مشتهى الأجيال
حمل الله
وفي اليوم التالي رأى يوحنا يسوع مقبلا إليه. فإذ رأى نور مجد الله يستقر عليه ، بسط ذلك النبي يديه وأعلن قائلا: “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم! هذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي، رجل صار قدّامي، لأنه كان قبلي. وأنا لم أكن أعرفه. لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت أعمّد بالماء .. وشهد يوحنا قائلاً: إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه. وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأعمّد بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو الذي يعمّد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله” (يوحنا 1 : 29 — 34). ML 116.3
فهل كان هذا هو المسيح؟ لقد نظر الشعب بتهيب ودهشة إلى ذاك الذي قد أعلن عنه أنه ابن الله . لقد تأثروا تأثرا عميقا من كلام يوحنا إذ كلمهم باسم الله ، فظلوا يصغون إلى أقواله كل يوم وهو يوبخ خطاياهم ، وكل يوم كان يزيد اقتناعهم بأنه مرسل من السماء. ولكن من هذا الذي هو أعظم من يوحنا المعمدان؟ لم يكن في لبسه أو هيئته ما يدل على سمو مرتبته .كان يبدو عليه أنه شخص بسيط يلبس مثلهم ملابس الفقراء. ML 116.4
وقد كان بين ذلك الجمع بعض ممن قد رأوا المجد الإلهي وسمعوا صوت الله من السماء عند معمودية المسيح ، ولكن منذ ذلك الحين تغير منظر المخلص تغيرا كبيرا. فعند معموديته رأوا وجهه وقد تجلى بنور من السماء ، أما الآن فقد بدا شاحبا ومنهكا ومضنى وهزيلا ، ولم يعرفه غير النبي يوحنا. ML 117.1
ولكن عندما نظر إليه الناس رأوا وجها امتزج فيه الإشفاق الإلهي بالقوة التي كان هو عالما بسرها. فكل نظرة من نظراته وكل تعبير على وجهه كان مميزا بالوداعة ومعبرا عن المحبة التى لا ينطق بها . وقد بدا كأنه كان محاطا بجو روحي سماوي . ففي حين أنه كان رقيقا ووديعا في عاداته وتصرفاته فقد اقتنع الناس بالقود الكامنة فيه التي مع ذلك لم يمكن إخفاؤها إخفاء كاملا . فهل يمكن أن يكون هذا هو الذي ظل إسرائيل ينتظره هكذا طويلا؟ ML 117.2
لقد جاء يسوع فقيرا ومتواضعا لكي يكون لنا مثالا وفاديا. فلو ظهر في أبهة الملك وجلاله فكيف كان يمكنه أن يعلم الناس الوداعة؟ وكيف كان يمكنه أن يقدم للشعب تلك الحقائق المؤثرة الفاحصة التي نطق بها في موعظته على الجبل؟ وأين كان يوجد رجاء للمساكين والأذلاء في الحياة لو أتى المسيح ليعيش بين الناس كملك عظيم؟ ML 117.3
أما أولئك المجتمعون فقد بدا لهم أنه من المستحيل أن يكون ذاك الذي قد أشار إليه يوحنا هو من ترتكز فيه أنتظاراتهم وآمالهم العظيمة. وهكذا شمل الارتباك وخيبة الأمل كثرين منهم. ML 117.4
إنه لم يذكر شيئا عن الأقوال التى كان الكهنة والأحبار ينتظرون سماعها من أن يسوع سيرد الملك إلى إسرائيل. لقد كانوا ينتظرون مثل هذا الملك ويترقبون مجيئه ، وكانوا على أتم استعداد لقبوله والترحيب به . أما ذاك الذي يحاول أن يقيم في قلوبهم ملكوت البر والسلام فهذا لا يقبلونه. ML 117.5
وفي اليوم التالي إذ كان اثنان من التلاميذ واقفين غير بعيد ، رأى يوحنا يسوع مرة أخرى في وسط الشعب ومرة أخرى أضاء وجه ذلك النبي بمجد الله غير المنظور عندما صاح يقول: “ هوذَا حملُ اللهِ” (يوحنا 1: 36). وقد هزت هذه الكلمات مشاعر ذينك التلميذين ، مع أنهما لم يفهما معناها تمام الفهم . فما معنى هذا الاسم الذي أطلقه يوحنا عليه: “حملُ اللهِ”؟ إن يوحنا نفسه لم يوضح المعنى. ML 117.6