مشتهى الأجيال

587/684

يقف هادئا وسط هياج العاصفة

فلما اجتمع المجلس في دار القضاء جلس قيافا على كرسي الرئاسة وجلس على كلا الجانبين القضاة ومن كانوا مهتمين بالمحاكمة اهتماما خاصا . وقد أوقف الجنود الرومان فوق المنصة تحت العرش وعند أسفل العرش وقف يسوع الذي اتجهت إليه أنظار الجمع كله . وهنا بلغ الاهتياج أشده . لم يكن بين كل ذلك الجمع أحد هادئا ورصينا غير يسوع . وقد بدا وكأن كل الجو المحيط به مشمول بتأثير مقدس. ML 664.2

كان قيافا يعتبر يسوع منافسا له . إن تلهف الشعب على سماع أقوال المخلص واستعدادهم الظاهر لقبول تعاليمه أثار الغيرة المرة في قلب رئيس الكهنة . ولكن إذ نظر قيافا إلى أسيره امتلأت نفسه إعجابا به عندما رأى منظره النبيل ومقامه الجليل . وقد راود قلبه اقتناع بأن هذا الإنسان لابد أن يكون مماثلا لله . ولكنه سرعان ما طرد عنه ذلك الفكر بكل ازدراء . وفي الحال سمع صوته ينطق بألفاظ السخرية والعجرفة وهو يأمر يسوع بأن يصنع أمامهم أعجوبة واحدة . لكن كلامه لم يحرك للمخلص ساكنا وكأنه لم يسمع شيئا . وقد قارن الشعب بين التصرف المهتاج الخبيث الذي بدا من كل من حنان وقيافا وبين تصرف يسوع الملكي الهادئ ، فثار حتى في قلوب أقسى ذلك الجمع صلابة هذا السؤال : هل يمكن أن هذا الإنسان ذا المنظر الإلهي يدان كمجرم ؟ ML 664.3

وإذ لاحظ قيافا تأثير يسوع على الناس أسرع في إجراءات المحاكمة . فوقع أعداء يسوع في حيرة وارتباك عظيمين . كانوا مصممين على إدانته ولكنهم لم يكونوا يعلمون كيف يحققون غرضهم . كان أعضاء المجلس بعضهم من الفريسيين والبعض من الصدوقيين وكان بين ذينك الحزبين عداء مرير ومنازعات لا تنتهي . ولم يجرؤوا على المجادلة في الأمور التي هي مثار النزاع خشية وقوع مشاجرة بينهم . فلو نطق يسوع بكلمات قليلة لثار تعصب الفريقين ضد بعضهم البعض وبذلك كان يحول غضبهم بعيدا عنه . عرف قيافا هذا فأراد أن يتحاشى إثارة أية خصومة . كان يوجد شهود كثيرون مستعدين لأن يثبتوا أن المسيح قد شهر بالكهنة والكتبة وأنه دعاهم مرائين وقتلة ، ولكن هذه الشهادة لم يكن من اللائق تقديمها . فالصدوقيون في منازعاتهم الشديدة مع الفريسيين كالوا لهم نفس تلك التهم . ومثل هذه التهم لا يقام لها وزن في نظر الرومان الذين كانوا هم أنفسهم مشمئزين من ادعاءات الفريسيين . ولكن كان هناك دليل كاف على أن يسوع أبدى استخفافه بتقاليد اليهود ، وبكل جرأة ذم الكثير من طقوسهم . أما فيما يختص بالتقاليد فكان بين الفريسيين والصدوقيين عداوة ومنازعات لا تنتهي . كما أن هذا الدليل لم يعره الرومان أي اهتمام . ولم يجسر أعداء المسيح على اتهامه بنقض السبت لئلا ينتهي الاستجواب إلى الكشف عن طبيعة عمله . فلو كشفت معجزات الشفاء التي أجراها المخلص للنور لكان في ذلك هزيمة ماحقة لغرض الكهنة ذاته. ML 665.1