الصبا و الشباب

282/512

التثقيف الأسمى

و تتاح لقارئ هذا التاريخ المقدس محادثة الآباء و الأنبياء، و له تنكشف أقدس المشاهد، و يرى يسوع — الذي كان ملكاً في السماء مساوياً لله — نازلاً و حالاً بين البشر، ماضياً في إكمال عمل الفداء، و محرراً الإنسان من القيود التي ربطه بها إبليس، و متيحاً له إمكانية استعادة رجولته التي هي على شبه الله. أن في تأنس المسيح واحتفاظه بمستوى الإنسان مدة ثلاثين سنة، و من ثم تقديمه نفسه ذبيحة خطية لكي لا يترك الناس للهلاك، لموضوعاً يقتضي أعمق الفكر و التأمل و أقدس الدرس و التبصر... SM 266.1

فالعقل إن استحوذ على إعلانات الوحي العجيبة لن يعود يرتضي بإنفاق طاقته في مواضيع سخيفة تافهة، لا يستنكف من المطبوعات الرخيصة و التسليات الفارغة التي تفسد الشبيبة في أيامنا. إن من قد تحادثوا مع الشعراء و الحكماء من كتاب الوحي، و اهتزّت نفوسهم لروعة الأعمال المجيدة التي أتاها أبطال الإيمان سيخرجون من مجالات الفكر الخصبة هذه بنقاء في قلوبهم و سمو في أفكارهم أكثر مما لو عكفوا على دراسة أشهر و أعظم الكتاب الدنيويين، و تأمل بإجلال ما خلفه فراعنة هذا العالم و قياصرته و آباطرته من مفاخر و مآثر. SM 266.2

إن ملكات الشبيبة هي، في الغالب، معطلة، لأنهم لا يجعلون مخافة الله رأس حكمتهم. إن الله إنما وهب لدانيال الحكمة و المعرفة لأن دانيال لم يسمح لأية قوة أن تعبث بمبادئه الدينية. أما السبب في ندرة الرجال الأكفاء من ذوي التعقل و رسوخ المبدأ فهو أنهم يسعون وراء العظمة، و ليس بينهم و بين السماء اتصال. SM 266.3

إن بني الإنسان لا يهابون الله و لا يحبونه ولا يكرمونه، و لا يأخذون في حياتهم بقواعد ما يدّعونه من الدين، و ما أسهل عليهم أن ينتفخوا و يتعظموا، و ما أعظم استعدادهم لأن بغتروا بأنفسهم و يظنوا أنهم ذوو شأن، فلا يستطيع الله وحده، و هذه حالهم، أن يفعل لهم الشيء الكثير. إن الله يريدنا أن نوسع إمكاناتنا وكفاءتنا و نغتنم كل فرصة و امتياز لإنماء الفهم و تثقيفه و تقويته، لقد خلقنا لحياة أرفع و أنبل من حياتنا الحاضرة، و ليست هذه الفترة لكياننا الفاني سوى تمهيد للحياة التي تقاس بحياة الله. SM 267.1