الا أعلانا جزئيا Tr 352.2

أن يوحنا الرائي يصف لنا هكذا موقع مدرسة الحياة الاخری : Tr 352.3

“ثم رأيت سماء جديدة وأرضا جديدة لان السماء الاولی والارض الاولی مضتا . . . وانا یوحنا رأیت المدینة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهیأة کعروس مزینة لرجلها” (رؤیا ۲۱ : ۱ و ۲) Tr 352.4

والمدینة لا تحتاج الى الشـمس و لا الى القمر لیضیئا فيها لان مجد الله قد أنارها والخروف سراجها ” ( رؤيا 21: 22 ) Tr 353.1

وبين المدرسة التي انشئت في عدن في البدء ومدرسة الحياة الاخرى تنحصر كل مدة تاريخ هذا العالم ـ تاريخ العصيان والآلام والذبيحة الالهية والنصرة على الموت والخطية . وليست كل ظروف تلك المدرسة الاولى في عدن ستوجد في مدرسة الحياة الاخرى . فلن توجد شجرة معرفة الخير والشر لتقدم فرصة للتجربة ولا يوجد هناك مجرب و لا امكانیه لارتكاب الخطإ . فکل خلق قد صمد أمام تجربة الشر ، ولا واحد عاد قابلا للتأثر بقوته Tr 353.2

من يغلب فسأعطيه ان يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله ” هذا ما یقوله المسیح (رؤیا ۲ : 7 ) . أن أعطاء شجرة الحياة في عدن كان مشروطا ، ثم اخذت أخيرا . ولكن هبات الحياة المستقبلة هي قاطعة وابدية Tr 353.3

أن النبي يشاهد : ” نهرا صافيا من ماء حياة لامعا كبلور خارجا من عرش الله والخروف ” ” وعلی النھر من هنا ومن هناك شجرة حياة ” ( رؤيا ٢٢ : 1 و ٢ ) Tr 353.4

وشعبك کلھم أبرار ۔ الى الابد یرثون الارض غصن غرسی عمل یدی لا تمجد ” ( اشعیاء 60 : ۲۱ ) Tr 353.5

ان الانسان اذ یعود الى محضر الله سیتعلم منه کما في البدء ، ” لذلك يعرف شعبي اسمي . . . يعرفون اني انا هو المتكلم . هأنذا ” ( اشعیاء 52 : 6 ) Tr 353.6

هو ذا مسكن الله مع الناس وهو سیسكن معهم وهم یکونون له شعبا والله نفسه یكون معهم الها لهم ” ( رؤیا 21 : 3 ) Tr 354.1

” هؤلاء هم الذين اتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف . من أجل ذلك هم امام عرش الله ویخدمونه نهارا و لیلا فی هیکله . . . لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر لان الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم الى ينابيع ماء حية ” ( رؤيا 7 : 14 — 7 ) Tr 354.2

” فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه ” الآن نعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سنعرف كما عرفنا ( ۱ کورنثوس ۱۳ : ۱۲ ) Tr 354.3

” وهم سینظرون وجهه و أسمه علی جباههم ” ( رؤیا 22 : 4 ) Tr 354.4

وهناك عندما يرفع البرقع الذي يحجب كل شيء عن انتظارنا وتری عیوننا عالم الجمال ذاك الذي لا نری منه الآن سوی لمحات بواسطة المجهر ، وعندما ننظر الى أمجاد السموات التي نتفرس فيها الان بواسطة المنظار المقرب ، وعندما ترفع ضربة الخطية فان الارض كلها ستبدو في ” جمال الرب الهنا ، فما أعظم الحقل الذي يتسع أمام دراستنا ! هناك يمكن لطالب العلم ان يقرأ قصة الخلق ولا یری ما یذكره بناموس الشتر . ویمكنه أن یستمع الى موسیقی أصوات الطبيعة ولا يلاحظ صوت عویل او صوت الحزن المنخفض . ویمكنه فی کل الخلائق ان یتتبع كتابة واحدة ـ في الكون الواسع يشاهد ” اسم الله مكتوبا ” ولن تبقى في الارض أو البحر أو السماء علامة واحدة من علامات الشر Tr 354.5

وهناك يحيا الناس حياة جنة عدن ، الحياة في الجنة والحقل : ” یبنون بیوتا ویسكنون فیها ویغرسون کروما ویا کلون أثمارها . لا یبنون و آخر یسکن ولا یغرسون وآخر یأکل . لانه کأیام شجرة أیام شعبی ویستعمل مختاريَّ عمل ایدیهم ” ( اشعیاء 15 : ۲۱ و ۲۲) Tr 355.1

ولن يكون هنالك شيء مؤذٍ : « لا يؤذون ولا يهلكون فی کل جبل قدسی قال الرب » ( اشعیاء 65 : 25 ) . وهناك يسترد الانسان ملكيته الضائعة وتعود الخلائق الدنیا لتعترف بسلطانه ، والشرس یصیر لطیفا والجبان الجافل يغدو واثقا Tr 355.2

وسیبسط امام الطالب تاريخ محیط غير محدود وثروة لا يعبر عنها ، وهنا فمن المركز الممتاز الذي لكلمة الله سیشاهد الطالب منظر میدان التاریخ الواسع و قد یكتسب بعض المعرفة عن المبادئ التي تحکم مجری الاحداث البشرية . ولكن رؤيته لا تزال مشوبة ومعرفته ناقصة . والی ان یقف فی نور الابدیة لن یری کل شیء جلیا Tr 355.3

وحینئذ سيكتشف أمامه تاریخ الصراع العظیم الذی ولد قبلما بدأ الزمن ، والذي لن ينتهي أو يكف الا عند انتهاء الزمن . ان تاريخ ظهور الخطية والاكذوبة القاتلة في عملها الملتوي ، والحق الذي اذ لم ينحرف عن طرقه القويمة واجه الضلال وهزمه ــ کل شیء سیصير ظاهراً . والحجاب الذي يتوسط بين العالم المنظور وغير المنظور سیُرفع وستعُلن عجائب Tr 355.4

ولن ندرك ما نحن مدينون به لرعاية ملائكة الله ما لم تر اعمال عنايته في نور الابدية . أن تلك الخلائق السماوية كان لها دور كبير فعال ناشط في شؤون الناسں . کانوا یظهرون فی ثیاب تلمع کالبرق ، وجاءوا في زي المسافرين عابري الطريق ، وقبلوا أن يستضافوا في بيوت الناس ، وقد قاموا بدور المرشدين للمسافرين الذين دهمهم الظلام . وقد احبطوا قصد المفسد واطاحوا بضربة المهلك Tr 356.1

وکثیرا ما کان الملائكة کلیمین فی مجالس ملوك وحكام هذا العالم وان كانوا لم يعرفوا ذلك . وقد رآهم الناس بعیونهم وأصغوا بآذانهم الى مرافعاتهم . وفي قاعة المجلس وفي دار القضاء ترافع رسل السماء مدافعين عن دعوى المضطهدين والمظلومين . لقد هزموا النوايا وأوقفوا الشرور التي كان يمكن أن تجلب الظلم والآلام لشعب الله واولاد الله . وسينكشف كل هذا للطلبة في المدرسة السماوية Tr 356.2

وسيدرك كل مفدى خدمة الملائكة في حياته . فالملاك الذی کان حارسا له منذ طفولته الباكرة، والملاك الذی راقب خطواته وستر رأسه في يوم الخطر ، والملاك الذي کان معه فی وادي ظلال الموت واللي لاحظ مکان راحته والذي كان أول من حياه ، في صباح القيامة ـ ما أجمل التحدث معه لمعرفة تاريخ تدخل الله في حياة الفرد ، وتعاون السماء في كل عمل لاجل خير البشرية ! Tr 356.3

وکل ارتباکات اختبار الحیاۃ ستتضح حینئذ . فحیث لم يظهر لنا غير التشويش والخيبة والمقاصد المحطمـة والخطط المعطلة سيُرى غرض جليل سائد ومنتصر ، وتناسق الهي Tr 357.1

وهناك كل من قد خدموا بروح الايثار سيرون ثمرة تعبهم . وسيری عمل کل مبدإ سلیم وکل عمل نبیل . ونحن نری بعضا من هذا هنا . ولکن ما اقل ما یری من نتیجة انبل عمل في هذه الحياة لمن قد عمله ! وما أكثر من يتعبون بروح الایثار وبدون کلال لاجل من لا یمكنهم الوصول الیهم ولا يعرفونهم فالوالدون والمعلمون يضطجعون ويرقدون وقدتهم الاخيرة ويبدو وكأن عملهم كان باطلا ، وهم لا يعلمون أن أمانتهم قد فتحت ینابیع البرکة التی لا تكف عن الجریان ، أنما بالایمان فقط یمكنهم أن یروا الاولاد الذين ربوهم يصيرون بركة وإلهاما لبني جنسهم ، وتأثيرهم يتكرر الف مرة . وكثيرا ما يحدث أن خادما يقدم للعالم رسائل القوة والرجاء والشجاعة ، وكلاما يحمل بركة لقلوب الناس فی کل قطر ، ولکن لانه یكدح وحیدا ومغمورا فهو لا يعرف الا القليل عن النتائج . وهكذا تمنح العطايا وتحمل الاعباء و يعمل العمل. فالناس يلقون البذار الذي یحصد منه الآخرون محاصیل مبارکة من فوق قبورهم . وقد یغرسون اشجارا قد یأکل الآخرون ثمرها . انهم قانعون بان يعرفوا هنا انهم قد بدأوا يحركون عوامل للخير . وفي الابدية. سيُرى الفعل ورد الفعل لهذه كلها Tr 357.2

في كل عطية منحها الله لترشد الناس لاعمال الايثار يوجد سفر محفوظ في السماء . فلاجل متابعة هذا في فروعه المتشعبة ، ولكي ننظر الى أولئك الذين بواسطة جهودنا و صلوا الى حالة السمو والنبل ، و کوننا نشاهد في تاريخهم تفاعل المبادئ الصالحة ـ هذا سيكون أحد دراسات ومكافآت المدرسة السماوية Tr 358.1

هناك سنعرف كما أعرفنا . وهناك ستجد المحبة والعواطف التي قد غرسها الله في النفس أصدق وأحلى تدریب . أن الحدیث الطاهر مع الخلائق المقدسة والحياة الاجتماعية المتناسقة مع الملائكة المباركين ومع الامناء الذين عاشوا في كل الاجيال ، والشركة المقدسة التي تربط ( كل عشيرة في السماء وعلى الارض ) معا - كل هذا سیکون ضمن اختبارات الحیاۃ الاخری Tr 358.2

وستكون هناك موسیقی وأغان , وهي موسیقی وأغان لم تسمعها أذن ولا خطرت على بال انسان الا في رؤى الله « ومغنون کعازفین کل السكان فیك » ( مزمور ۸۷ : ۷ ) . « هم یرفعون أصواتهم ویترنمون لاجل عظمه الرب » ( أشعیاء 24 : 14 ) Tr 358.3

” فان الرب قد عزی صهیون . عزی کل خربها ویجعل بریتها کعدن وبادیتها کجنة الرب . الفرح و الابتهاج یوجدان فیھا. الحمد وصوت الترنم “(أشعیاء 51 : 3 ) Tr 358.4

وهناك تنمو وتنضج کل قوة فینا وکل مقدرة تزید . وأسنی المشاريع ستنفذ وتتقدم الى الامام . وستتحقق أسمی المطامح وسیصل الانسان الى اعلی ما یصبو الیه . ومع ذلك ستنهض ذری أمامنا لنرتقبها وعجائب لنعجب بها وحقائق لندركها ومقاصد جديدة لتسترعي قوى العقل والجسم والنفس Tr 359.1

و کل کنوز الكون ستكشف لدراسة اولاد الله . وبسرور لا يعبر عنه سندخل الى فرح الخلائق غير الساقطة وحكمتها . وسنأخذ نصیبنا من الكنوز التی جمعت مدی أجیال بعد أجیال صرفت فی التأمل فی عمل الله . واذ تمر سنو الابدیة وتعاقب ستظل تجلب اعلانات امجد ” اکثر جدا مما نطلب او نفتكر ” ( افسس ۳ : 20 ) ، الى الابد سیكون توزیع هبات الله Tr 359.2

« وعبیده یخدمونه » ( رؤیا ۲۲ : ۳ ) . ان الحیاة علی الارض هي بداية الحياة في السماء . والتربية على الارض هي الدخول الى مبادئ السماء . وعمل الحياة هنا هو تدريب لعمل الحياة هناك . وما نكون عليه الان من خلق و خدمه مقدسة هوا الرمز الاكید لما سنکون علیه Tr 359.3

” ابن الانسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم ” ( متى 20 : ٢٨ ) . أن عمل المسيح على الارض هو عمله في السماء . ومجازاتنا لاجل عملنا معه في هذا العالم ستكون قوة أعظم وامتيازا اوسع للعمل معه في العالم الآتي Tr 359.4

« انتم شهودي يقول الرب وانا الله » ( أشعیاء 43 : ۱۲ ) . وهذا أیضا ما سنكونه في الابدیة Tr 359.5

لاي سبب سمح الصراع العظیم ان یستمر مدی الاجیال ؟ ولماذا لم یقطع وینهی وجود الشیطان عند بدء عصيانه ؟ ذلك لكي تقتنع المسكونة بعدالة الله في معاملته للشر . حتى تدأن الخطية دينونة أبدية. في تدبير الفداء توجد مرتفعات وأعماق لا يمكن للابدية نفسها أن تستوعبها او تستنفدها ، وعجائب تشتهي الملائكة ان تطلع عليها . ان المفديين هم وحدهم من بين جميع الخلائق الذين عرفوا في اختبارهم الصراع الفعلي مع الخطية . وقد عملوا مع المسيح ودخلوا في شركة آلامه الامر الذي لم يستطعه الملائكة انفسهم ، افلا تكون لديهم شهادة من ناحية علم الفداء ـ مما ليس ذا قيمة للخلائق غير الساقطة ؟ Tr 360.1

“لكي يعرف الآن عند الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة ” ” وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات . . . ليظهر في الدهور الآتية غنى نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح يسوع ” ( افسس ۳ : 10 ؛ ۲ : 6 و ۷) Tr 360.2

” فی هیکله الكل قائل مجد ” ( مزمور ۲۹ : ۹ ) . والترنیمة التی سیترنم بها المفدیون ــ الترنیمة التی هی من واقع اختبارهم ـ ستعلن مجد الله : ” عظيمة وعجيبة هي أعمالك ايها الرب الاله القادر على كل شيء عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين . من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك لانك وحدك قدوس ” ( رؤيا 15 : 3 و 4 ) في حياتنا هنا مع انها أرضية ومغلولة بالخطية فان أعظم فرح واسمى تربية هما في الخدمة .وفي الحالة المستقبلة الغير المقيدة بحدود البشرية الخاطئة في الخدمة يوجد أعظم فرح وأسمى تربية لنا — الشهادة , وطالما نحن نشهد نتعلم من جديد ” غني مجد هذا السر في الامم الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد ” ( كولوسي 1 : 27 ) Tr 360.3

“لم يظهر بعد ماذا سنكون . ولكن نعلم انه اذا أظهر نكون مثله لاننا سنراه كما هو ” ( 1 يوحنا 3 : 2 ) . Tr 361.1

وحينئذ فسيرى المسيح في نتائج عمله مجازاته . ففي ذلك الجمهور العظيم الذي لم يستطع أحد أن يعده , والذي سيحضر ” أمام مجده بلا عيب في الابتهاج ” ( يهوذا 24 ) فذاك الذي ويشبع ” ( أشعياء 53 : 11 ) Tr 361.2

*****