مشتهى الأجيال

545/684

العظمة في التواضع

فلما كان المسيح قد غسل أرجل التلاميذ واخذ ثيابه واتكأ أيضاً قال لهم: “أتفهمون ما قد صنعت بكم؟ أنتم تدعونني معلماً وسيداً، وحسناً تقولون، لأني أنا كذلك. فإن كنت وأنا السيد والمعلّم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض، لأني أعطيتكم مثالاً، حتى كما صنعت أنا تصنعون أنتم أيضاً. الحق الحق أقول لكم: إنه ليس عبد أعظم من سيده، ولا رسول أعظم من مرسله” (يوحنا 13 : 12 — 16). ML 617.2

أراد المسيح أن يفهم تلاميذه أنه مع كونه قد غسل أرجلهم فإن ذلك لم ينقص من كرامته في شيء . “أنتم تدعونني معلماً وسيداً، وحسناً تقولون، لأني أنا كذلك”. ولكونه متفوقا جدا وساميا إلي أقصى حد فقد أضفى على هذه الخدمة أهمية ونعمة عظيمتين . لم يكن أحد ممجدا كالمسيح ومع ذلك فقد تنازل وقام بأحقر خدمة . فحتى لا يضل شعبه بواسطة الأنانية الرابضة في القلب الطبيعي والتي تقويها وتغذيها خدمة الذات قدم المسيح نفسه مثالا للوداعة . إنه لم يكلف إنسانا بهذا العمل العظيم ، فلقد اعتبره ذا أهميه عظيمة جدا بحيث أنه هو نفسه المعادل لله ، اتخذ من تلاميذه موقف الخادم . فإذ كانوا يتنازعون على أرفع مكان إذا به هو الذي له ستجثو كل ركبة ، والذي يعتبر ملائكة السماء خدمته كرامة ومجدا عظيمين ينحني ليغسل أرجل أولئك الذين كانوا يدعونه سيدا بل لقد غسل رجلي مسلمه. ML 617.3

قدم المسيح بحياته وتعاليمه أكمل مثال للخدمة المنكرة لذاتها التي مصدرها الله . فالله لا يعيش لذاته . لقد خلق العالم وفيه يقوم الكل فهو على الدوام يخدم الآخرين ، “يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين” (متى 5 : 45). لقد سلم الله لابنه مقياس ونموذج الخدمة هذا . ثم أسلم يسوع لكي يكون رأسا ورئيسا للبشرية حتى بمثاله يعلم الناس ما هو معنى الخدمة . كانت كل حياته خاضعة لناموس الخدمة . إذ خدم الجميع وأعان الجميع . وهكذا عاش بموجب شريعة الله وأرانا بمثاله كيف نطيعها. حاول يسوع مرارا عديدة أن يثبت هذا المبدأ في عقول تلاميذه . فحين قدم يعقوب ويوحنا طلبهما لكي يحظيا بأسمى المراكز قال: “من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً” (متى 20 : 26). وكأنما هو يقول: لا مكان في ملكوتي لمبدإ الأفضلية والتسامي.فالعظمة الحقيقية هي عظمة الوداعة . والتمييز الوحيد هو في تكريس النفس لخدمة الآخرين. ML 617.4