التربيـــة
التربَية والخٌلق
أن التربية الحقة لا تتجاهل قيمة المعرفة العلمية او العلوم الادبية ولكنها تقدر القوة اكثر من المعلومات ، وتقدر الصلاح اکثر من القوة ، و تقدر الخلق فوق العلوم العقلية . ان العالم لا يحتاج الى رجال ذوي عقول جبارة قدر حاجته الى رجال ذوي أخلاق نبیلة . یحتاج الى رجال فیهم يسيطر المبدأ على المقدرة Tr 265.1
” الحكمة هي الرأس. فاقتن الحكمة ” . ” لسان الحکماء يحسن المعرفة” ( أمثال 4 : 7 ؛ 15 : ٢ ) . والتربية الحقة تمنح هذه الحكمة . انها تعلمنا ان نستخدم أفضل استخدام لا قوة واحدة بل كل قوانا ومعلوماتنا. وهكذا هی تشمل کل محیط التزامنا - لانفسنا وللعالم ولله Tr 265.2
ان بناء الخلق هو اهم عمل وکل الى بنی الانسان ، و لم یسبق من قبل ان کانت دراسته هامه کما هی الان . ولم يسبق لاي جيل سابق أن دعي لمواجهة مثل هذه الاحداث الخطيرة ، ولم يسبق للشبان والشابات ان جابهتهم مخاطر هائلة كالتي تجابههم اليوم Tr 265.3
ففي وقت كهذا في اي اتجاه تتجه التربية المعطاة ؟ والی اي باعث بوجه النداء ؟ الى طلب ما للذات . ان كثیرا من التربية التي تعطى هي تحريف وتشويه لاسمها. وفي التربية الحقة يجد الطموح الاناني والجشع في طلب السلطان واغفال حقوق الانسانية واحتياجانها ، التي هي لعنة عالمنا ، تأثيرا معاكسا . ان تدبير الله للحياة فيه مجال لكل انسان . فعلی کل واحد ان یستثمر وزناته افضل استثمار ، والامانة في عمل هذا ، سواء أكانت الهبات قليلة أو كثيرة تؤهل الانسان للكرامة . ففي تدبير الله لا مجال للتنافس الاناني . فالذين يقيسون انفسهم ععلى انفسهم ويقابلون انفسهم بانفسهم لا یفهمون ( ۲ کورنثوس ۱۰ : ۱۲ ) . فأي شیء نفعله یجب ان بعمل : « کانه من قوة یمنحها الله » ( ۱ بطرس: ۱۱ ) . فیجب ان يعمل ” من القلب کما للرب لیس للناس عالمین انکم من الرب ستأخذون جزاء المیراث . لانكم تخدمون الرب المسیح » ( كولوسي 3 : 23 و ٢٤ ) . ثمينة هي الخدمة التي تقدم والتربية التي تكتسب بتنفيذ هذه المبادئ . ولكن ما اعظم البون الشاسع بين هذه التربية وكثير من أنواع التربية التي تعطى في هذه الايام ! فمنذ الطفولة يتعلم الصغار حب المناظرة والمنافسة ، وهذه تلد الاثرة التي هي أصل لكل الشرور Tr 266.1
وهكذا تخلق المشاحنات في طلب السيطرة والسيادة ويشجع نظام ” الحشو ” الذي في حالات كثيرة جدا يدمر الصحة ويجعل الانسان غير اهل للنفع . وفي حالات اخرى كثيرة تقود المنافسة الى الخيانة ، واذ يتربى بسبب ذلك الطموح والتذمر فهذا يمرر الحياة ويملأ العالم بتلك الارواح الضجرة المهتاجة التي هي تهديد دائم للمجتمع و Tr 266.2
الخطر لیس قاصرا علی الاسالیب وحدها بل هو يوجد ايضا في مواد الدراسة نفسها Tr 267.1
ما هي الاعمال التي ترشد عقول الشباب للتفكير فيها مدى السنين التي يكون العقل والمشاعر أثناءها اسرع في قبول المؤثرات ؟ وفي دراسة اللغة والادب من اي الينابيع يتعام الشباب ان ينهلوا ؟ من آبار الوثنية ومن الينابيع التي تغذيها مفاسد الوثنية القديمة . ويطلب منهم ان يدرسوا كتب المؤلفين الذين أعلن عنهم انهم لا يكترثون لمبادئ الفضيلة Tr 267.2
وما اکثر الكتـَّاب العصریين الذین یمكن ان یقال عنهم نفس هذا الكلام ! وما اكثر الذين اتخذوا حسن اللغة وجمالها ستارا او قناعا يخفون تحته المبادئ التي في قبحها وتشوهها الحقيقي تنفر القارئ ! Tr 267.3
وفضلا عن هؤلاء توجد جمهرة من كتـَّاب القصص الخياليه التي تغري بالاحلام المفرحة في قصور الراحة . هؤلاء الكتاب قد لا یكونون معرضین لتهمة الفساد , ومع ذلك فان كتبهم ملأى بالشــر . ان ذلك يسلب آلافا فوق آلاف من الوقت والنشاط والتدریب الذی تتطلبه مشاکل - الحياة العنيفة الصارمة Tr 267.4
وفي دراسة العلم كما هو متبع عادة توجد مخاطر عظيمة كتلك . فضلالة النشوء وما شاكلها من الضلالات الى الكلية. وهكذا نجد أن دراسة العلم التي يجب أن تقدم معرفة الله هي ممتزجة بآراء ونظريات الناس بحيث تنتهي الى الالحاد Tr 268.1
بل حتی درس الكتاب کما بقدم فی المدارس فی اغلب الاحيان انما يسلب من العالم كنز كلمة الله الذي لا يُقدر بثمن . ان عمل الانتقاد الاعلی (Higher Criticism) فی التشریح والتخمین واعادة التكوین انما یدمر الایمان بالكتاب كالاعلان الالهي ، وهو يسلب من كلمة الله القوة على ان تسيطر على حياة الناس وترفعها وتلهمها Tr 268.2
واذ یخرج الشباب الى العالم لمواجهة غوایاته لارتكاب الخطية التي هي شهوة كسب المال وحب اللهو والانغماس في الخطية وحب التظاهر والترف والاسراف والاحتيال والخداع والسرقة والدمار ، فما هي التعاليم التي تلاقيها في هذه ؟ Tr 268.3
أن ضلالة مناجاة الارواح تزعم أن الناس هم انصاف آلهه غیر ساقطین وان « کل عقل سیحكم علی نفسه » . وان « المعرفة الصحيحة تضع الناس فوق كل قانون » وان « کل الخطایا التی ترتكب هی بریئة » لان « کل ما يحدث هو صواب » و « الله لا يدين » . وهي تصور احط بني الانسان كمن هم في السماء ، وهناك يحصلون على کرامة عظیمة . وهكذا هی تعلن لجمیع الناس : « لا یهم ماذا تفعاون ، عیشوا کما یحلو لكم ، فالسماء موطنکم » . وجماهير غفيرة من الناس يغرر بهم ليعتقدوا ان الشهوة هي اسمى قانون ، وان الاباحية هي الحرية ، وأن الانسان مسؤول امام نفسه فقط Tr 268.4
فاذ يعطى مثل هذا التعليم في مستهل الحياة عندما تكون النزعات علی اشدها والحاجة شدیدة و ملحه لكبح الذات والتمسك بالطهارة فاین توجد حصون الفضيلة ؟ وما الذي يمنع العالم من أن يصير كسدوم ؟ Tr 269.1
وفی نفسیں الوقت تحاول الفوضی ان تكتسح کل قانون ليس فقط القوانين الالهية بل البشرية أيضا. ان تركيز الثروة والسلطان والاحتكارات لكی یفتنی اقلیة علی حساب اكثرية ، واتحادات الطبقات الفقيرة للدفاع عن مصالحها وحقوقها ، وروح القلق والشغب وسفك الدماء ونشر نفس التعاليم التي أدت الى الثورة الفرنسية ، في كل العالم ـ كل هذا موشك أن يجعل العالم كله يشتبك في صراع شبيه بذالك الذي اوقع فرنسا في الاضطراب Tr 269.2
هذه هي القوی التي سیواجهها شباب اليوم . فلكي يصمدوا امام مثل هذه الاضطرابات عليهم الان ان يضعوا أسس الخلق Tr 269.3
فی کل جیل و فی کل قطر نجد ان الاساس السلیم ونموذج بناء الخلق لم يتغيرا . ان القانون الالهي القائل “لا تحب الرب الهك من كل قلبك . . . وقربك مثل نفسك ” ( لوقا 10 : ٢٧ ) ، المبدأ العظيم الظاهر في صفات المخلص وحياته هو الاساس الراسخ والمرشد الامين Tr 269.4
“أمان أوقاتك وفرة خلاص وحكمة ومعرفة ” (اشعياء 33 : ٦ ) ــ تلك الحكمة والمعرفة التي تقدمها كلمة الله وحدها Tr 270.1
ان القول : « لان ذلك حكمتكم وفطنتكم أمام أعين الشعوب » ( تثنیة 4 : 6 ) یصدق الان کما کان عندما قيل للعبرانيين عن الطاعة لوصايا الله Tr 270.2
هنا الحصن الوحيد لاستقامة الفرد وطهارة البيت وسعادة المجتمع ورسوخ الامة . ففي وسط كل ارتباكات الحياة ومخاطرها ومطالبها المتضاربة فان القانون الوحيد الامین والاکید هو العمل بما یقوله الله : « وصایا الرب مستقيمة » و « الذي يصنع هذا لا يتزعزع الى الدهر » ( مزمور ۱۹ : ۸ : 15 : 5 ) Tr 270.3