مشتهى الأجيال

13/684

فساد خدماتهم الدينية

وإذ ترك اليهود الله غاب عن أفهامهم مغزى الخدمة الطقسية ، تلك الخدمة التي كان قد رسمها المسيح نفسه. ففي كل جزئياتها كانت ترمز إليه ، وكانت ملأى بالحيوية والجمال الروحي . ولكن اليهود خسروا الحياة الروحية فلم يعد لها وجود في شعائرهم ، ومع ذلك فقد ظلوا متمسكين بالنظم الميتة . لقد وثقوا بالذبائح والفرائض نفسها بدلا من الوثوق بذاك الذي كانت تشير إليه . ولكي يملأ كهنة اليهود ومعلموهم الفراغ الناشئ عما قد خسروه ضاعفوا مطاليب من وضعهم الشخصي . وعلى قدر ما زادوا من صرامتهم قّلت محبتهم التي أظهروها لله ، فقاسوا قداستهم بنسبة كثرة شعائرهم في حين أن قلوبهم كانت مفعمة بالكبرياء والنفاق . ML 27.3

ومع كثرة وصاياهم الدقيقة والثقيلة صار من المستحيل عليهم أن يحفظوا الناموس .فأولئك الذين رغبوا في عبادة الله وحاولوا في نفس الوقت أن يحفظوا الفرائض التي فرضها معلمو الشريعة كانوا يرزحون تحت عبء ثقيل ، ولم يستطيعوا أن يجدوا راحة من اتهامات ضمائرهم المنزعجة. وهكذا حاول الشيطان أن يثبط همم الشعب ويقلل من فهمهم لصفات الله ويحقر إيمان إسرائيل . لقد أراد أن يثبت ادعاءه الذي كان قد جاهر به عندما عصى على الله في السماء- أي أن مطاليب الله غير عادلة ولا يمكن إطاعتها ، فقال- حتى إسرائيل نفسه لم يحفظ الناموس ML 27.4

وحين كان اليهود ينتظرون مجيء مسيا لم يكونوا يفهمون مهمته على حقيقتها ، فلم يطلبوا الفداء من الخطية بل طلبوا التحرر من نير الرومان. كانوا ينتظرون أن يجيء مسيا قائدا فاتحا يسحق قوة الظالمين ويرفع من شأن إسرائيل ويجعل سلطانه شاملا ، وهكذا كان الطريق ممهدا أمامهم لرفض المخلص ML 28.1

وعند ميلاد المسيح كانت الأمة رازحة تحت حكم سادتها الغرباء ، كما أن المنازعات الداخلية كانت قد مزقت شملها. وكان مسموحا لليهود أن يحتفظوا بصورة حكومة مستقلة ولكن لم يكن ممكنا إخفاء حقيقة كونهم تحت نير الرومان ، كما لم يكونوا راضين بأن يحد الرومان من سلطانهم . كان الرومان يدعون لأنفسهم الحق في تعيين رئيس الكهنة أو عزله . وكثيرا ما كان الإنسان يظفر بهذه الوظيفة عن طريق الاحتيال أو الرشوة أو حتى القتل . وهكذا انحدرت وظيفة الكهنوت إلى عمق أعماق الهوان والفساد . ومع ذلك فقد كان الكهنة يتمتعون بسلطان عظيم ، ولكنهم ويا للأسف استخدموه في أغراض نفسانية وفي الحصول على الربح القبيح ، فخضع الشعب لمطاليبهم القاسية ، كما عانوا الويلات من جراء الجزية الثقيلة التي فرضها عليهم الرومان . هذه الحالة تسبب عنها تذمر واسع النطاق ، فعبر الشعب عن سخطه بالثورات العامة مرارا كثيرة . لقد كان الجشع والظلم وعدم الثقة والبلادة الروحية تنهش أحشاء الأمة في الصميم ML 28.2

إن كراهية اليهود للرومان وكبرياؤهم القومية والروحية دفعتهم إلى التشبث العنيف بطقوس العبادة. وقد حاول الكهنة أن يشتهروا بالقداسة بتدقيقهم في مراعاة طقوس الديانة . ثم إن الشعب وهم مكتنفون بالظلام والاضطهاد ، والرؤساء وهم متعطشون للسلطة- كانوا مشتاقين لمجيء ذاك الذي سيقهر أعداءهم ويرد الملك إلى إسرائيل . لقد درسوا النبوات ولكن بدون فهم روحي . فأغفلوا تلك النبوات التي أشارت إلى اتضاع المسيح في مجيئه الأول ، وأساءوا تطبيق النبوات التي تتحدث عن مجد مجيئه الثاني ، فأعمت الكبرياء بصائرهم ، وفسروا النبوات بما يتفق ورغائبهم النفسانية ML 28.3