مشتهى الأجيال
“أعطيتكم مثالاً”
بعدما غسل أرجل تلاميذه قال لهم: “أعطيتكم مثالاً، حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً”. إن المسيح لم يفرض عليهم بهذه الكلمات الكرم وحسن الضيافة وحسب ، بل كان يقصد شيئا أكثر من مجرد غسل أرجل الضيوف لإزالة وعثاء السفر ، فلقد سن المسيح حينئذ خدمة دينية . والسيد إذ قام بهذا العمل أضفى على هذه الخدمة الوضيعة كرامة عظيمة بحيث صار فريضة مقدسة . وكان على التلاميذ أن يحفظوه لكي يذكروا دائما تعاليمه عن التواضع والخدمة . كانت هذه الفريضة هي الإعداد الذي رسمه المسيح لخدمة العشاء الرباني ،لأنه إذا أبقى الإنسان الكبرياء والنفور والنزاع حبا في الرفعة والسمو في داخله فالقلب لا يمكنه أن يدخل في شركة مع المسيح . وحينئذ لن نكون مستعدين للتناول من شركة جسده ودمه ، ولهذا أراد يسوع أن تحفظ ذكرى اتضاعه أولا. ML 618.1
إذ يتقدم أولاد الله إلي هذه الفريضة عليهم إن يذكروا ما قاله رب الحياة والمجد: “أتفهمون ما قد صنعت بكم؟ أنتم تدعونني معلماً وسيداً، وحسناً تقولون، لأني أنا كذلك. فإن كنت وأنا السيد والمعلّم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض، لأني أعطيتكم مثالاً، حتى كما صنعت أنا تصنعون أنتم أيضاً. الحق الحق أقول لكم: إنه ليس عبد أعظم من سيده، ولا رسول أعظم من مرسله. إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه” (يوحنا 13 : 12 — 17). إن الإنسان ميال بطبعه إلي اعتبار نفسه أعظم من أخيه ، وإلي خدمة نفسه وطلب أرفع مكان . وغالبا ما تنتج عن ذلك الظنون الرديئة ومرارة الروح . إن الفريضة التي تسبق عشاء الرب يجب أن تكتسح أمامها كل سوء تفاهم وتبعد الإنسان عن نطاق الأنانية وتجعله يكف عن تحطيم الذات ويلجأ إلي وداعة القلب التي تدفعه إلي خدمة الإخوة. ML 618.2
إن الرقيب السماوي القدوس هو حاضر في هذه الفرصة ليجعلها فرصة لاختبار النفس والتبكيت عن الخطية واليقين المبارك بغفران الخطايا . إن المسيح بملء نعمته حاضر ليغير اتجاه التفكير الذي كان يسير في قنوات الأنانية . والروح القدس يحيي وينعش أحاسيس من يتبعون مثال سيدهم . وإذ نذكر اتضاع المخلص لأجلنا فالأفكار ترتبط بعضها ببعض ثم تتكون لدى الإنسان سلسلة من الذكريات ، ذكريات صلاح الله العظيم وفضل الأصدقاء الأرضيين ورقتهم . ثم تعود إلي الذهن ذكريات البركات المنسية والمراحم التي أسأنا استعمالها والإحسانات التي ازدرينا بها . ويظهر أصل المرارة الذي تراكم في تربة القلب فعطل نمو نبات المحبة الثمين . وكذلك نذكر نقص خلقنا وإهمالنا لواجباتنا وجحودنا لفضل الله وفتور محبتنا للإخوة . ونرى الخطية التي يراها الله في قلوبنا . ولن تكون أفكارنا هي أفكار الرضى عن نفوسنا بل لومها والاتضاع أمام الله . ثم إن الذهن ينشط فيحطم كل السياجات التي أوجدت النفور . كما أن الأفكار والأقوال الشريرة تنبذ بعيدا . وإذ نعترف بخطايانا ننال الغفران ، فتدخل نعمة المسيح القاهرة إلي النفس فتجذب محبته القلوب بعضها إلي بعض في وحدة مباركة. ML 619.1