مشتهى الأجيال

53/684

ذووه يوبخونه

كل ذلك أسخط إخوته عليه. ولكونهم أكبر منه سنا فقد أحسوا أنه ينبغي له الخضوع لأحكامهم ، واتهموه بأنه يحسب نفسه أرفع منهم مقاما ، ووبخوه لأنه كان يتعالى على معلميهم وعلى الكهنة ورؤساء الشعب. وفي كثير من الأحيان كانوا يتوعدونه بقصد إخافته ، ولكنه سار قُدما مسترشدا بكلمة الله. ML 72.3

لقد أحب يسوع إخوته وعاملهم برفق لا ينضب ، ولكنهم كانوا يحسدونه ويظهرون له عدم إيمان واحتقار ساخرين. إنهم لم يفهموا تصرفاته . وقد بدا لهم أنه توجد متناقضات كثيرة في حياته . كان هو ابن العلي ومع ذلك فقد كان صبيا قاصرا . كان هو خالق الأكوان وكانت الأرض ملكا له ومع ذلك فقد اختبر الفقر في حياته في كل خطوة . كان فريدا في العظمة والجلال المنزهين عن الكبرياء والادعاء الأرضيين . لم يكن يركض وراء العظمة العالمية بل كان قانعا بأحقر المراكز . وهذا ما أسخط إخوته عليه . إنهم لم يستطيعوا التقليل من رصانته وهدوئه في مواجهة التجارب والحرمان ، ولم يكونوا يعلمون أنه من أجلنا افتقر وهو الغني “لِكَي تَستَغنُوا أَنتُم بِفَقرِهِ ” (2 كرنثوس 8 : 9). ولم يكونوا يفهمون سر مهمته ورسالته أكثر مما فهم أصحاب أيوب سر اتضاعه وآلامه. ML 73.1

ولقد أساء إخوة يسوع فهمه لأنه لم يكن يشبههم ، إذ كان مقياسه يختلف عن مقياسهم .وحيث كانوا ينظرون إلى الناس ارتدوا عن الله ولم تكن لهم قوته في حياتهم. لم تستطع طقوس الديانة التي كانوا يحفظونها أن تغير أخلاقهم . كانوا يعشرون “النَّعنَع وَالشِّبثَّ وَاْلكمونَ” ولكنهم تركوا أَثَقلَ النَّاموسِ: “اْلحقَّ وَالرحمة وَالإِيمانَ ” (متى 23 : 23). كان مثال يسوع الكامل مثيرا لهم على الدوام ، وكان الشيء الوحيد الذي أبغضه في العالم هو ML 73.2

الخطية. لم يكن يرى عملا واحدا خاطئا دون أن تتألم نفسه ألما لم يكن يستطيع إخفاءه . لم يكن أحد يخطئ في ملاحظة الفرق بين الطقسيين الذين كان تظاهرهم بالقداسة يخفي وراءه حبهم للخطية وبين الخلق الذي كانت الغيرة لله هي المبدأ السائد فيه . ولكون حياة يسوع قد دانت الشر فقد وجد مقاومات من البيت ومن الخارج . فكان الناس يعلقون على استقامته ونكرانه لذاته بالهزء والسخرية ، كما اعتبروا احتماله وشفقته جبنا. ML 73.3

كان ليسوع نصيب وافر من كل أنواع المرارة التي تحل بالإنسانية. كان هنالك جماعة حاولوا أن يلحقوا به الهوان والاحتقار بسبب مولده . وحتى في طفولته كان عليه أن يواجه نظرات الازدراء ويسمع الهمسات الشريرة منهم . فلو كان قد تأثر أو اهتاج ونظر نظرة أو نطق بكلمة تدل على الضجر لما أمكنه أن يكون مثالا كاملا ، ولما استطاع كذلك أن ينفذ تدبير فدائنا. ولو سلم بأنه يمكن أن يكون هناك عذر عن أية خطية لكان الشيطان قد انتصر وهلك العالم . هذا هو السبب الذي لأجله جعل المجرب حياة السيد في غاية الصعوبة والمشقة حتى يمكن أن يرتكب الخطية. ML 73.4

لم يكن عنده لكل تجربة إلاّ إجابة واحدة وهي: “مكتُوبٌ” . ولم يكن يوبخ إخوته على أخطائهم إلاّ في القليل النادر ، ولكن كان لديه كلمة من الله يقولها لهم في كل مرة . وفي كثير من الأحيان كانوا ينعتونه بالجبن حين كان يرفض الاشتراك معهم في بعض الأعمال المحرمة فيجيبهم بلطف من المكتوب: “هوذَا مخاَفةُ الربِّ هي اْلحكْمةُ ، وَاْلحيدانُ عنِ الشَّر هو اْلَفهم” (أيوب 28 : 28). ML 74.1