مشتهى الأجيال

680/684

على جبل الزيتون

الآن سار يسوع وتلاميذه الأحد عشر إلى الجبل ، وإذ مروا من باب أورشليم جعل كثيرون من الناس ينظرون نظرات تساؤل واستفهام إلى تلك الجماعة الصغيرة التي يقودها واحد كان الرؤساء منذ أسابيع قليلة قد حكموا عليه بالموت وصلبوه. ولم يكن التلاميذ يعلمون أن هذا اليوم هو آخر يوم يجتمعون فيه بمعلمهم . وقد صرف يسوع الوقت في الحديث معهم مرددا وصاياه السابقة . وعندما اقتربوا من جثسيماني توقف المسيح عن السير لكي يتذكروا هم الدروس التي كانوا قد تلقوها منه في ليلة آلامه العظيمة . ومرة أخرى ألقى نظره على الكرمة التي جعلها رمزا للاتحاد بينه وبين كنيسته والآب . ومرة أخرى ردد على مسامعهم الحقائق التي كان قد أعلنها لهم . كل ما كان حوله كان يذكرهم بمحبته التى لم يكافأ عليها . حتى التلاميذ الذين كان يحبهم حبا عظيما جلبوا عليه العار في ساعة اتضاعه وموته إذ تركوه وهربوا. ML 785.1

لقد تغرب المسيح في العالم ثلاثا وثلاثين سنة. واحتمل احتقار العالم وإهاناته وسخريته وقد رفض وصلب . فالآن وهو مزمع أن يصعد إلى عرش مجده — إذ يستعيد في ذهنه جحود الشعب الذي جاء ليخلصه- هلا يحرمهم من عطفه وحبه ؟ ألا يركز محبته في تلك المملكة التي تقدره ، حيث الملائكة الأبرار رهن إشارته لينفذوا أوامره ؟ كلا ، فإن وعده لأحبائه الذين يتركهم على الأرض هو هذا: “وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (متى 28 : 20). ML 785.2

ولدى وصولهم إلى جبل الزيتون تقدمهم يسوع عبر القمة إلى جوار بيت عنيا. وهنا وقف يسوع واجتمع التلاميذ حوله . وإذ كان ينظر إليهم بكل محبة أضاء وجهه بنور باهر. لم يوبخهم على أخطائهم وسقطاتهم . ولكن آخر كلمات نطق بها الرب في مسامعهم كانت كلاما عميقا في رقته ولطفه . وإذ بسط يديه ليباركهم ويؤكد لهم رعايته وحراسته ابتدأ يصعد إلى السماء ببطء وقد اجتذبته إليها قوة أعظم من أية جاذبية أرضية . وفيما كان يصعد تاركا إياهم نظر التلاميذ المشدوهون المرتعبون محدقين بأنظارهم المتعبة ليلقوا نظرة أخيرة على سيدهم الصاعد . وقد أخذته سحابة من المجد عن أعينهم . وإذ استقبلته مركبة السحابة الملائكية سمع التلاميذ هذا الصوت ثانية: “ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر”. وفي نفس الوقت حمل النسيم إليهم أعذب الأصوات الموسيقية من أجواق الملائكة. ML 785.3