الأنبياء والملوك
الفصل الثالث والثلاثون —سفر الشريعة
إن المؤشرات الصامتة والقوية في ذات الوقت التي كانت تعمل عن طريق رسائل الأنبياء فيما يختص بالسبي البابلي عملت كثيراً لإعداد الطريق لإصلاح حدث في السنة الثامنة عشرة من ملك يوشيّا. فحركة الإصلاح هذه التي كانت عاملاً من عوامل تجنيب الأمة وقوع الدينونة والأحكام الإلهية إلى حين، حدثت بكيفية غير منتظرة بواسطة اكتشاف ودراسة جزء من الأسفار المقدّسة، ظلّ لسنوات عديدة تتناوله يد الضياع والإهمال. AM 315.1
وقبل ذلك بما يقارب مئة عام، عند ممارسة الفصح لأول مرة بواسطة حزقيا، عمل تدبير بأن يُقرأ جهاراً من سفر الشريعة كل يوم في مسامع الشعب بواسطة الكهنة المعلّمين. فممارسة الفرائض التي كتبها موسى وعلى الخصوص تلك المعطاة في كتاب العهد الذي كوّن جزءاً من سفر التثنية، هو الذي جعل حكم حزقيا ناجحاً. ولكن منسى تجرأ على إلقاء هذه القوانين جانباً. وفي غضون سني ملكه ضاعت نسخة الهيكل من سفر الشريعة بسبب الإهمال واللامبالاة. وهكذا ظلّ الشعب لسنوات طويلة محروماً بصفة عامة من التعاليم المدوّنة فيه. AM 315.2
وقد وجد حلقيا رئيس الكهنة السفر الذي ظلّ ضائعاً أمداً طويلاً، عندما كانت تُجرى في الهيكل إصلاحات وترميمات واسعة النطاق تمشيّاُ مع خطّة الملك يوشيا لحفظ ذلك البيت المقدّس. وقد سلّم رئيس الكهنة السفر الثمين إلى شافان الكاتب المتعلّم الذي قرأه ثمّ أخذه إلى الملك وأخبره عن كيفية العثور عليه. AM 315.3
وقد تأثر يوشيّا تأثراً عميقاً عندما سمع لأول مرة الإنذارات والتحذيرات المسجّلة في هذا السفر القديم وهي تُقرأ على مسامعه. لم يسبق له أن تحقق تماماً من الوضوح الذي به وضع الله أمام شعبه “ الحياة والموت. البركة واللعنة“ (تثنية 30 : 19). وكيف ألحّ الرب عليهم مراراً عديدة كي يختاروا طريق الحياة ليصيروا تسبيحة في الأرض وبركة لكل الأمم. وقد أوصى موسى الشعب قائلاً: ”تشدّدوا وتشجعوا لا تخفوا ولا ترهبوا لأن الرب إلهك سائر معك لا يهملك ولا يتركك“ (تثنية 31 : 6). AM 316.1
وقد توافرت في السفر تأكيدات الله بأنه يريد أن يخلّص إلى التمام كل من يثقون فيه ثقة كاملة. فكما أعطاهم النجاة من عبودية مصر كذلك كان سيعمل بقوة على توطينهم في أرض الموعد وترسيخ أقدامهم فيها، وجعلهم في رأس أمم الأرض. AM 316.2
وقد رافقت رسائل التشجيع المقدّمة جزاء للطاعة. نبوّات عن أحكام ستحلّ بالعصاة. فعندما سمع الملك تلك الأقوال المُوحى بها لاحظ في الصورة المعروضة أمامه حالات شبيهة بتلك الموجودة في مملكته. لقد أفزعت هذه الصورة النبوية الملك إذ وجد تصريحات واضحة تدلّ على أن يوم البلية قادم سريعاً، وأن لا علاج لتلك الحالة. كان الكلام واضحاُ لا التباس فيه. وفي ختام السفر توضّحت الأمور أكثر من مرة في معاملات الله مع شعبه في تلاوة حوادث المستقبل. وكان موسى قد أعلن في مسامع الشعب قائلاً: AM 316.3
”انصتي أيتها السموات فأتكلّم ولتسمع الأرض أقوال فمي. يهطل كالمطر تعليمي ويقطر كالندى كلامي. كالطلّ على الكلاء وكالوابل على العشب. إني باسم الرب أنادي أعطوا عظمة إلهنا. هو الصخر الكامل صنيعه. إن جميع سبله عدل. إله أمانة لا جور فيه صديق وعادل هو“ (تثنية 32 : 1 — 4). AM 317.1
”اذكر أيام القدم وتأملوا سني دور فدور. إسأل أباك فيخبرك وشيوخك فيقولوا لك. حين قسم العلي للأمم حين فرق بني آدم نصب تخوماً لشعوب حسب عدد بني إسرائيل. إن قسم الرب هو شعبه. يعقوب حبل نصيبه. وجده في أرض قفر وفي خلاء مستوحش خرب. أحاط به ولاحظه وصانه كحدقة عينه“ (تثنية 32 : 7 — 10) AM 317.2
ولكن إسرائيل ”رفض الإله الذي عمله وغبي عن صخرة خلاصه. أغاروه بالأجانب وأغاظوه بالأرجاس. ذبحوا لأوثان ليست الله. لآلهة لم يعفوها أحداث قد جاءت من قريب لم يرهبها أباؤكم. الصخر الذي ولدك تركته ونسيت الله الذي أبدأك“. AM 317.3
”فرأى الرب ورذل من الغيظ بنيه وبناته. وقال احجب وجهي عنهم وانظر ماذا تكون آخرتهم. إنهم جيل متقلب أولاد لا أمانة فيهم. هم أغاروني بما ليس إلهاً. أغاظوني بأباطيلهم. فأنا أغيرهم بما ليس شعباً. بأمة غبية أغيظهم“. AM 317.4
”اجمع عليهم شروراً وانفذ سهامي فيهم. إذ هم خاوون من جوع ومنهكون من حمى وداء سام“ AM 317.5
”إنهم أمة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم. لو علّقوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم. كيف طرد واحد ألفاً ويهزم اثنان ربوة لولا أن صخرهم باعهم والرب سلمهم. لأنه ليس كصخرنا صخرهم ولو كان اعداؤنا القضاة“. AM 318.1
”أليس ذلك مكنوزاً عندي مختوماً عليه في خزائني؟ لي النقمة والجزاء. في وقت تزلّ أقدامهم. أن يوم هلاكهم قريب والمهيآت لهم مسرعة“ (تثنية 32 : 15 — 21، 23، 24، 28 — 31، 34، 35). AM 318.2
فهذه الأقوال وأمثالها كشفت ليوشيّا عن محبة الله لشعبه وكراهته للخطيئة. فإذ قرأ الملك النبوات عن الدينونة السريعة التي ستحلّ بالذين يصرّون على العصيان ارتعب خوفاً مما سيأتي به المستقبل. كان ضلال شعب يهوذا وزيغانهم عظيماً، فماذا تكون مغبّة ارتدادهم الطويل الأمد؟ AM 318.3
لم يكن الملك في السنين السالفة عديم الاكتراث للوثنية المتفشيّة: ”وفي السنة الثامنة من ملكه إذ كان بعد فتى“ كرّس نفسه بالتمام لخدمة الله وعبادته. وبعد ذلك بأربع سنوات حين بلغ العشرين من العمر بذل جهداً عظيماً في إبعاد التجربة عن رعاياه إذ ”ابتدأ يطهر يهوذا وأورشليم من المرتفعات والسواري والتماثيل والمسبوكات. وهدموا أمامه مذابح البعليم وتماثيل الشمس التي عليها من فوق قطعها وكسر السواري والتماثيل والمسبوكات ودقّها ورشّها على قبور الذين ذبحوا لها. واحرق عظام الكهنة على مذابحهم وطهر يهوذا وأورشليم“ (2 أخبار الأيام 34 : 3 — 5). AM 318.4
وإذ لم يقنع الملك الشاب بهذا العمل الكامل العظيم الذي عمله في أرض يهوذا، وسّع دائرة عمله إلى أجزاء فلسطين التي كان يسكنها الأسباط العشرة في إسرائيل، ولم يكن باقياً إلا شراذم قليلة. والكتاب يقول إنه فعل الشيء ذاته ”في مدن منسى وأفرايم وشمعون حتى ونفتالي“. ولم يرجع إلى أورشليم إلا بعد ما طاف في كل هذا الإقليم ذي البيوت المهدّمة طولاً وعرضاً و ”هدم المذابح والسواري ودقّ التماثيل ناعماً وقطع جميع تماثيل الشمس في كل أرض إسرائيل“ (2 أخبار الأيام 34 : 6، 7). AM 318.5
وهكذا حاول يوشيّا منذ بكور أيام رجولته أن يستفيد من مركزه كملك بتعظيم مبادئ شريعة الله المقدسة. والآن فإذ كان شافان الكاتب يقرأ له من سفر الشريعة اكتشف الملك في هذا السفر كنزاً للمعرفة، وحليفاُ قوياً في عمل الإصلاح الذي كان يتحرق شوقاً إلى إجرائه في البلاد. وقد عقد العزم على السير في نور مشوراته وأن يفعل كل ما في مقدوره ليعرّف شعبه بمطالب الشريعة وتعاليمها وأن يقودهم إلى إكرام شريعة السماء ومحبّتها ما أمكنه ذلك. AM 319.1
ولكن هل كان من الممكن تحقيق الإصلاح اللازم؟ كاد شعب إسرائيل أن يستنزف صبر الله واحتماله، وكان الله سيقوم لمعاقبة من جلبوا على اسمه العار، وقد بدأ غضبه يشتعل على الشعب. فإذ كان الحزن والرعب قد غمرا قلب يوشيّا مزّق ثيابه وسجد أمام الله في انسحاق روحه طالباً الغفران للأمة الجاحدة القاسية القلب. AM 319.2
وفي ذلك الحين كانت خلدة النبية ساكنة في أورشليم قرب الهيكل. فإذ كان عقل الملك مكتنفاُ بالتشاؤم والجزع لجأ إليهم وصمم أن يسأل الرب عن طريق هذا الرسول المختار ليعرف إذا أمكن، مدة فعالية الوسائل التي في مقدوره استخدامها لإنقاذ شعب يهوذا الذين كانوا حينئذ على حافة هاوية الدمار بسبب شرورهم. AM 319.3
إن خطورة الموقف واحترامه للنبية جعلاه يختار رسله إليها من أكابر مملكته، وقال لهم: ”اذهبوا اسألوا الرب لأجلي ولأجل الشعب ولأجل كل يهوذا من جهة كلام هذا السفر الذي وُجد لأنه عظيم هو غضب الرب الذي اشتعل علينا من أجل أن أباءنا لم يسمعوا لكلام هذا السفر ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب علينا“ (2 ملوك 22 : 13). AM 320.1
وأرسل الرب بلسان خلدة إلى يوشيّا رسالة تقول أن خراب أورشليم أمر لا يمكن تفاديه. فحتى لو تذلّل الشعب الآن أمام الله فلن يمكنهم الهروب من دينونتهم. لقد تخدّرت حواسهم بفعل الشر بحيث أنه إذا لم يأت الدينونة عليهم فسرعان ما يعودون إلى الطريق الشرير ذاته. وقد أعلنت النبية تقول: ”قولوا للرجل الذي أرسلكم إلي هكذا قال الرب هأنذا جالب شراً على هذا الموضع وعلى سكانه كل كلام السفر الذي قرأه ملك يهوذا. من أجل أنهم تركوني وأوقدوا لآلهة أخرى لكي يغيظوني بكل عمل أيديهم فيشتعل غضبي على هذا الموضع ولا ينطفئ“ (2 ملوك 22 : 15 — 17). AM 320.2
ولكن لأنه تواضع بقلبه أمام الله فقد أخذ الرب طلب الملك للغفران والرحمة بعين الاعتبار وأرسل بالرسالة التالية إليه: ”من أجل أنه قد رقّ قلبك وتواضعت أمام الرب حين سمعت ما تكلّمت له على هذا الموضع وعلى سكانه أنهم يصيرون دهشاً ولعنة ومزّقت ثيابك وبكيت أمامي. قد سمعت أنا أيضاً يقول الرب، لذلك هأنذا أضمك إلى آبائك فتضم إلى قبرك بسلام ولا ترى عيناك كل الشر الذي أنا جالبه على هذا الموضع“ (2 ملوك 22 : 19، 20). AM 320.3
كان يتعيّن على الملك أن يترك أحداث المستقبل بين يدي الله لأنه لا يمكنه أن يغيّر مقاصده الأزلية. ولكن إذ أعلن الرب أحكام السماء الجزائية فإنه لم يحرمهم من فرصة التوبة والإصلاح، وإذ لاحظ يوشيّا رغبة الله واستعداده في تخفيف أحكامه بمزجها بالرحمة فقد عوّل على بذل غاية جهده في القيام بإصلاحات حاسمة. فعقد فوراً إجتماع عام عظيم دعي إليه كل الشيوخ والحكّام في أورشليم ويهوذا مع عامة الشعب. فالتقى هؤلاء، بالإضافة إلى الكهنة واللاويين بالملك في رواق الهيكل. AM 320.4
وقرأ الملك بنفسه في مسامع هذا الجمع: ”كل كلام سفر الشريعة الذي وجد في بيت الرب“ (2 ملوك 23 : 2). وتأثر عميقاً وقدّم رسالته بقلب منسحق وتحرّكت مشاعر الشعب بصدق. إن قوة الشعور التي ظهرت على مُحيّا الملك، وخطورة الرسالة نفسها، والإنذار بالأحكام الموشكة الوقوع — كان لكل هذه تأثيراتها، وعقد كثيرون العزم على الاشتراك مع الملك في طلب الغفران. AM 321.1
واقترح يوشيّا أن يقطع الذين يشغلون أسمى المناصب في الدولة والذين لهم السلطة عهداً بكل وقار مع باقي الشعب، أمام الله بأن يتعاونوا معاً في القيام بإصلاحات جذرية: ”ووقف الملك على المنبر وقطع عهداُ أمام الرب للذهاب وراء الرب ولحفظ وصاياه وشهادته وفرائضه بكل القلب و كل النفس لإقامة كلام هذا العهد المكتوب في السفر“. وقد كانت الإستجابة أعظم إخلاصاً وصدقاُ مما كان ينتظر الملك: ”ووقف جميع الشعب عند العهد“ (2 ملوك 23 : 3). AM 321.2
وقد وجّه الملك انتباهه في الإصلاح الذي تبع ذلك إلى إزالة كل أثر باق للوثنية. لقد ظلّ سكان البلاد يتبعون عادات الأمم المحيطة بهم لمدة طويلة بالسجود أمام تماثيل الخشب والحجر بحيث بدا أن إزالة كل آثار هذه الشرور هي فوق قدرة البشر. ولكن يوشيّا واصل بذل جهوده لتطهير البلاد. واجه تيار الوثنية بصرامة وعزم بحيث: ”ذبح جميع كهنة المرتفعات“ ”وكذلك السحرة والعرافون والترافيم والأصنام وجميع الرجاسات التي شوهدت في أرض يهوذا وفي أورشليم أبادها يوشيّا ليقيم كلام الشريعة المكتوب في السفر الذي وجده حلقيا الكاهن في بيت الرب“ (2 ملوك 23 : 20، 24). AM 321.3
قبل ذلك بعدة قرون في أيام تمزيق المملكة أقام يربعام بن نباط مذبحاً وثنياً في بيت إيل متحدياً الله بوقاحة لإبعاد قلوب الشعب عن خدمات الهيكل في أورشليم وتوجيههم نحو طقوس عبادة مستحدثة. وفي أثناء تدشين هذا المذبح الذي كان كثيرون سيعودون إليه في السنين القادمة للاشتراك في الممارسات الوثنية، ظهر فجأة أحد رجال الله قادماً من يهوذا وتكلّم بكلام الدينونة بسبب تلك الإجراءات النجسة. و ”نادى نحو المذبح“ وأعلن قائلاً: ”يا مذبح يا مذبح هكذا قال الرب هوذا سيولد لبيت داود ابن اسمه يوشيّا ويذبح عليك كهنة المرتفعات الذين يوقدون عليك وتحرق عليك عظام الناس“ (1 ملوك 13 : 2). وقد رافقت هذا الإعلان علامة لإثبات حقيقة كون هذا الكلام هو من الرب. AM 322.1
كانت قد مرت بعد ذلك ثلاثة قرون. ففي أثناء الإصلاح الذي قام به يوشيا وجد الملك نفسه في بيت إيل حيث كان هذا المذبح القديم لا يزال قائماً. والنبوة التي قيلت منذ سنين طويلة أمام يربعام كانت ستتم الآن حرفياً. AM 322.2
وكذلك المذبح الذي في بيت إيل في المرتفعة التي عملها يربعام بن نباط الذي جعل إسرائيل يخطئ فذانك المذبح والمرتفعة هدمها وأحرق المرتفعة وسحقها حتى صارت غباراً وأحرق السارية. AM 322.3
”والتفت يوشيّا فرأى القبور التي هناك في الجبل فأرسل وأخذا العظام من القبور وأحرقها على المذبح ونجسه حسب كلام الرب الذي نادى به رجل الله الذي نادى بهذا الكلام. AM 323.1
”وقال ما هذه الصورة التي أرى (ما هذا النصب الذي أراه)؟ فقال له رجال المدينة هي قبر رجل الله الذي جاء من يهوذا ونادى بهذه الأمور التي عملت على مذبح بيت إيل. فقال دعوه. لا يحركن أحد عظامه. فتركوا عظامه وعظام النبي الذي جاء من السامرة“ (2 ملوك 23 : 15 — 18). AM 323.2
وعلى منحدرات جبل الزيتون الجنوبية مقابل هيكل الرب الجميل على جبل المُريّا كانت توجد هياكل وتماثيل أقامها سليمان إرضاءاً لزوجاته الوثنيات (انظر 1 ملوك 11 : 6 — 8). ففي حقبة من الزمن تجاوزت ثلاثة قرون ظلّت تلك التماثيل قائمة على جبل الإثم كشهود صامتة على ارتداد أحكم ملوك إسرائيل. وهذه أيضاً أزالها يوشيّا وهدمها. AM 323.3
وحاول الملك، إضافة لذلك، أن يثبّت إيمان شعب يهوذا في إله آبائهم بأن عمل فصحاً عظيماً تمشياً مع الشروط المكتوبة في سفر الشريعة. فالذين أنيطت بهم تلك الخدمة المقدسة أعدّوا العدّة لذلك، وفي يوم العيد العظيم قُدّمت الذبائح بسخاء بحيث: ”لم يعمل مثل هذا الفصح منذ أيام القضاة الذين حكموا على إسرائيل ولا في كل أيام ملوك يهوذا“ (2 ملوك 23 : 22). إلا أن غيرة يوشيّا مع أنها كانت مقبولة لدى الله لم يمكنها أن تكفّر عن خطايا الأجيال الغابرة، ولا كذلك التقوى التي أظهرها أتباع الملك أمكنها أن تُحدث تغييراً في قلوب كثيرين ممن رفضوا بكل إصرار التحوّل عن عبادة الأثان ليعبدوا الإله الحقيقي. AM 323.4
وظلّ يوشيّا يملك ما يزيد على عشر سنوات بعد ممارسة الفصح. وعندما بلغ التاسعة والثلاثين من العمر انقضى أجله إذ مات في معركة ضد جيوش مصر: ”ودفن في قبور أبائه“. ”وكان كل يهوذا وأورشليم ينوحون على يوشيّا. ورثى إرميا يوشيّا. وكان جميع المغنين والمغنيات يندبون يوشيّا بمراثيهم إلى اليوم وجعلوها فريضة على إسرائيل وها هي مكتوبة في المراثي“ (2 أخبار الأيام 35 : 24، 25). ”ولم يكن قلبه ملك مثله قد رجع إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوّته حسب كل شريعة موسى وبعده لم يقم مثله. ولكن الرب لم يرجع عن حمو غضبه العظيم .. من أجل جميع الإغاظات التي أغاظه إياها منسى“ (2 ملوك 23 : 25، 26). كان الوقت يقترب سريعاً حيث كانت أورشليم ستخرب خراباً شاملاً وسكان الأرض سيُسبون إلى بابل، ويتعلّمون هناك الدروس التي رفضوها سابقاً في ظروف أكثر ملائمة. AM 324.1