مشتهى الأجيال

54/684

أساءوا فهمه

ولكن وجد جماعة أحبوا الاجتماع به إذ كانوا يحسون بالسلام وهم في حضرته ، على أن الكثيرين كانوا يتجنبونه لأن حياته المنزهة عن الخطية كانت توبيخا لهم. وكان أترابه من الشباب يحرضونه على أن يفعل مثلما يفعلون . لقد كان ذكيا ومرحا فكانوا يسرون بوجوده معهم وكانوا يرحبون بمقترحاته الحاضرة ، ولكنهم لم يكونوا يصبرون على تدقيقه وحذره فاتهموه بالتزمت والتدقيق الزائد . أما هو فكان يردد المكتوب: “بِم يزكِّي الشَّابُّ طَرِيَقه؟ بِحفْظه إِياهُ حسب كَلامك...خَبأْتُ كَلامك في قَلبِي لِكَيلاَ أُخْطئَ إِلَيك” (مزمور 119 : 9، 11). ML 74.2

وفي أحيان كثيرة كانوا يسألونه: “ لماذا تحب أن تكون شاذا ومختلفا عن جميع الناس؟ فكان يجيبهم بقوله: “طُوبى لِلْكاملين طَرِيقًا ، السالِكين في شَرِيعة الربِّ . طُوبى لِحافظي شَهادَاته . من كُلِّ قُلُوبِهِم يطلُبوَنه . أَيضا لا يرتَكبونَ إِثْما . في طُرقه يسُلكُونَ” (مزمزر 119 : 1 — 3). وعندما كانوا يسألونه: ” لماذا لا تشترك في اللهو والمزاح الذي يشترك فيه شباب مدينة الناصرة؟” كان يرد عليهم بالمكتوب: “بِطَرِيق شَهادَاتك فَرِحتُ كَما على كُلِّ اْلغنَى . بِوصاياكَ أَلهج ، وَأُلاَحظُ سبلَك . بِفَرائِضك أَتَلذَّذُ . لاَ أنسى كَلامك” (مزمور 119 : 14 — 116). ML 74.3

ولم يكن يسوع يتنازع مع أحد لاستخلاص حقوقه. وفي كثير من الأحيان كان عمله يغدو شاقا بلا مبرر لأنه كان راضيا وقانعا لا يشكو مر الظلم ، ومع ذلك فلم يفشل ولا خار عزمه. لقد عاش فوق الصعوبات لأنه كان متمتعا بنور وجه الله وابتسامته . كما أنه لم يثأر لنفسه عندما كان الناس يعاملونه بقسوة وخشونة بل كان يحتمل الإهانات بصبر ML 74.4

ومرارا عديدة كان يسأَل هذا السؤال: “ ما بالك تخضع وتستسلم لكل المعاملات السيئة الخبيثة التي تعامل بها حتى من إخوتك؟” فكان يجيب بما هو مكتوب: “ يا ابني ، لاَ تَنس شَرِيعتي ، بلْ لِيحفَظ قَلبك وَصايايَ . فَإِنَّها تَزِيدكَ طُولَ أَيامٍ ، وَسني حياةٍ وَسلامةً . لاَ تَدعِ الرحمة وَاْلحقَّ يْتركَانك . تَقلَّدهما عَلى عنُقك . اُكْتُبهما عَلى لَوحِ قَلبِك ، فَتجِد نعمةً وَفطْنةً صالِحةً في أَعينِ اللهِ وَالنَّاس” (أمثال 3 : 1 — 4). ML 75.1

ومنذ اليوم الذي بحث فيه أبوا يسوع عنه فوجداه في الهيكل كانت تصرفاته سرا غامضا استغلق عليهما. إنه لم يرد أن يشتبك في جدال مع أحد ومع ذلك كان مثاله درسا ماثلا أمام الأذهان دائما . كان يبدو عليه أنه مكرس ، وكانت أسعد ساعاته هي تلك التي كان ينفرد فيها مع الطبيعة ومع الله . وكلما كانت لديه فرصة كان يترك عمله ليخرج إلى الحقول ليتأمل في جمال تلك الأودية اليانعة ولتكون له شركة مع الله على الجبل أو بين أشجار الوعر . وفي الصباح الباكر كان أحيانا كثيرة يذهب إلى موضع خلاء ليتأمل مفتشا الكتب أو ليصلي . وكان يعود إلى بيته بعد تلك الساعات ، ساعات الهدوء ليباشر أعماله من جديد وليقدم للناس مثالا للصبر في العمل. ML 75.2