مشتهى الأجيال
أمة ضالة
لقد أتى المسيح لكي يخلص أورشليم مع بنيها. ولكن الكبرياء الفريسية والرياء والحسد والخبث حالت بينه وبين إنجاز عمله وتحقيق غرضه . وقد عرف يسوع القصاص الرهيب الذي ستفتقد به تلك المدينة المحكوم عليها بالهلاك . رأى أورشليم محاطة بجيوش ورأى سكانها يقاسون أهوال الحصار والجوع والموت . ورأى الأمهات يأكلن أولادهن بعد موتهم . ورأى الآباء والأولاد يتخاطفون آخر كسرة خبز من بعضهم البعض. وقد قضت وخزات الجوع وآلامه على المحبة الطبيعية . ورأى عناد اليهود وصلابة قلوبهم كما ثبت وتبرهن من رفضهم لخلاص الله سيجعلهم يرفضون الاستسلام للجيوش الغازية . ورأى جلجثة التي كان هو سيرفع على صليب في ساحتها وإذا هي قد نصبت فيها صلبان كثيرة جدا كما لو كانت غابة كثيفة . ورأى سكان المدينة يقاسون الأهوال على آلات التعذيب أو الصلبان . ورأى القصور الشاهقة الجميلة وقد هدمت وصارت خرابا والهيكل وقد صار خرابا يبابا بحيث لم يبق من أحجاره الضخمة حجر على حجر . أما المدينة فقد فلحت كحقل- ولهذا حق للمخلص أن يبكي بحرقة وألم وعذاب وهو يرى ذلك المشهد الرهيب. ML 541.2
لقد كانت أورشليم موضع رعايته وعطفه. فكما ينوح الأب المحب على ابنه العاصي كذلك بكى يسوع على تلك المدينة المحبوبة . وكأنما هو يقول: كيف أسلمك للهلاك ؟ هل أتركك تملئين مكيال إثمك ؟ إن نفسا واحدة هي غالية القيمة جدا بحيث أن العوالم بكل ما فيها لا تساوي شيئا بالنسبة إليها . ولكننا هنا نرى أمة كاملة موشكة على الهلاك . فعندما تختفي شمس ذلك اليوم وراء الأفق سيكون يوم النعمة المقدم لأورشليم قد انقضى . عندما وقف ذاك الموكب على منحدر جبل الزيتون لم يكن وقت التوبة المقدم لأورشليم قد فات بعد . والآن ملاك الرحمة قد بسط جناحيه لينزل من أمام عرش الرحمة الذهبي ليفسح الطريق للعدل والدينونة القادمة سريعاً . ولكن قلب المسيح الكبير العامر بالمحبة كان لا يزال يتوسل لأجل أورشليم التي قد احتقرت مراحمه واستهانت بإنذاراته وكانت مزمعة أن تلوث يديها بدمه الكريم . فلو تابت أورشليم حينئذ ، إذ كانت الفرصة لم تزل سانحة للتوبة وإذ كانت آخر أشعة الشمس لا تزال تتلكأ على الهيكل والصروح والأبراج ، أفلم يكن هنالك ملاك طاهر يقود تلك المدينة وسكانها الى محبة المخلص ويبعد عنها جامات الدينونة والهلاك ؟ تلك المدينة الجميلة النجسة التي قد رجمت الأنبياء ورفضت ابن الله وبقساوة قلبها قيدت نفسها بقيود الألم والعبودية- كان يوم الرحمة المقدم لها موشكا على الانقضاء ! ML 542.1