مشتهى الأجيال
التدبير في رموز
إن هذا القصد العظيم أخفي خلف الرموز والاصطلاحات. فالعليقة التي كانت تتوقد بالنار والتي ظهر المسيح فيها لموسى أعلنت الله . فذلك الرمز الذي اختير لتمثيل الله كان شجيرة وضيعة لا تجتذب الأنظار . هذه الشجيرة أخفت الله غير المحدود . فالله الكلي الرحمة أخفى مجده وراء رمز متواضع جدا حتى ينظر إليه موسى ويحيا . وكذلك الحال بالنسبة إلى عمود السحاب في النهار وعمود النار في الليل . فكان الله يتحدث مع إسرائيل من ذلك العمود معلنا لهم إرادته ومانحا إياهم نعمته . لقد أخفي مجد الله وستر جلاله حتى يمكن للناس أن يروه بعيونهم الكليلة وهكذا كان لا بد من أن يتخذ المسيح “شكلَ جسد تواضعنا” (فيلبي 3 : 21) ويأتي “في شبه الناس”. ففي نظر العالم لم يكن فيه جمال فنشتهيه ، ومع ذلك فقد كان هو الإله المتجسد ، نور السماوات والأرض . لقد حجب مجده وستر عظمته وجلاله حتى يمكنه الاقتراب من الناس الحزانى والمجربين . ML 21.1
لقد أمر الرب موسى عن بني إسرائيل قائلا: “يصَنعونَ لِي مقدسا لأَسكُن في وَسطهِم” (خروج 25 : 8). وقد سكن في المقدس في وسط شعبه ، ومدى سني غربتهم المتعبة في البرية كان رمز حضور الرب في وسطهم . وهكذا المسيح نصب خيمته في وسط المحلة البشرية . نصب خيمته إلى جوار خيام بني الإنسان ليكون في وسطنا لكي يعرفنا بصفاته الإلهية وحياته: “وَاْلكلمةُ صارَ جسدا وَحلَّ بيَنَنا ، وَرَأَيَنا مجدهُ ، مجدا كَما لِوحيد من الآبِ ، مملُوءًا نعمةً وَحقا” (يوحنا 1 : 14). ML 21.2
وحيث قد أتى يسوع ليحل بينا فإننا نعلم أن الله عالم بتجاربنا ويعطف علينا في أحزاننا. وكل بنى آدم وبناته لهم أن يدركوا أن خالقنا هو صديق الخطاة ، لأن في كل مبدأ من مبادئ النعمة وكل وعد بالفرح ، وكل عمل من أعمال المحبة ، وكل جاذب إلهي مقدم لنا في حياة مخلصنا على الأرض نرى “اَللهُ معنا”. ML 21.3
إن الشيطان يصور لنا ناموس الله القائم على المحبة بأنه ناموس أناني ، وهو يعلن لنا استحالة إطاعتنا لفرائضه. انه ينسب إلى الخالق سقوط أبوينا الأولين وما نجم عنه من ويلات . وبهذا يجعل الناس يعتقدون أن الله هو سبب الخطية والألم والموت . وقد كان على يسوع أن يكشف القناع عن هذه الأكذوبة ، وكواحد منا كان لابد أن يقدم نفسه م ثالا للطاعة. ولأجل هذا اتخذ طبيعتنا وجاز في كل اختباراتنا “من ثَم كَانَ ينبغي أَنْ يشبِه إِخوته في كُلِّ شَيءٍ” (عبرانيين 2 : 17). فإذا كان علينا أن نحتمل شيئاً لم يحتمله يسوع قبلنا ، فمن هذه الناحية يصور لنا الشيطان قوة الله على أنها غير كافية . ولذلك قيل عن يسوع إنه: “مجربٌ في كُلِّ شَيءٍ مثلُنا ، بِلا خَطية” (عبرانيين 4 : 15). لقد احتمل كل تجربة يمكن أن نتعرض نحن لها ، وهو لم يستخدم لنفسه أية قوة إلاّ وهي تمنح لنا مجانا . فكإنسان واجه التجربة وانتصر بالقوة المعطاة له من الله . فهو الذي قال: “أَنْ أَفعلَ مشيئَتك يا إِلهِي سرِرْتُ ، وَشرِيعتُك في وَسط أَحشائِي” (مزمور 40 : 8) وإذ كان يجول يصنع خيرا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس ، أظهر للناس ميزات شريعة الله وطبيعة خدمته . إن حياته لتشهد بأن في مقدورنا نحن أيضاً أن نطيع شريعة الله ML 21.4