مشتهى الأجيال
أحبوا بعضكم بعضا
إن المسيح في اجتماعه الآخر هذا مع تلاميذه كانت رغبته العظمى التي أفصح لهم عنها هي أن يحبوا بعضهم بعضا كما أحبهم . وقد خاطبهم بهذا مراراً . فقد ردد هذا القول: “بهذا أوصيكم حتى تحبوا بعضكم بعضاً” (يوحنا 15 : 17). إن أول وصية أوصاهم بها كانت قوله لهم: “وصية جديدة أنا أعطيكم: أنا تحبّوا بعضكم بعضاً. كما أحببتكم أنا تحبّون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً” (يوحنا 13 : 34). كانت هذه وصية جديدة بالنسبة إلى التلاميذ لأنهم لم يحبوا بعضهم بعضا كما قد أحبهم المسيح . وقد رأى أنه ينبغي لهم أن يخضعوا لآراء جديدة وبواعث جديدة وأن يمارسوا مبادئ جديدة . ففي نور حياته وموته كان عليهم أن يدركوا المحبة إدراكا جديداً وقد كان لأمره القائل لهم أن يحبوا بعضهم بعضا معنى جديد في نور ذبيحته الكفارية . إن كل عمل النعمة هو خدمة المحبة الواحدة المتصلة ، والمساعي المضحية والمنكرة لذاتها . ففي كل ساعة من ساعات تغرب المسيح على الأرض كانت ينابيع محبة الله تفيض من قلبه في أنهار ، دائمة الجريان لا تقهر . وكل من هو ممتلئ بروحه لا بد أن يحب كما قد أحب السيد العالم . ونفس المبدأ الذي حرك المسيح سيحرك كل شعبه في معاملتهم لبعضهم البعض. ML 644.3
وهذه المحبة هي برهان تلمذتهم . قال يسوع: “بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حب بعضاً لبعض” (يوحنا 13 : 35). عندما يرتبط الناس معا ليس قهرا أو بسبب المصلحة الشخصية بل بالمحبة فإنهم يظهرون عمل سلطة فوق كل سلطان بشري . وأينما توجد هذه الوحدة فهي برهان على أن صورة الله قد أعيدت إلى البشرية ، وأن مبدأ جديدا للحياة قد غرس في النفس . وهذا يبرهن على أن في الطبيعة الإلهية قوة تصمد أمام قوات الشر العظيمة ، وأن نعمة الله تخضع الأنانية المتأصلة في القلب الطبيعي. ML 645.1
هذه المحبة إذ تظهر في الكنيسة لا بد أن تثير غضب الشيطان ، إن المسيح لم يرسم أمام تلاميذه طريقا هينا لينا ، فلقد قال: “إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم. لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته. ولكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم. اذكروا الكلام الذي قلته لكم: ليس عبد أعظم من سيده. إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم، وإن كانوا قد حفظوا كلامي فسيحفظون كلامكم. لكنهم إنما يفعلون بكم هذا كله من أجل اسمي، لأنهم لا يعرفون الذي أرسلني” (يوحنا 15 : 18 — 21). إن رسالة الإنجيل ستنشر وتذاع وسط صراع مرير وفي وجه المقاومات والمخاطر والخسائر والآلام . ولكن من يفعلون هذا إنما يتتبعون خطوات سيدهم. ML 645.2