مشتهى الأجيال
“أخطأت”
وقد رؤي يهوذا يشق لنفسه طريقا بجسمه الفارع الطول في وسط ذلك الجمع الفزع. كان شاحب الوجه وقد تجمدت على جبينه قطرات كبيرة من العرق . وإذ تقدم من كرسي القضاء طرح أمام رئيس الكهنة قطع الفضة ثمن خيانته لسيده . وإذ أمسك بثياب قيافا بكل لهفة توسل إليه أن يطلق سراح يسوع معلنا أنه لم يفعل شيئا يستحق لأجله الموت . فبكل غضب نحى قيافا يهوذا بعيدا عنه ، ولكنه كان متحيرا لا يدري ماذا يقول . ها قد فضحت خيانة الكهنة وغدرهم . لقد بات واضحا أنهم قد أعطوا رشوة لذلك التلميذ الخائن ليسلم إليهم معلمه. ML 682.2
ومرة أخرى قال يهوذا: “ أخطأت إذ سلّمت دماً بريئاً”. ولكن بعدما استعاد رئيس الكهنة رباطة جأشه أجاب يهوذا قائلا باحتقار: “ماذا علينا؟ أنت أبصر!” (متى 27 : 4). كان الكهنة يرغبون في جعل يهوذا آلة في أيديهم . ولكنهم احتقروا نذالته . فلما ارتد إليهم راجعا معترفا ركلوه وطردوه. ML 682.3
أما الآن فها يهوذا ينطرح عند قدمي يسوع معترفا بأنه ابن الله ومتوسلا إليه أن يخلص نفسه. ولم يوبخه المخلص على خيانته له . لقد عرف أن يهوذا لم يتب ، فلقد أجبر على ذلك الاعتراف الخارج من أعماق نفسه المجرمة بواسطة إحساسه الرهيب بالدينونة وانتظار يوم الهلاك المخيف ، ولكنه لم يكن يحس بالحزن العميق الذي يمزق القلب لكونه قد أسلم للموت ابن الله الذي بلا عيب وأنكر قدوس شعبه . ومع ذلك فإن يسوع لم ينطق بالدينونة عليه بل نظر إليه بكل إشفاق وقال: لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة. ML 682.4
سرت بين ذلك الجمع همهمة اندهاش. إنهم بدهشة بالغة رأوا صبر المسيح على ذلك الخائن. ومرة أخرى ساد عليهم الاقتناع بأن هذا الإنسان لابد أن يكون أكثر من إنسان عادي . ولكنهم عادوا يتساءلون: ولكن إذا كان هو ابن الله فلماذا لم يحطم السلاسل والقيود وينتصر على من يزدرون به. ML 682.5
رأى يهوذا أن كل توسلاته قد ذهبت هباء فاندفع خارجا من تلك الدار وهو يصرخ قائلا: فات الأوان! فات الأوان ! وقد أحس أنه لا يمكنه أن يعيش ليرى يسوع معلقا على الصليب . ففي يأسه خرج وشنق نفسه. ML 683.1
وبعد مرور ساعات قليلة من ذلك اليوم نفسه ، وفي الطريق من دار ولاية بيلاطس إلى جلجثة إذ كان الناس الأشرار يقودون يسوع إلى مكان الصلب وهم يصيحون صيحات السخرية والاحتقار كفوا عن ذلك فجأة. فإذ عبروا من بقعة خلاء رأوا تحت شجرة يابسة جثة يهوذا . لقد كان منظرا يدعو إلى أشد الاشمئزاز . إن ثقل جسم ذلك الرجل قطع الحبل الذي كان مشنوقا به وهو مدلى من الشجرة . فإذ سقط تمزق جسمه تمزيقا مريعا ، وكانت الكلاب تنهش جثته . ففي الحال أخذوا الجثة ودفنوها بعيدا عن الأنظار . ولكن الناس قللوا من سخريتهم بعد ذلك . وقد دل شحوب وجوههم على ما كان يجول في نفوسهم من خواطر . إذ بدا وكأن الدينونة قد بدأت تنسكب على أولئك الذين كانوا مجرمين في دم يسوع. ML 683.2